هل تتحِد أو تتكتل دول التعامل بالدولار؟

ســـعود الأحمد

TT

لا شك أن تذبذب سعر صرف الدولار الأمريكي في الأسواق العالمية وانخفاضه على النحو الذي آل إليه مؤخراً، يؤثر سلباً على الاقتصاد العالمي... بالنظر إلى أمور عديدة. وإن متعلقات كل ذلك لها أثر كبير على اقتصاديات دول مجلس التعاون العربية بشكل خاص. وعليه، فإن الوضع (والحال كذلك) يؤكد على أهمية التفكير في ردة الفعل المناسبة، وماذا يمكن عمله للتعامل مع هذا الوضع. فالمتابع لما يحدث في سيناريو العلاقات الاقتصادية العالمية، يجزم بأن هناك ما يمكن اعتباره حالة حرب اقتصادية من نوع جديد بين أقطاب الاقتصاد العالمي. هذه الحرب الاقتصادية بدأت ملامحها تظهر في الضرائب المبالغ فيها على النفط المستورد لدول أوروبا بوجه خاص، ومؤخراَ هذا التصاعد المطرد على أسعار صرف العملات الأجنبية الرئيسية في مقابل الدولار، بعد أن تخطى الجنيه الإسترليني الأسبوع الماضي حاجز الدولارارين للمرة الأولى منذ يونيو 1981، وتجاوز سعر اليورو عتبة الـ1.35 دولار في أعلى مستوى له منذ يناير 2005. والذي أود أن أقوله هنا، أن هناك خطأ تقدير تقع فيه دول التعامل بالدولار. حين تعزو حل مشكلة تذبذب سعر تبادل الدولار إلى مسؤولية الحكومة الأميركية عنه (وتقف تتفرج مكتوفة اليدين) ومن منطلق حاجة الاقتصاد الأميركي لذلك. فالاقتصاد الأميركي بحكم تكامله وضخامته وتنوع منتجاته وعلاقاته التجارية مع باقي دول العالم، يمكن له أن يمتص آثار ما يحدث. فعلى الرغم من أن انخفاض قيمة الدولار يؤدي إلى ارتفاع تكلفة السلع المستوردة أميركيا من أوربا واليابان، إلا أنه من جانب آخر يحفز الأسواق العالمية على شراء السلع الأميركية، ويجعل منتجاتها أكثر تنافسية. كما يؤدي إلى خفض عجز الميزان التجاري، وهي المشكلة التي ظل الاقتصاد الأمريكي يعاني منها ولفترة طويلة. حيث أن المعالجة الأمريكية لما يحدث لهبوط سعر لدولار تتم على نحو يختلف تماماً عن الدول شبه أحادية المنتج. حيث تعتمد معظم على وارداتها من النفط الذي يقيم بالدولار. وبالنظر إلى كوننا ما زلنا في مرحلة بناء المشاريع التنموية الأساسية، وأن الأثر السلبي ينعكس على الدخل الحقيقي للفرد الخليجي، فإنه لا بد أن نعي حقيقة ما يحدث ونتعامل معه لامتصاص آثاره السلبية، بأن نحشد جميع الوسائل المتاحة ونوظف الفرص البديلة ونستغلها أحسن استغلال لمواجهة ما يحدث، لأن الحقيقة أنه وبقدر ما تبقى الدول التي تتعامل بالدولار جامدة على نفس نسب حجم تبادلها التجاري مع الدول التي ارتفعت أسعار عملاتها، بقدر من تُحقق لهذه الدول أهدافها، وتُمكنها من كسب نقاط الحرب الجديدة. والواضح بالنسبة لنا في دول مجلس التعاون الخليجية (على وجه الخصوص)، أن ذلك ينعكس سلباً على القوة الشرائية لأسعار عملاتنا وعلى رفاهية شعوبنا ويعيق أو يؤخر ما نخطط لتنفيذه من مشاريع على الوجه المطلوب. وأننا إذا لم نتحرك فإن مستقبل الدولار لن يكون بحال أحسن مما هو عليه. ولعل الوقت والظرف مناسبين وبإلحاح لنشر الوعي العام لترشيد استهلاك المواطن الفرد واستيراد المؤسسات والشركات، لإدراك الحقيقة أننا أمام حالة من المواجهة الاقتصادية. وأن من الواجب علينا (كإجراء أولي) أن نُفكر جدياً في صناعات محلية بديلة وفي الأسواق البديلة كالصين وأميركا واليابان. على حساب أسواق العملات المرتفعة، وأقصد بذلك دول أوربا وفي مقدمتها المملكة المتحدة.

مما سبق... يمكن التأكيد على أهمية عمل شيء لمواجهة ما يحدث من تدني لسعر صرف العملات بالأسواق العالمية. كأن يكون هناك اتحاد أو تكتل جديد وفاعل لدول التعامل بالدولار، يعنى باتخاذ الإجراءات التي تحقق مصالح هذه الدول. هذا وإن لم يكن الوضع مناسبا أو أن البيئات السياسية للدول التي يفترض تحالفها في هذا الشأن، لما يعول عليه لخلق أو إنشاء نوع من الاتحاد الرسمي، فإن ذلك لا يمنع من بذل ما يمكن لتفعيل الجهود التي تحقق المصالح خارج نطاق التكتلات السياسية.

* محلل مالي سعودي