مصر: تحرير أسعار الطاقة الصناعية يفتح الباب أمام استيرادها من الخارج.. أو شرائها من الشريك الأجنبي

وزير الاستثمار: وزارة التجارة والصناعة ستتيح فرصا لإقامة مصانع جديدة في حال تدبير المستثمر مصدرا للطاقة

احدى محطات الطاقة في مصر («الشرق الاوسط»)
TT

أثارت القرارات الأخيرة للحكومة المصرية بشأن تحرير أسعار الطاقة النقاش حول إنهاء دور الدولة كوسيط محتكر في إمداد أصحاب المصانع الخاصة بالطاقة سواء الغاز أو الكهرباء، لتتبلور مطالب بحق القطاع الخاص في استيراد الطاقة اللازمة لإقامة المصانع الكثيفة الاستخدام لها كصناعة الألمينيوم والحديد والإسمنت والأسمدة.

وبينما رحبت الحكومة بهذا الاتجاه بتأكيد أحد وزرائها وهو الدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار لـ«الشرق الأوسط» بأن وزارة التجارة والصناعة ستتيح فرصا لإقامة مصانع جديدة في حال تدبير المستثمر مصدرا للطاقة، مشيرا إلى عرض تقدمت به شركة المجد الصينية المصرية لإقامة مصنع للألمينيوم على ساحل البحر الأحمر، ستستورد الطاقة اللازمة له من الفحم، وقال إن هيئة التنمية الصناعية تدرس إمكانية منح الترخيص لهذه الشركة.

تدعم التوجه السابق ذكره تأكيدات المهندس سامح فهمي وزير البترول المصري خلال مؤتمر الغاز العربي الذي عقد بالقاهرة في شهر أغسطس (آب) الجاري، أنه يجري بحث ضخ الغاز في الخط من مناطق أخرى غير مصر، بحيث يتيح لها مستقبلا استخدامه في مشاريع الغاز المسيل، وما جاء على لسان الوزير السوري من أن هناك اتفاقا مبدئيا مع إيران على توريد الغاز عبر الخط عند اكتمال وصول خط الغاز الى تركيا ليكون المجال متاحا لشراء الغاز من إيران أو روسيا.

وفي هذا السياق قال لـ«الشرق الاوسط» الدكتور محمد رضا محرم أستاذ التعدين والبترول بجامعة الأزهر إلى اتجاه الحكومة لإضافة خطوط جديدة لتسييل الغاز في منطقتي ادكو ودمياط وفقا لخطة تمتد حتى عام 2011، مبينا أن هذه التوسعات ستقوم بها الشركات الراغبة في إنشاء محطات إسالة للغاز والتي تستفيد منها المصانع المستوردة للطاقة، مؤكدا أن الطاقة تمثل بالنسبة لهذه المصانع مدخلا صناعيا وليست محركا للتشغيل، حيث يعد الغاز عامل اختزال وصهر فى صناعة الحديد والصلب على سبيل المثال.

وأيد محرم فكرة ربط إقامة المشروعات الجديدة باستيراد الطاقة، في ظل ما تعاني منه البلاد من قصور في موارد الطاقة، ورأى أنه آن الأوان لكي تكفى هذه الموارد الاستهلاك العائلي وأن تتم التفرقة بين هذه النوعية من الاستهلاك وبين الاستهلاك الاستثماري، فالدولة التي تدير موارد المواطن عليها ألا تبيع الطاقة بثمن بخس.

ولفت الاكاديمي المصري الى أن منتجي الإسمنت يحققون 70% أرباحا من هذه الصناعة في الوقت الذي يحصلون فيه على الغاز بسعر متدني للغاية، فضلا عن حصولهم على مساحة أرض يقام عليها المصنع تتيح لهم استخراج خامات الصناعة برسوم رمزية وبتكلفة لا تتجاوز 3% من التكلفة الكلية، إلى جانب ميزة التخفف من القيود البيئية.

من جانبه أشار المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة، إلى أن تحرير أسعار الطاقة سيضع الشركات المصرية أمام خيارين، إما الحصول عليها من الحكومة أو من الشركات الأجنبية المنتجة للطاقة في الداخل والخارج، وأن ذلك سيزيد من إمكانية التوسع الصناعي الذي لن يعتمد على مصادر الطاقة من الداخل فقط، مؤكدا أن هذا الاتجاه جاء بعد دراسات مستفيضة ووضع سيناريوهات مختلفة لتحديد تأثير هذه القرارات على السوق المحلي، مع الأخذ في الاعتبار عقد مقارنات مع أسواق مثل الجزائر وتركيا وايطاليا، تجنبا لأية مخاطر لانتقال هذه الصناعات من مصر إلى هذه الدول.

