القطاع المصرفي تعوزه الجرأة رغم تحسن الملاءة

TT

على خلاف ما كان متوقعا فإن التحسن الكبير الذي شهدته موجودات البنوك في منطقة الخليج والزيادة الكبيرة في رؤوس اموالها لم يؤد الى تغير كبير في دور هذه البنوك وتعديل آليات عملها فظلت بالإجمال، تدور في حلقة الاقراض الشخصي الاستهلاكي، او تقتات على انتعاش القطاعات الاقتصادية الأخرى وعلى تحسن الموارد المالية العامة دون ان تكون شريكا فعليا في عملية التنمية ذاتها. ونظرة لهيكل القروض البنكية نجد ان هذه البنوك لم تفعل الكثير في البحث عن الفرص لاستثمار سيولتها المالية الضخمة وكان تركيزها ينصرف نحو الإقراض الشخصي او تمويل العمليات المضمونة بشكل مباشر او غير مباشر من جهات رسمية او شبه رسمية. وإذا كانت المصارف المركزية قد وضعت ضوابط كثيرة حدت من قدرة البنوك على التمويل، الا ان هذه الضوابط أصبحت فيما يبدو الشماعة التي تعلق عليها البنوك عجزها عن تقديم بدائل تمويل مبتكرة، غير المجالات التقليدية التي لم تعد عوائدها قادرة على تأمين ارباح تتناسب مع رؤوس الاموال الجديدة لهذه البنوك ولا مع الارباح التي تتحقق في القطاعات الاخرى غير المصرفية. لقد آن الاوان لقيام البنوك التجارية باحتضان المبادرات الاستثمارية والأفكار الجديدة، وهذا يقتضي بشكل خاص ايجاد كوادر متخصصة قادرة على فحص تلك المبادرات والأفكار لا من خلال الجوانب المالية المحضة بل من جوانب فنية واقتصادية قد لا تكون الارقام المالية الصماء مرآة صافية لها. لقد اخذت حكومات المنطقة على عاتقها دعم مبادرات شباب الاعمال ووفرت التمويل الاساسي لانطلاق هذه الاعمال، وكان يفترض في البنوك المحلية البناء على دور الحكومات والتقدم نحو مشاريع الشباب لا بغرض التمويل فقط بل بروح الرغبة في ايجاد مؤسسات اعمال ناجحة تضيف الى الاقتصاد المحلي وتزيد من تفاعل البنوك مع السوق المحلي لا ان تظل صدى لحركته. وهنا لا بد من الاشارة الى ان البنوك في المنطقة مطالبة بالتخلص من عقدة الديون السيئة التي ادت في بعض المراحل الى ارتباك عمل بعض البنوك وتزايد حجم الديون المشكوك فيها بشكل جعلها اكثر حذرا في التقدم لعمليات تمويل عديدة لم يكن يعوزها الا توفر الإرادة والقدرة على فهم ابعادها الاقتصادية وإمكانياتها الكامنة.

ومع قبول التحفظات التي يضعها البعض على أي مقارنة مع القطاعات المصرفية في الدول الكبرى، فإن الاشارة الى دور البنوك في اقتصادات الدول الصناعية وفي الاسواق المتطورة يشير الى ان البنوك هناك اكثر جرأة في تلمس الفرص الاستثمارية وملاحقتها وأكثر جرأة في قبول بعض المخاطرة التي يبدو ان بنوكنا ليست مستعدة الى الآن لقبولها. وفي هذا السياق لا بد ان نشير الى امرين أولهما ان البنوك الأجنبية تستعد للدخول الى الاسواق المحلية وهذا معناه ان المنافسة لن تكون محصورة بحجم الملاءة المالية التي تتمتع بها بنوكنا بالمقارنة مع ملاءة البنوك التي تنتظر الدخول لأسواقنا، بل ستتصل ايضا بآليات عمل هذه المصارف التي نعلم انها ستكون اكثر اقداما وجرأة من بنوكنا.

والأمر الثاني ان البنوك المحلية لا تستفيد كما يجب من تحسن المناخ الاستثماري المحلي والذي يتمثل اساسا في ظهور شركات استثمار مالية متخصصة، وهي شركات يمكن ان تكون ادوات للبنوك في تلمس فرص استثمارية واعدة تصلح اساسا لشراكات بين البنوك وشركات الاستثمار وتهدف في نهاية المطاف الى تطوير قطاع الاعمال باتجاه ايجاد مؤسسات انتاجية اكثر ديمومة ورسوخا.

* الرئيس التنفيذي لشركة نور للخدمات المالية الإماراتية