الاستثمارات الخارجية الخليجية.. نجاح اقتصادي ورصيد سياسي

حسين العويد

TT

يعكس التسابق الخليجي على الاستثمار الخارجي، تحولا في التفكير الاستثماري وتطورا في مفاهيمه. فالمستثمرون الخليجيون باتوا أكثر جرأة في المنافسة على الفرص الاستثمارية، وأصبحوا أكثر قدرة وملاءمة في التعاطي مع تلك الفرص. وعلى عكس ما كان سائدا في العقدين الماضيين فإن المناخ السياسي الذي كان العامل الأول المعوق لتدفق الاستثمارات وانسيابها عبر الحدود، يشهد تحولا كبيرا من حيث ان كثيرا من الدول سعت وراء جذب المستثمرين، فكت الارتباط بين خلافاتها السياسية وبين تطلعاتها الاقتصادية. وبالتالي فإن المخاوف من التأميم أو المصادرة، أو حتى من فرض قيود على استيراد المواد الخام اللازمة للمشاريع أو قيود على إخراج رأس المال المستثمر أو الأرباح الناتجة عنه عند تغير النظام السياسي، أصبحت في معظمها من ارث الماضي بعد أن طورت العديد من الدول ضمانات تشريعية وقانونية بشكل يتناسب ومتطلبات تشجيع الاستثمار. يضاف الى ذلك ان الاستثمار في الخارج، هو خطوة استباقية لبدء تطبيق معايير انفتاح الأسواق وفق أنظمة ولوائح منظمة التجارة العالمية، ولا شك أن قدرة دول الخليج في المنافسة لتسويق العديد من المنتجات النهائية ستكون اضعف بكثير فيما لو اعتمدت على ما يتم إنتاجه في المشاريع المحلية. فكثير من المنتجات التي تملك فيها الأسواق الخارجية مزايا نسبية كالعمالة الرخيصة وتوفر المادة الخام يحسن دخولها من باب الاستثمار في الإنتاج لا من باب التجارة. ولعل قيام العديد من المصانع والمعامل الغربية بافتتاح فروع لها في بعض الدول الآسيوية هو خير دليل على المنافسة على الأسواق الخارجية تصبح أقوى وأفضل إذا ما تمت الاستفادة من مزايا الاستثمار المباشر في هذه الأسواق سواء على صعيد العمالة أو المواد الخام أو كلفة النقل. على أهمية المزايا الاقتصادية التي تتوفر لدول الخليج من الاستثمار في الخارج، فإن هذه المزايا ليست بأهمية النتائج الاجتماعية والسياسية لهذا الاستثمار. فعلى الصعيد الاجتماعي فإن الاستثمار في مشاريع إنتاجية في الخارج يعني بالضرورة تقليص استقدام العمالة الأجنبية للمشاريع، في ما لو تم تنفيذها داخل الدولة. وعلى هذا الصعيد فإن فرصة استيراد عمالة بكلفة رخيصة كما كان الحال في العقدين الماضيين لم تعد متوفرة في ضوء التشريعات والنظم العمالية الجديدة أو في ضوء النظم التي يجري تطويرها وتحديثها لتنسجم مع المعايير الدولية.

أما على الصعيد السياسي فإن التوسع في الاستثمار الخارجي يطور الى حد كبير العلاقات السياسية ويجعله رصيدا وأداة من أدوات السياسة الخارجية. كما ان هذا النوع من الاستثمار من شأنه نسج شراكات في مشاريع واستثمارات تمكن دول الخليج من استثمار فوائضها المالية بشكل أكثر احترافا خاصة في ضوء التدهور الحالي في أسعار الفائدة التي لم تعد جذابة لاستقطاب فوائض وموارد دول الخليج المالية. ومثل هذه الشراكات لا تقتصر على اتجاه واحد، فهي تعمل حيثما تتوفر فرص استثمارية مناسبة. ومثل هذه الفرص تحكمها المعايير الاقتصادية أي مدى توفر مزايا نسبية لتنفيذ المشروع المشترك في هذه الدولة أو تلك، وبالتالي فإن المزايا النسبية التي تتمتع بها دول الخليج مثل توفر الطاقة والموقع الجغرافي والاستقرار السياسي والاجتماعي كلها عوامل تسمح بأن تمتد الشراكات الاستثمارية لمشاريع إقليمية داخل المنطقة. إن دول الخليج مقبلة على مرحلة يتجاوز دورها دور المزود للطاقة الى دور تكون فيه بين اللاعبين الكبار في الأسواق العالمية، وهو أمر قد يؤهلها لاحتلال مكانة سياسية اكبر مما هي عليه الآن، وبالتالي فإنها تكون قادرة على مواجهة أية أزمات او ضغوطات طارئة كتلك التي واجهتها في الماضي القريب بكلفة مادية وسياسية اقل.

*الرئيس التنفيذي لشركة «نور» للخدمات المالية الإماراتية