إلا أن المهندس إبراهيم صالح رئيس هيئة البترول السابق رأى أن المستثمر في الصناعات الكثيفة الاستخدام للطاقة يمكنه شراء هذه الطاقة من حصة الشريك الأجنبي في مصر، وبدلا من أن يصدر هذا الشريك كامل حصته للخارج يوجهها لأنشطة خاصة بالتنمية الصناعية داخل البلاد، وقال إن فارق التكلفة بين الاستيراد من الخارج والشراء من حصة الشريك الأجنبي تخضع لدراسات الجدوى التي تجريها هذه الشركات، مشيرا إلى أن سياسة العرض والطلب ووجود سوق مفتوح تسمح بتأهيل شركات محلية تبيع الطاقة للمستثمرين، وقال صالح إن تحرير أسعار الطاقة صحح مسارات خاطئة في قطاع البترول والغاز.

من جهته استبعد صلاح حافظ رئيس شركة بيزد للبترول إمكانية استيراد القطاع الخاص للغاز من الخارج لكونه طاقة سائلة يصعب تخزينها، حيث يتم استيرادها من خلال شبكة خطوط الغاز التي تسيطر عليها الدولة وهي التي تديرها في الوقت الذي يمكن فيه استيراد منتجات بترولية تستخدم في تشغيل المصانع، مؤكدا على ارتفاع تكلفة نقل الطاقة، موضحا أنه من الأفضل شراء الطاقة من الشريك الأجنبي، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تسدد مبالغ طائلة بسبب نقل خام البرنت الذي تستورده، بعكس إسرائيل التي تشتريه من مصر بالأسعار العالمية ولكن بتكلفة نقل رخيصة.

وأضاف حافظ أنه بإمكان المصانع أن تشتري الديزل ومنتجات الطاقة الأخرى من شركات توزيع مصرية أو أجنبية، مثل شركة موبيل التي توفر حصصا تباع للقطاع الخاص، بالإضافة لإمكانية الاستيراد من معملي سوميد وميدور التي تصدر منتجاتها للخارج.

وأكد صلاح حافظ أن السعودية وليبيا أكثر الدول التي يمكن الاستيراد منها، خاصة من الجزء الشرقي من ليبيا الذي يتميز برخص أسعار الطاقة عن وسط ليبيا.

أما الدكتور طارق نوير الاقتصادي بمركز معلومات مجلس الوزراء، فقد لفت إلى أن صناعة الألمينيوم تعد أكثر القطاعات المرشحة لاستيراد الطاقة، خاصة الفحم الذي يدخل في صناعة مكونات الخلايا التي تستخدم في صناعة الأقطاب، وقال إن اقتصاديات استخدام الطاقة في صناعة الألمينيوم هي التي تجعل مجمع الألمينيوم، المحتكر الوحيد لهذه الصناعة في مصر، من أكثر المشروعات الصناعية التي أثارت ولا تزال تثير جدلا اقتصاديا، حيث يرى البعض أن صناعة الألمينيوم تنطوي على قيمة مضافة سالبة إذا جرى تقييمها بالأسعار العالمية.

ورأى نوير أن زيادة أسعار الطاقة الكهربائية على تكاليف الإنتاج وأسعار بيع المنتجات في السوق الخارجي يجب أن يتم من خلال سيناريوهين، يتضمن الأول تطبيق متوسط أسعار الكهرباء المستخدمة في الصناعة في دول الخليج، أما السيناريو الثاني فيتم من خلال تطبيق متوسط أسعار الكهرباء بالدول الصناعية المتقدمة.

وأضاف أنه في ظل ثبات الأسعار العالمية ومن ثم أسعار التصدير لمنتجات الألمينيوم، قد تستطيع شركة مصر للألمينيوم امتصاص أثر الزيادات في أسعار الطاقة حتى حد معين قد تبدأ في تحقيق خسائر عند تجاوزه، أما في حالة الأخذ بأسعار الطاقة في دول الخليج فان الشركة ستحقق خسائر ولن تتمكن من الربحية.