إلى مجلس الشورى: مجانية التقاضي ضيعت الحقوق!

سـعود الأحمد

TT

لا شك أن سن التشريعات وبناء الأنظمة التي تضمن للآخرين حقوقهم، أمر يُعد من أهم دعائم البيئات الاقتصادية السليمة، وعامل مهم لاستقرار الاستثمارات المحلية، وحافز لجذب لرؤوس الأموال الأجنبية. وبمناسبة تخصيص مجلس الشورى جلستي اليوم الاثنين وأمس (الأحد) وربما يمتد النقاش لجلسة استثنائية ليوم غد، لمناقشة نظامي القضاء وديوان المظالم، فإن من المناسب التأكيد على أن المجتمع يتطلع إلى تشريعات توفر حلولا جذرية لمشكلة تحصيل الحقوق المالية، وبالأخص المديونيات المحددة وفي مقدمتها القروض الحسنة وكفالات القروض الشخصية ومنها كفالات شركات التقسيط وأقساط البنوك.

فواقعنا الحالي، أننا وصلنا إلى مرحلة أصبح البعض فيها يتهيب من إقراض بعضهم ومساعدتهم على فك ضوائقهم عند الحاجة، وكأننا في مجتمع ذهب فيه العرف بين الله والناس. والسبب أن صاحب الحق عندما يطالب بحقه وتنقلب العلاقة إلى خصومة يصبح في موقف لا يحسد عليه أمام الشخص المقترض! إلى درجة أن الدائن يبقى يتعطف المدين ويتلطفه عسى أن يمن عليه بحقه! ولو أكل بعضه أو قسط ما يشاء منه حسب ظروفه، وماله يصبح عليه صدقة. وإن لم يقبل بذلك فليس أمامه إلا أن يسير في إجراءات التقاضي.. وهو الخيار الأصعب. والذي ما أن يسير فيه حتى يقتنع بالحلول ويقبل بالتنازلات. وصاحب الحق هو الذي يبادر بالحلول الوسط ويأخذ ما تيسر ويترك ما تعسر! ومما يحز في النفس إذا كان موضوع المديونية التي انقلبت إلى دعوى قضائية قرضاً حسناً لوجه الله! وأكثر ما يغيظ: إذا كان المقترض مليء والمبلغ بسيط لا يستحق رفع دعوى قضائية، ليضطر صاحبه بالتنازل عن بعضه ويؤجل بعضه. كل ذلك وهو يعلم أن القاعدة الشرعية تقول إن «مطل الغني ظلم» لا لسبب إلا لأن تكاليف المطالبة تفوق مبلغ القرض الذي يسعى صاحبه لاسترداده. فالمدين المماطل يستطيع أن ينكر أو يدعي وجود حسابات معك أو يختلق خلاف على مبلغ الدين الأصل أو المتبقي منه أو يتحجج بأي ذريعة لتحال المطالبة للجهات القضائية... وتمر السنين وتطول معاناة صاحب الحق، وفي الأخير يحصل على أساس الدين، ومن دون تعويض عما أصابه من أضرار مادية ومعنوية وما خسره من وقت وجهد في سبيل استعادة حقه! وإجراءات المتابعة معروفة لدى عامة الناس ولا يحسن سردها هنا. كل ذلك ما كان يجب أن يحدث، بل يمكن تلافيه لو قننت إجراءات تقاضي تُحمل المدين تكاليف إجراءات ومتابعة التحصيل (بما في ذلك أتعاب المحاماة). أما مع ترك الأمر على المدين، فكم من حقوق ضاعت وتضيع. وحول هذا الموضوع فإن لفضيلة الشيخ عبد المحسن العبيكان، مستشار وزير العدل وعضو مجلس الشورى الذي أجد فيه أنه يحمل هم المجتمع في هذا الشأن، وان لديه رؤية شرعية عملية تستند إلى النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، ورؤية الشيخ العبيكان تغني كمصدر لوضع اللوائح الإجرائية التفصيلية التي من المتوقع أن يتبناها مجلس الشورى، لصدور تشريع يحمي المجتمع من تلاعب المماطلين والمحتالين ويلزمهم بتكاليف المقاضاة وجميع الأضرار المترتبة على مماطلتهم في الوفاء بالمديونية... وليس فقط أصل المديونية. والموضوع سبق وأن طُرح كثيراً، ولا بأس من التأكيد عليه تكراراً، بمناسبة مناقشة مجلس الشورى لنظامي القضاء وديوان المظالم. لكن الأمر الآخر الذي أعتقد أنه نادرا ما طُرح هو مجانية التقاضي. فالسؤال هو: لماذا لا تُقيم هيئة التحقيق والادعاء العام دعاوى ضد المماطلين الذين يكلفون الدولة المبالغ الطائلة في مواعيد وجلسات تتحمل جراءها الجهات القضائية والتنفيذية أموالاً بلا ادنى مبرر. وكأننا نكافئ المماطل ونمنحه فسحة الوقت ونقدر له في الأخير إذا تجاوب وعاد إلى جادة الصواب ودفع ما عليه أو تعهد بذلك.

وختاماً فإن من المتعارف عليه أن من مقومات النظام الاقتصادي السليم وجود نظم وتشريعات تضمن أداء الحقوق والواجبات المالية في وقتها ومن دون تكاليف إضافية.

[email protected]