الـ95% والـ5%

TT

قد يتبادر إلى ذهن القارئ أن عنوان هذا المقال هو خبر عن نتيجة انتخاب مسؤول عربي ما، ولكن الواقع أنه عنوان أبعد ما يكون عن السياسة، ولكنه عنوان معبر عن وضع سوق العمل في السعودية اليوم. هناك وضع غريب وشاذ في سوق العمل السعودي اليوم، فهناك نمو اقتصادي كبير، أدى بدوره إلى ارتفاع الطلب ونقص العرض، خصوصاً في المجالات الإنتاجية (قطاع المقاولات، قطاع الصناعة، قطاع الطاقة، إلخ)، مما أدى بدوره إلى ارتفاع كلفة العمالة.

وصحيح أن هناك عوامل أخرى ساعدت في رفع تكاليف العمالة، أهمها: 1 ـ إجراءات وزارة العمل في تقليص عدد التأشيرات.

2 ـ النمو الاقتصادي الكبير الذي تشهده القارة الهندية، والتي وفرت تاريخياً احتياجات المملكة من العمالة الماهرة، وغير الماهرة، الرخيصة الكلفة.

3 ـ عزوف الخبرات الغربية عن القدوم لأسباب أمنية، وبسبب النمو الاقتصادي في بلدانها أيضا. لهذه الأسباب مجتمعة نجد أن الطلب على العمالة السعودية في نمو كبير، ويفترض أن يكون ذلك مصدر سعادة لنا جميعاً، ولكن عندما ينظر القطاع الخاص إلى سوق العمل السعودية فإنه يفاجأ بوجود كثرة في الإنتاج، ولكن ضعف كبير في القدرات. ما هو الوضع في سوق العمل السعودي؟ هناك نسبة أقدرها 5 % فقط من العمالة السعودية التي تبحث عن عمل (أو هي عاملة وتبحث عن تحسين وضعها)، وهذه المجموعة تعلمت وتدربت تدريباً جيداًً، وتمتلك قدرات التعامل باللغة الإنجليزية، وتجيد استخدام الحاسب الآلي.

وقد أصبح أعضاء هذه المجموعة يعاملون معاملة لاعبي الكرة المحترفين، بحيث أصبحت تحصل على مكافأة مقدماً عند توقيع عقد العمل، هو وضع جديد لم نشهده من قبل.

وهذا يدل على أن من نصح، أو ساهم في تحضير تلك المجموعة النادرة لسوق العمل قد نجح نجاحاً باهراً، وساهم في تأمين مستقبل زاهر لتلك المجموعة وهو يستحق الثناء، والشكر.

ولكن، وما أصعب كلمة لكن في هذا المقام، فإن 95% من شبابنا يدور بملفه العلاقي الأخضر، يطمع في وظيفة حكومية، أو وظيفة حارس أمن في القطاع الخاص، حتى لو كان جامعياً، لأن تخصصه لا يؤهله لتقديم عمل مفيد، خصوصاً في القطاع الخاص. ومع تقديري لرغبة الكثير من المخلصين في رفع نسبة السعودة، وكثرة الحديث عن ملامة تجار التأشيرات، وأثرهم المدمر على المجتمع، إلا أنني أعتقد أن المشكلة الحقيقية هي في مكان آخر، لا يركز عليه من يهتمون بالسعودة، بل يغمضون عيونهم عنه بحثاً عن السلامة، فالمشكلة تنطلق من التعليم والتدريب، ولتتأكدوا من ذلك اسألوا أين درس وتدرب الـ 5%، وماذا تعلموا؟! واسألوا عن الـ 95%؟! وبسرعة ستعرفون النتيجة! لقد شاهدت مؤخراً أحد التربويين المشاركين في ندوة تلفزيونية يكرر مقولة مشهورة لرئيس إحدى الجامعات السعودية، يقول فيها إن مسؤوليتهم هي التعليم فقط، وليست لهم أية علاقة بسوق العمل واحتياجاته. وأتساءل، لسنوات شجعنا الطلبة الجامعيين على اختيار التخصصات غير المفيدة للقطاع الخاص (لأن المكافأة المالية للطالب الجامعي واحدة لجميع التخصصات)، وعندما كانت الدولة بحاجة إلى جامعيين قدمت الدولة مكافأة قـدرها (50.000) ريال لمن يتوظف في الدولة، بغض النظر عن تخصصه، واليوم نجد أن الدولة مثقلة بفاتورة موظفيها، والجامعات، ونظام التعليم والتدريب ويعدوننا بتحسن أدائهم.

ولكن ما نشهده في سوق العمل في القطاع الخاص اليوم، يجعل من شاب عمل في القطاع المالي خمس سنوات، نجماً لا يقل عن نجومية زين الدين زيدان، وفي نفس الوقت نجد حاملي الملفات العلاقية الخضراء تدور في الشوارع. ألم يحن الوقت أن نسأل عن سر نجاح الـ 5%، ونضع هدفاً لرفعه إلى 20% فقط؟ هل هذا الطلب مبالغ فيه؟