ارتفاع أسعار البترول يخدم الداعين لنزع «السيادة» عن «أوبك»

هل يحمي بوش أعضاء المنظمة من قوانين منع الاحتكار؟

سعر غالون وقود السيارات يرتفع إلى مستويات عالية مع دخول فصل الصيف («الشرق الأوسط»)
TT

تعود المساعي الهادفة إلى تطبيق القوانين المضادة للاحتكار في الولايات المتحدة على أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) إلى سبع سنوات مضت، عندما ارتفع متوسط سعر غالون وقود السيارات في الولايات المتحدة إلى دولار ونصف الدولار، فارتفعت تبعا لذلك الأصوات التي تحمل أعضاء أوبك المسؤولية، في حين تحرك مواطن أميركي بطريقة أخرى، هي اللجوء للقضاء برفعه دعوى اتهم فيها أوبك بمخالفة قوانين منع الاحتكار‏، وطالب السلطات بإيقاف المنظمة عن تحديد الأسعار ومنعها من تحديد حجم الإ‏نتاج.

صاحب الدعوى المرفوعة في صيف 2000 هو الأميركي كارل بريويت، 54 سنة، ويملك محطة بترول في إحدى ضواحي مدينة بيرمينغهام في ولاية ألاباما الأميركية‏، وتوزع المحطة بنزينا يشتريه المالك من شركة «تكساكو» ويرفع لافتة الشركة على محطته. تضمنت الدعوى اتهاما لأعضاء أوبك بأنهم تسببوا في خسائر تعرض لها رافع الدعوى بسبب ارتفاع الأسعار ونقص الأرباح التي يحققها في محطته‏، ولدى رفع الدعوى رفض أعضاء أوبك المثول أمام المحكمة في بيرمنغهام ألاباما، لكنهم حققوا نصرا قضائيا غيابيا حين أصدر القاضي قرارا قضى فيه بأن صاحب الدعوى لم يتعرض لأي ضرر من أوبك، لكن القاضي أمر المنظمة بعدم تحديد الأسعار. وفي 2002 حققت أوبك نصرا قضائيا آخرا في محكمة الاستئناف الفيدرالية في أطلانطا جورجيا‏، حينما قررت المحكمة عدم جواز مقاضاة أعضاء أوبك في الولايات المتحدة لأنهم يتمتعون بحصانة «السيادة» كونهم يمثلون دولا ذات سيادة. ورغم أن هذا الحكم كان قاسيا على رافع الدعوى الأصلي إلا أنه يقول إنه أدى واجبه وفتح الطريق منذ ذلك الحين أمام التفكير في تغيير القوانين بما يسمح برفع قضايا من هذ النمط.

الجهة الوحيدة في الولايات المتحدة التي يناط بها التشريع وتغيير القوانين أو تعديلها هي الكونغرس الأميركي، وبالتالي فقد توجه الساعون لمقاضاة أوبك وجماعات الضغط إلى الكونغرس لاستصدار تشريعات ترفع فيها الحصانة عن أوبك. ظلت تلك المساعي تتعرض للإحباط ولكنها سرعان ما عادت للظهور مجددا وسط تأييد شعبي كاسح بعد ارتفاع سعر الغالون من وقود السيارات هذا الصيف إلى ثلاثة دولارات‏، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى إجبار الرئيس الأميركي جورج بوش في النهاية على التوقيع على مشاريع القوانين المقترحة برفع الحصانة عن أعضاء أوبك، وقد يتفادى الرئيس الأميركي استخدام حق النقض الفيتو ضد هذه القوانين حتى لا تؤدي حمايته لأعضاء أوبك إلى مزيد من التدهور في شعبيته وفي شعبية الحزب ا لجمهوري الحاكم.

ومما يزيد من موقف بوش الحرج أن الاقتراح برفع الحصانة القانوية عن أوبك أصبح عنصرا أساسيا من مشروع قانون شامل يتعلق بالطاقة ويلقى شعبية كبيرة تبناه السيناتور هيربرت كول بعد أن أقر المشروع بأغلبية 70 مقابل 23 صوتا معارضا فقط في مجلس الشيوخ. وزاد من خطورة الأمر أن مجلس النواب الأميركي أيضا أقر الاقتراح في مشروع قانون قائم بذاته بأغلبية 345 صوتا مقابل 72 صوتا، وهو ما يعني أن اتفاقا في المجلسين سيتم وسوف يرسل القانون في النهاية إلى مكتب الرئيس بوش للتوقيع عليه.

ورغم أن مكتب الميزانية في البيت الأبيض أعلن مسبقا أنه سينصح الرئيس بوش باستخدام حق النقض ضد المشروع، إلا أن الرئيس قد يجد نفسه مضطرا للموافقة على القانون لعوامل أخرى تتعلق بالصراع الدائر بين البيت الأبيض والكونغرس وهو الصراع الذي يتطلب تقديم تنازلات هنا مقابل مكاسب هناك أو العكس.

ويقول المؤيدون لمقاضاة أوبك إن القانون في حالة إقراره لن يستخدم بالضرورة ولكن يجب أن يكون سلاحا في ترسانة الولايات المتحدة كي تستطيع استخدامه كعامل ضغط على أصدقائها من أعضاء المنظمة من أجل خفض الأسعار وزيادة الإنتاج. ولكن مشروع القانون المقترح يرى فيه المعارضون له بأن ضرره أكثر من نفعه لأن أعضاء أوبك فد يسحبون استثماراتهم الضخمة في الولايات المتحدة تحسبا لصدور قرارات قضائية بتعويضات للمستهلكين الأميركيين. ويرى الخبراء أن المشرعين الأميركيين لا يستطيعون أن يضحوا بشعبيتهم في دوائرهم من أجل عواقب محتملة غير منظورة، ولكن الرئيس الأميركي وحده هو القادر على إحباط القانون أو بعث الحياة إليه وفقا للمصالح الاستراتيجية العليا للولايات المتحدة‏، وطبقا للتحرك المضاد الذي يمكن أن تقوم به أوبك لتحذير البيت الأبيض من عواقب رفع الحصانة عن أعضائها.