العملة الخليجية الموحدة ضرورة.. لا اختيار!

حسين العويد

TT

يبدو أن العملة الخليجية الموحدة أصبحت في مهب ريح التصريحات والتحليلات، التي باتت تستبعد إصدارها في الوقت الذي حدده قادة مجلس التعاون في يناير من عام 2010. ومع الأمل في ألا ينسحب التحفظ الذي يبديه البعض إزاء موعد إصدار العملة الموحدة على الفكرة ذاتها، فإننا نعتقد بان الفرصة لا تزال متاحة لتدارك أي صعوبات تمنع دول مجلس التعاون من الوفاء بهذا الاستحقاق الذي سيكون علامة فارقة في مسيرة المجلس ومسيرة العمل الخليجي. وتدارك الصعوبات لا يعني التعويل فقط على المسافة الزمنية التي تفصلنا عن موعد إعلان الوحدة النقدية الخليجية، بل يعني أيضا التعويل على الظروف الاقتصادية المواتية التي تعيشها دول مجلس التعاون حاليا والتي توفر مناخا صالحا قلما نجد مثيلا له في التجمعات الإقليمية المجاورة لنا أو حتى البعيدة عنا. فدول مجلس التعاون تعيش ظروف انتعاش اقتصادي تسمح لها باستيعاب وهضم أي فوارق في مستويات التنمية التي ينظر إليها كعامل معيق لأي وحدة نقدية أو تكامل اقتصادي. ولا يبدو من واقع ما يجري في الدول الاعضاء من حركة اقتصادية وتنموية ان تلك الفوارق كبيرة للدرجة التي يصعب تجاوزها والسيطرة عليها. فالتفاوت مثلا بين مستويات الدخل او الاسعار او اسعار صرف العملات ومستويات التضخم بل وحتى معدلات البطالة او حجم الاعباء التي تتحملها الميزانيات الحكومية هي امور يمكن التعاطي معها بنفس الاسلوب التي تعاطت به اوروبا مع مستويات تفاوت اعمق وأصعب بين دولها عندما قررت انشاء اتحاد فيما بينها. ان الوحدة النقدية الخليجية، لا تشكل بالنسبة لدول المنطقة اختيارا بقدر ما يعد ضرورة لمواجهة واقع سياسي واقتصادي جديد يتحول فيه العالم الى قرية صغيرة وتتجسد فيه تكتلات اقتصادية ضخمة وتتبلور فيه قوى اقتصادية عابرة للحدود لا تملك ما لدى دول المجلس من امكانيات ومقومات.

وإذا كانت العملة الموحدة تعبيرا عن التكامل بين دول المجلس فهي ايضا وسيلة من وسائل تحسين القدرة التنافسية لاقتصادياتنا في مواجهة التكتلات الاخرى وتحصينها من التقلبات الاقتصادية العالمية التي تتسلل الينا عبر تعاملاتنا التجارية واستثماراتنا وانتقالنا كأشخاص او أموال. وعلى خلاف ما يظن البعض فإن انشاء عملة خليجية موحدة لا يعني بالضرورة الانتقاص من سيادة الدول الاعضاء وقدرتها على السيطرة على مواردها. فالعملة الاوروبية الموحدة التي باتت منافسا قويا للدولار الاميركي لم تؤد الى اضمحلال الكيانات القومية الاوروبية، بل ان هذه العملة كانت من اهم العوامل التي ساهمت في تقوية الاقتصادات الوطنية المحلية وتوفير فرصة افضل لها لتعميق وجودها الاقتصادي وتقوية مؤسساتها الانتاجية وشركاتها التجارية من خلال توسيع الاسواق المتاحة امامها. كذلك فان الوحدة النقدية تعزز القوة التفاوضية لدول المجلس وتمكنها من مواجهة استحقاقات ما تفرضة منظمة التجارة العالمية، على صعيد فتح ابواب التجارة العالمية وتحرير أسواق دول الخليج فيما بينها من جهة ومع الدول الاخرى من جهة ثانية وصولا الى ازالة القيود التي كانت تقيد عمل الشركات والمؤسسات الأجنبية من العمل في أسواقنا. ان دول مجلس التعاون التي أظهرت قدرا كبيرا من الالتزام والمثابرة في مسيرتها لتحقيق التكامل وتعزيز التعاون بين دولها، تحتاج الى تجديد هذا الالتزام تجاه العملة الخليجية الموحدة. فالتراجع في هذه المسألة أو التراخي فيما يخصها لا يعني ضياع وقت ثمين على دول المجلس بل إشاعة جو من الإحباط قد ينعكس على مسيرة العمل الخليجي برمتها. فأبناء دول المجلس باتوا على درجة اكبر من الوعي وهم يتحركون بوتيرة تعاون أوسع من تلك التي يتحرك بها العمل السياسي الخليجي. فالاستثمارات البينية الخليجية تجاوزت في احجامها ومرونة حركتها ما كانت دول المجلس تخطط له عند بداية انطلاق مسيرة المجلس، وبالتالي فإن التباطؤ في إصدار العملة قد يعني إشاعة جو من الإحباط بين من كانوا روادا في تأسيس المجلس.

* الرئيس التنفيذي لشركة نور للخدمات المالية الإماراتية