التنمية الريفية تسهم في خلق الظروف اللازمة للسلام

TT

تمتلك منظمة البلدان المصدرة للنفط (الأوبك) تاريخا حافلا في العناية بقضايا البلدان النامية، من خلال برامج معوناتها الفردية ومشروعات التمويل المشترك مع الصندوق الدولي للتنمية الزراعية. وحينما أدرك العالم، في أعقاب الأزمات الغذائية، التي شهدها مطلع عقد السبعينات من القرن الماضي، أنه ليس هناك من مؤسسة مكرسة للمسائل التي تواجه الريفيين الفقراء، بادرت منظمة الأوبك إلى توفير الإرادة الضرورية وجانب كبير من الموارد اللازمة لسد تلك الثغرة. وقامت هذه المنظمة بذلك عبر إنشاء الصندوق الدولي للتنمية الزراعية عام 1977، بمهمته الفريدة المتمثلة في النهوض بالأوضاع المعيشية للريفيين الفقراء، بالاستناد إلى تمويل أنشطة التنمية الزراعية في أقاليم العجز الغذائي والدخل المنخفض في العالم.

وبدوره، اضطلع الصندوق الدولي للتنمية الزراعية بدور نشيط للغاية في الدول الأعضاء في منظمة الأوبك وفي منظمة المؤتمر الإسلامي. وعلى سبيل المثال، فقد وفرنا حتى الآن أكثر من 4.1 مليار دولار أميركي من القروض والمنح، للإسهام في تغطية التكلفة الإجمالية لمشروعات الحد من الفقر في بلدان منظمة المؤتمر الإسلامي، التي يصل عددها إلى 316 مشروعا. وجاء العديد من هذه المشروعات ثمرة للجهود التعاونية لمؤسسات وصناديق التنمية الوطنية والإقليمية العربية.

ومنذ إنشاء الصندوق الدولي للتنمية الزراعية قام بإرساء وترسيخ حضوره المتين في إقليم الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، لا كجهة مقرضة فحسب، بل ونصير للمجموعات السكانية المحرومة في المجتمعات النائية والمعدمة في هذا الإقليم. وركزت المشروعات الممولة من الصندوق على ميادين التنمية الزراعية والريفية، والخدمات الائتمانية والمالية، والري، والثروة الحيوانية ومصائد الأسماك، واستهدفت صغار المزارعين، والرعاة والرحل، والصيادين الحرفيين، والعمال المأجورين، وبالإضافة إلى ذلك، فإننا نقدم حالياً 12 منحة من منح المساعدة التقنية الضخمة، بقيمة إجمالية قدرها 15 مليون دولار أميركي، وذلك لأنشطة البحوث والتدريب وبناء القدرات والتنفيذ في الإقليم.

وإلى جانب الأثر الإيجابي المباشر على الأهداف الفورية للمشروعات، فإن أنشطة الصندوق الأخيرة في الإقليم اضطلعت بدور تحفيزي في مسائل ذات أهمية حيوية بالنسبة للريفيين الفقراء، بما في ذلك: ترويج النُهج التشاركية وتطبيق اللامركزية في الأردن والمغرب والسودان وسورية واليمن؛ والجمع بين الحد من الفقر والإدارة المستدامة للموارد الطبيعية؛ ومساندة البحوث الزراعية، وهو ما يشمل توليد واعتماد التقانات الجديدة المتعلقة بمحاصيل الفول، والقمح القاسي والحبوب الغذائية الأخرى، وتحسين أساليب إدارة المحاصيل.

وعلى مدى العامين المقبلين، ستنصب جهود الصندوق في الإقليم على التماس السبل اللازمة للنهوض بالأوضاع الحياتية للريفيين الفقراء، رغم ما يعانونه من قلاقل سياسية وحرمان وهزات مناخية شديدة، مثل موجات الجفاف والفيضانات ودرجات الحرارة القاسية. وعلى وجه التحديد، فإننا سنتعاون مع المجتمعات المحلية على إدارة موارد الأراضي والمياه في سبيل الحد من الفقر وتمكين المجموعات المجتمعية لإدارة الموارد.

إننا نواجه اليوم جميعاً التحدي المتمثل في ذلك العدد غير المسبوق من النزاعات العنيفة، التي يشهدها العالم. وترجع جذور الكثير من هذه النزاعات إلى الفقر واليأس. وبالنسبة للصندوق الدولي للتنمية الزراعية فإن هذا يعني أننا بحاجة إلى النظر في أثر النزاعات وتخطيط أنشطتنا على هذا الأساس.

ففي السودان، على سبيل المثال، فإن الصندوق يوفر المساعدة على تحسين الظروف المعيشية، والدخول، والقدرة الإنتاجية في صفوف الريفيين المعدمين في البلاد، كجزء من العملية المتكاملة للتنمية وإرساء السلام. وقد أطلقنا وواصلنا طيلة فترة النزاع، مشروعات ترمي إلى معالجة أمر انعدام الأمن الغذائي والنزاعات والصراعات المتعلقة بالموارد الطبيعية، لاسيما منها المتعلقة بموارد المياه والمراعي وضعف المشاركة المجتمعية في عمليات اتخاذ القرارات. وبالمثل فقد تابع الصندوق في غزة والضفة الغربية توظيف الاستثمارات في المناطق الريفية خلال النزاع المطوَّل. وتكفل أنشطتنا تعزيز القدرة على الصمود والتلاحم الاجتماعي والاعتماد على الذات، كما تساعد المجتمعات المحلية في الوقت ذاته على مجابهة المصاعب المتعلقة بضعف القدرة على الحصول على الوظائف والخدمات وفرص الادخار والائتمان والاستثمار.

ويرجع تحول الصندوق إلى مؤسسة إنمائية ومالية ناضجة، وقدرته على الاستجابة الفعالة للتحديات الأخيرة في الميدان، في جانب كبير منه إلى دعم الدول الأعضاء في منظمة الأوبك. ومن خلال تعاوننا استطعنا تعزيز أثر برامجنا الرامية إلى التخفيف من وطأة الفقر في المناطق الريفية. وثمة فرصة تاريخية متاحة للصندوق والبلدان الأعضاء في منظمة الأوبك للحد بشكل واسع من ظاهرة الفقر الشديد، من خلال مساعدة الشرائح المعانية من أشد مظاهر الفقر والحرمان، حيثما كانت ومهما كانت ظروفها الحياتية. وإذا ما كنا عازمين على تحقيق هدفنا المشترك المتمثل في تمكين فقراء الريف من التغلب على الفقر فإن العمل في إطار الشراكة الوثيقة يعتبر عنصراً بالغ الأهمية في ذلك.

* رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية