منتدى جدة الاقتصادي «يعوم» على حوض «أزرق» من الأفكار

الأزرق لون مائي و«مالي».. بعد أن أصبح المتحدث الرسمي للمال والأعمال

TT

بدت قاعة منتدى جدة الاقتصادي وكأنها محارة تطفو على سطح البحر، بطغيان اللون الأزرق على أروقة المنتدى، والذي ارتبط مؤخراً بعالم المال والأعمال، بصفته اللون المعتمد في منظمات وملتقيات الاقتصاد الدولية، كمنتدى دافوس ومنظمة التعاون الاقتصادي (اكو)، بالإضافة لاختياره كرمز ملازم للملكية والطبقات الاجتماعية العليا، أو ما يطلق عليهم «ذوي الدماء الزرقاء»، كونه يوحي بالثقة والسلطة، مما دفع بالكثير من المصارف والشركات الكبيرة لاعتماده في توصيل رسالتها الإعلانية التي تعكس هذه الصفات، إلى جانب الانطباعات التي تشكلت لدى العامة من كون اللون الأزرق لونا «ملكيا»، يترجم معنى الفخامة والإحساس بالمهنية العالية.

ودعّم الشعار الذي اعتمده القائمون على منتدى جدة الاقتصادي «الحوض الفكري للشرق الأوسط» الذي اختتم أعماله أمس في دورته الثامنة، من قوة تسيّد اللون الأزرق المائي، والذي أبدى الحاضرون بالغ إعجابهم في اختياره، كونه يصور حوض من الماء المنساب لنهل وتلاقح الأفكار الاقتصادية بصورة متدفقة وانسيابية.

ووصف فيصل فارسي، نائب رئيس لجنة الإعلان بالغرفة التجارية بجدة، في حديثه مع «الشرق الأوسط» تصميم شعار منتدى جدة الاقتصادي بالموفق، مشيراً إلى أن اختيار الكرة الأرضية وجعل اليابسة زرقاء اللون دون تحديد لأي تضاريس، جاء للتعبير عن العولمة وبأن العالم أصبح قرية صغيرة بلا حواجز ولا حدود.

وأشار إلى أن احتكار اللون الأزرق في واجهة وخلفيات منتديات المال وتغلغله داخل أروقة منتدى جدة الاقتصادي ربما يعود لحياده مقارنة بحساسية الألوان الأخرى كالأحمر والأخضر المرتبطة بمؤشر سوق الأوراق المالية، مضيفاً «اللون الأزرق مريح للعين، ويشد الانتباه، وعادةً مصممو المنتديات الاقتصادية ومقدمو برامج المال والأعمال يميلون للون الأزرق لأنه لون محايد، والعين لا تمله، فهو يسطع كخلفية مشعة لأي لون آخر».

وفي ما يخص تشابه تصميم شعار وخلفية منتدى جدة الزرقاء بتصاميم منتديات الاقتصاد العالمية (كمنتدى دافوس الاقتصادي)، يرى فارسي أن تشابه الشعارات أمر وارد، لأن المواضيع المطروحة للنقاش في منتدى جدة الاقتصادي هي ذاتها المطروحة في ملتقيات الاقتصاد العالمية، لذا أصبح هناك رابط معين حتى في تصميم الشعار والخلفيات الزرقاء. من جانب آخر، يؤكد الاستشاريون النفسيون على أهمية اللون الأزرق في صالات الحوار، كونه أحد أبرز الألوان الباردة، مما يقلل من حدة النقاش، ويعمل على تلطيف الجو وتبريده، خاصة للذين يعيشون في الأجواء الحارة الرطبة، كما ترى الدكتورة منى الصواف، وهي استشارية نفسية لـ«الشرق الأوسط» أن الناس يتأثرون بالألوان حسب طبيعة المنطقة التي يعيشون فيها.

وعبرت عن اعتقادها بأن هذا ربما يكون أحد الأسباب التي دعت منظمي منتدى جدة الاقتصادي لاعتماد اللون الأزرق في مناسبة تقع في مدينة ساحلية إلى جانب البحر، مضيفة «تفضيل اللون الأزرق قد يكون متفق عليه لدى متخذي القرار والاقتصاديين لاعتقادهم بعلاقته بعالم المال والأعمال، ولكونه لون مائي يشعر بالدبلومسية، ويبعث على الهدوء والقدرة على التفكير».

وتؤكد الدكتورة الصواف أنه لا قياس ثابتا في مسألة اختيار الألوان ودلالاتها النفسية، مرجعة ذلك لاختلاف الثقافات وتركيبة المجتمعات التي يصور أفرادها أهمية اللون وانطباعاته بتباين كبير.

وفي ذات السياق، يعتبر اللون الأزرق في الثقافات الغربية متفوقاً، بعكس الحضارات الشرقية التي منحت اللون الأحمر خصائص تفوقه، وبالرغم من تقدم اللون الأزرق على غيره من الألوان في الحضارة الغربية المعاصرة، إلا أنه تاريخياً ظل مستبعداً ومضطهداً لفترات طويلة، ولكن تبدلت أحواله في السنوات الأخيرة حتى صار رمزاً للرخاء الاقتصادي والثراء الاجتماعي، ولونا دوليا يعكس معاني الأمن والسلام عبر اختياره ممثلاً للمنظمات الدولية مثل اليونسكو واليونيسيف والاتحاد الأوروبي.

وتمتد حكاية اللون الأزرق مع العالمية لسنوات طويلة، حيث اعتبر عند الإغريق لون «أثينا» أسطورة الحكمة، وعند الرومان رمزا لأسطورة السماء «جوبتر» باللون الأزرق، وعند الهندوس ارتبط اللون الأزرق بـ «كريشنا» رمز القوة ، وفي المسيحية صوروا رداء السيدة العذراء باللون الأزرق الذي يمثل لهم الروحانية والزهد، وعند اليهود يعني الأزرق القدسية، فيما اعتبر اللون الأزرق لدى سكان منطقة الشرق الأوسط أداة حماية لصد الحسد والشرور.