المصرف المركزي الإماراتي.. والتغريد خارج السرب

TT

في زحمة ما يطلق من مشاريع عملاقة في معظم دول المنطقة، وفي ظل الارقام الكبيرة التي ترصد لتمويل هذه المشروعات، يبدو الحديث عن المشروعات الصغيرة والمتوسطة نوعا من التغريد خارج السرب. على ان هذا التغريد، حتى لو بدا للبعض نشازا، يشكل ضرورة لضبط ايقاع الحركة الاقتصادية واعطاء المشاريع العملاقة الجديدة فرصة الوصول الى كافة مفاصل الدورة الاقتصادية. وقد تنبه المصرف المركزي الاماراتي الى هذه المسألة عندما اقترح اصدار قانون خاص للمشاريع الصغيرة والمتوسطة لتحفيز البنوك على تقديم تسهيلات ائتمانية لهذه النوعية من المشاريع التي يعلم الجميع انها الاكثر حاجة للتمويل والدعم. وعلى خلاف ما يتضمنه اقتراح المصرف المركزي الاماراتي من ابعاد اجتماعية، فإن البعد الاقتصادي للاقتراح هو ما يلفت الانتباه. فالمصرف المركزي بالرغم من اهتمامه بالبعد الاجتماعي، يعلم علم اليقين ان العمل الاقتصادي ليس عملا خيريا ولا خدمة اجتماعية وبالتالي فإن أي قانون اقتصادي جديد يجب ان يأخذ بعين الاعتبار هذه الحقيقة ويبني عليها. من هنا فإن دوافع المصرف المركزي الاماراتي لاقتراح قانون خاص للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، تعكس قراءة صحيحة للواقع الاقتصادي الجديد الذي يمر به الاقتصاد المحلي خصوصا والخليجي عموما. فالواضح ان البنوك المحلية التي تشكل مصادر التمويل الاساسية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة تنصرف الآن لملاحقة الفرص التمويلية الكبيرة التي يوفرها اطلاق المشاريع العملاقة وهو ما يعني ان مصادر التمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة تجف او تخضع لشروط قاسية ترهق كاهل تلك المشروعات.

وحتى لا نحمل البنوك مسؤولية العزوف عن تمويل صغار المستثمرين فإن علينا ملاحظة أن هذه البنوك تقدم تمويلاتها على اساس القواعد والضمانات التي حددها المصرف المركزي بغض النظر عن حجم المشروع وطبيعته، وهو امر اوجد حالة منافسة غير متكافئة بين مشروعات عملاقة لديها قدرة على توفير ضمانات سهلة وبعبء اداري محدود على البنوك التي تقدم التمويلات، وبين مشروعات صغيرة ومتوسطة لا تملك مثل هذه الضمانات السهلة، فضلا عن ان فحص مثل هذه الضمانات في حال توفرها يحتاج الى جهد ووقت من البنوك هي في أمس الحاجة اليه لملاحقة الفرص التمويلية الكبيرة المتوفرة في السوق. من هنا يأتي اقتراح المصرف المركزي الاماراتي الذي يوفر الغطاء القانوني اللازم من اجل دعم مؤسسات الاعمال الصغيرة والمتوسطة. فوجود قانون خاص لهذه المشروعات يعني إعطاء مرونة اكبر للبنوك في التعاطي مع هذه النوعية من التمويلات، وتوفير موارد كافية لها بعيدا عن (الكوتا) التي حددتها قوانين ونظم التسهيلات البنكية.

ان الانتباه الى المشروعات الصغيرة والمتوسطة من زاوية احتياجاتها التمويلية، يستبق مشكلات التنفيذ في المستوى الميداني. فعدم توفر آليات تنفيذية ذات حجم صغير ومتوسط سيؤدي بالضرورة الى حدوث اختناقات في بعض مراحل تنفيذ المشروعات. فالشركات الكبيرة العملاقة تحتاج الى عشرات من الشركات الصغيرة في مجال التنفيذ والخدمات لانها بحكم حجمها الصغير اكثر قدرة على الحركة من المؤسسات العملاقة التي تظل حركتها محكومة بنظم ولوائح من الصعب تجاوزها بسهولة.بالاضافة الى ذلك فإن الشركات الصغيرة والمتوسطة هي من افضل القنوات التي يمكن الاعتماد عليها لتوفير فرص عمل ترضي طموحات الاجيال الجديدة سواء من الناحية المادية والمعنوية. وبالتالي فإن توفير دعم تمويلي لهذه الشركات يعني اعطاء حوافز لهذه الاجيال للدخول في عالم الاعمال بدل انتظار فرصة الوظيفة التي قد لا توفر اشباعا ماديا ومعنويا للكثيرين، فضلا عن انها تشكل عبئا يرهق مؤسسات الحكومة وشركاتها بعمالة زائدة الهدف من تشغيلها حل مشكلة البطالة حتى لو كان هذا الحل يعني تحويلها من بطالة ظاهرة الى بطالة مقنعة.

* الرئيس التنفيذي لشركة نور للخدمات المالية الإماراتية