مصارفنا و«اللعب مع الكبار»

حسين العويد

TT

يثير التردد الذي تبديه دول المنطقة إزاء منح تراخيص بنوك جديدة أو تراخيص للبنوك الأجنبية، تساؤلات عن معنى هذا التردد وعما اذا كان ذلك تعبيرا عن عدم الثقة بالنفس أو عدم قدرة تشريعاتنا المصرفية والمالية على التعامل مع بنوك كبيرة الحجم وغنية الخبرة قبل أن تكون غنية من ناحية الملاءة المالية. وحتى الآن فإن الإجابة الوحيدة على تلك التساؤلات تنحصر في كون الساحة المصرفية المحلية غير مهيأة (للعب مع الكبار)، وأن مصارفنا لم تصل الى مرحلة الرشد التي تجعلها قادرة على منافسة البنوك الاجنبية، وبالتالي فإن من مسؤولية الحكومات توفير نوع من الحماية لهذه المصارف وتجنيبها منافسة غير متكافئة مع البنوك التي قد تفد إلينا إذا ما فتح باب التراخيص. وغني عن القول إن هذا التبرير هو وصفة مجربة وقديمة. وقد امتحنت في قطاع الصناعة حين ظلت أسواقنا لفترة طويلة مغلقة أمام الإنتاج الصناعي الأجنبي بهدف حماية إنتاجنا المحلي من المنافسة الأجنبية. والنتيجة ان انتاجنا الصناعي تقوقع على عيوبه لعدم وجود انتاج مماثل يمكن ان يقارن به، كما ان هذا الإنتاج سرعان ما ترهل وفقد قدرته على مجاراة التطورات التي طرأت على المنتجات المماثلة، الأمر الذي أدى إلى فتح باب التهريب والسوق السوداء امام السلع الأجنبية. وما حدث في القطاع الصناعي حدث أيضا في قطاع الخدمات التي حاولت دول المنطقة تحت مسميات الحماية للمؤسسات الوطنية إبقاءه حكرا على الشركات المحلية، وهو ما أدى في نهاية المطاف الى تدني مستوى الخدمات التي تقدمها هذه الشركات وتراجع في مستواها الفني لغياب المنافسة والاحتكاك مع مؤسسات متطورة وأكثر ملاءة وخبرة.

وقد تنبهت بعض الحكومات الى مخاطر «فرض سياج من الحماية» على المؤسسات والشركات الوطنية، اذ ثبت ان الفوائد المحدودة التي تتحقق في المدى القصير تتحول الى كوارث في المديين المتوسط والطويل. ولذلك سارعت الى اتخاذ اجراءات تشريعية، ومبادرات اقتصادية لتطوير نظام الحماية التقليدية من نظام انغلاق على الذات الى نظام يسمح بوجود الشركات والمؤسسات الأجنبية ضمن شروط وضوابط مالية وتشريعية. ان النتائج التي حققتها المؤسسات والشركات الوطنية، من فتح باب التنافس الحر مع الشركات الأجنبية لم تقتصر على تحسن اداء وانتاج شركاتنا الوطنية، بل فتح الباب واسعا امام شراكات بين مؤسساتنا الوطنية والشركات الأجنبية وأمام استثمارات أجنبية كانت تعزف عن الدخول لأسواقنا بسبب انغلاق الأسواق ونظم الحماية. وإذا كنا اليوم نطالب بتعميم تجربة الانفتاح على قطاعنا المصرفي فإن هذه المطالبة هي للتأكيد بأننا وصلنا مرحلة الفطام وأن مصارفنا التي زادت ملاءتها المالية وتراكمت خبراتها، جديرة بأن تعطى فرصة لإثبات الذات من دون حماية أو مساعدة. ومع الثقة بأن معظم المصارف الوطنية قادرة على التكيف مع المنافسة الأجنبية فأن المصارف التي لا تستطيع ذلك عليها ان تطرق بدائل وخيارات أخرى. فالسباق لا يصمم على مقاسات وسرعات الجياد البطيئة، بل على اساس معايير عالمية يجب الانصياع لها والتقيد ببنودها. كما ان المطالبة بتعميم التجربة ضروري للتجاوب مع المرحلة التنموية الحالية التي نعيشها. فالمؤسسات الوطنية في مجالات الاستثمار والعقارات بدأت تطلق مبادرات عالمية، وبالتالي فإن الإبقاء على أسواقنا مغلقة في وجه الآخرين والتمتع بفرص استثمارية في الأسواق الأجنبية يعني التعامل بمعيار مزدوج لا يرضي الآخرين ولا يحقق لاستثماراتنا الخارجية الاستقرار الذي ننشد.

الى ذلك فإن فتح باب قطاعنا المصرفي أمام المصارف الأجنبية معناه جذب استثمارات جديدة وتوفير مصادر تمويل إضافية. وفي هذا الجانب فإن المتتبع لما يطلق من مشروعات تنموية وخدمية في دول المنطقة يدرك ان هناك حاجة ملحة الى تمويلات اضافية لا تبدو المصارف الوطنية وحدها قادرة على تلبيتها.

*الرئيس التنفيذي لشركة «نور للخدمات المالية» الإماراتية