اتحاد هيئات المال العربية بين التكامل والتكرار !

TT

تأسيس اتحاد هيئات الاوراق المالية في الدول العربية الذي اعلن عنه يوم الثلاثاء الماضي في أبوظبي يثير تساؤلا حول الاهمية الفعلية لهذا الاتحاد في تطوير الاسواق المالية العربية وزيادة التدفقات الاستثمارية بينها.

ومع ترحيبنا المسبق بكل خطوة من شأنها التقريب بين الدول العربية وزيادة التكامل بين اقتصاداتها والترابط والتوافق بين تشريعاتها فإن التجارب التنسيقية بين الدول العربية لا تعطي فرصة كبيرة للتفاؤل بما ينتظر الاتحاد الوليد، لكن حتى لا نتهم بأننا نقدر الاذى قبل وقوعه فإننا نأمل ان يكون الاتحاد الجديد قد استوعب كل التجارب السابقة التي احاطت بالعمل العربي المشترك ووضع يده على مواطن الخلل التي عانت منها تلك التجارب حتى يضمن للمولود الجديد المناعة التي تقيه خطر الانزلاق نحو منحدر الروتين والرتابة وتمنحه القدرة على ان يكون اضافة حقيقية لعمل البورصات العربية. وابرز النقاط التي يتعين على الاتحاد الجديد الاهتمام بها توفير المعلومات الطازجة للمستثمرين في الاسواق المالية العربية سواء ما تعلق منها بالتطورات اليومية التي تشهدها هذه الاسواق أو ما تعلق بالنظم والتشريعات التي تحكم عمل تلك الاسواق. فالمعلومات الصحيحة والدقيقة والشاملة والشفافة هي ابرز عوامل نجاح الاستثمار. ومن المؤكد ان هذه المعلومات ستساعد المستثمرين العرب في تحريك استثماراتهم بين الدول العربية بشكل آمن وسريع، كما ان توفير المعلومات عن اوضاع الاسواق المالية واوضاع الشركات المدرجة فيها يسرع من خطوات الادراج المشترك ويعطي لعمليات الادراج السابقة مضمونا حقيقيا بعد ان ظهر ان الادراج المشترك الى الآن لم يعط النتائج المرجوة، حيث ظل الاهتمام الاستثماري في الاسواق محصورا بالشركات الوطنية التي تتوافر عنها وعن المناخ الذي تعمل به معلومات وافية تسمح باتخاذ القرار الاستثماري الصائب والمناسب. ومن ابرز الامور التي تساعد على تكوين قاعدة بيانات ومعلومات صحيحة ايجاد مركز بحثي مستقل يتولى تحليل البيانات المالية بأسلوب علمي ومحايد، وهنا لابد من الاشارة الى أن من أكثر المتاعب التي واجهت الأسواق العربية عدم وضوح المعلومات وعدم توفر اصوات محايدة قادرة على التحليل الصحيح. وقد كان من نتيجة ذلك ان الاسواق العربية بلا استثناء كانت ضحية لمعلومات مضللة وتحليلات سطحية دغدغت عواطف بعض المستثمرين وأمانيهم لتسهيل الانقضاض على مدخراتهم. والأمر الثاني الذي يتعين الاهتمام به هو تبادل التجارب بين الاسواق المالية العربية خاصة في الميدان التشريعي، فكل الاسواق العربية لاتزال أسواقا ناشئة وتحتاج الى تطوير مستمر في البنية التشريعية الاساسية حماية للمستثمرين من جهة وتحفيزا للاستثمار من جهة ثانية، وهذا التوازن بين حماية المستثمرين وتحفيز الاستثمار أمر ضروري اذ أن التشدد المبالغ به في الاجراءات الرقابية على الاسواق قد يفقدها المرونة التي تتفق والايقاع السريع لعمل الاسواق، كما قد يحرمها من فرص لجذب استثمارات كبيرة تتحرك في عالم كبير مليء بالفرص. وفي اطار الاهتمام بتبادل التجارب يتعين الاهتمام ايضا بالتدريب المشترك والاعداد الاكاديمي من خلال ربط مساقات التعليم الجامعي في التخصصات المالية والاقتصادية بواقع الاسواق العربية واحتياجاتها. من جهة أخرى، فإن من ابرز ما يجب الاهتمام به ايجاد آلية تسمح لمكاتب وشركات الوساطة المالية في الدول العربية المنضوية في الاتحاد بالعمل المشترك وتنفيذ عمليات في الاسواق المالية العربية من دون الحاجة الى ان تفتح شركات الوساطة مكاتب لها في كل دولة عربية تعمل بها. اننا ونحن نضع امام اعضاء اتحاد هيئات المال العربية هذه النقاط، نعلم ان المجال يتسع لكثير من النقاش عن الاولويات التي يتعين على الاتحاد الجديد الاهتمام بها، لكن المهم الا يغرق هذا الاتحاد في التنظير لخطوات يصعب تنفيذها، فالبدايات الصغيرة اذا كانت صحيحة وناضجة افضل من خطوات كبيرة لا تعرف موطئها ولا تحميها من الوقوع في براثن الروتين والرتابة.

* الرئيس التنفيذي لشركة نور للخدمات المالية