كارلوس غصن: وضع لبنان يشبه وضع «نيسان» عندما تسلمتها

رئيس تحالف شركتي «رينو ـ نيسان» لـ «الشرق الأوسط»: الشباب العربي منفتح على «عصرنة الاقتصاد»

كارلوس غصن
TT

شبه الرئيس التنفيذي لتحالف شركتي «رينو ـ نيسان» لصناعة السيارات اللبناني الاصل كارلوس غصن، وضع الاقتصاد اللبناني بشركة نيسان اليابانية للسيارات عند تسلّمه إياها. والواقع ان هذا الرجل ذا التقاسيم الصارمة والواضحة يتحلى بنظرة غير تشاؤمية للاقتصاد اللبناني، الذي يرزح تحت وطأة دين يتعدى 45 مليار دولار. ففي حديث مقتضب لـ«الشرق الاوسط»، قال: «الدين لا يشكل عائقا بحد ذاته. المهم هو التركيز على تنمية الاقتصاد لانه في هذه الحالة تصبح نسبة الدين مقارنة بالنمو متضائلة. والاهم حاليا هو العمل على تحفيز النمو، لذلك يجب السعي لجذب المستثمرين والشركات الكبرى. ذلك ان هناك الكثير من الشركات التي لا تستبعد فكرة المجيء الى لبنان والاستثمار فيه، انما يجب العمل على زيادة الحوافز التي تشجعها على القدوم».

هذا اللبناني المولد الذي تابع تحصيله الجامعي في فرنسا وأصبح لاحقا الرئيس التنفيذي لرينو، انتقل في عام 1999 ليصبح الرئيس التنفيذي لتحالف شركتي رينو الفرنسية ونيسان اليابانية، بما ان الاولى تملك حصصا في الثانية التي كانت واقعة في خسائر فادحة تهددها بالافلاس. واليوم وبعد مرور نحو 8 سنوات، تمكن غصن من احراز تقدم هائل في الشركة لتحقق ارباحا كبيرة. وتكريما لمنجزات هذا الاقتصادي الذي «يبتدع» حلولا للمشكلات المستعصية، حل ضيفا في لبنان للمشاركة في افتتاح البرنامج التدريبي المكثف لمجموعة من الموظفين الجدد في مديرية المالية العامة التابعة لوزارة المال. أقيم الاحتفال في السرايا الحكومية في بيروت برعاية وزير المال جهاد أزعور وحضوره، كما حضر رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة. وقال غصن على هامش اللقاء لـ«الشرق الاوسط»: «أعتقد ان أسس السياسات الاقتصادية جيدة في المبدأ، لانها تعمل على خفض الضرائب الى حد مقبول جدا، كما ترمي الى جذب الاستثمارات وتسهيل عمل المؤسسات. أي ان المسؤولين يحاولون عصرنة الاقتصاد. لكن المشكلة تكمن في انعدام الأمن، فهو يحتل المرتبة الاولى بالنسبة الى المستثمر، إذ كيف سيأتي بملايين الدولارات ليستثمر في لبنان إذا كان الاستقرار غير مضمون؟ ما يهم الشركات ايضا هو البنى التحتية من طرق وموانئ مطارات وهذا ما تم العمل عليه في لبنان ولا نتوقع ان تكون البنى التحتية في وضع أفضل في ظل الظروف السياسية الراهنة. وفي ما يتعلق بالقوانين تعتبر عصرية جدا، رغم انها غير مثالية ولا يمكننا توقع ذلك».

وعما يمكن ان يقدمه كارلوس غصن للبنان، أجاب بعد تفكير: «أقوم باشياء كثيرة لكن لا احب الاعلان عنها لانني أقوم بها عن اقتناع وليس لاهداف ترويجية. لذلك افضل الاحتفاظ بها لنفسي». واضاف: «طبعا يمكنني ان استثمر في لبنان، لكن حين اقدم على هذه الخطوة سأدرس جوانبها كأي رجل اعمال ولن أستند الى العاطفة (...)»، معتبرا ان «افضل فرصة للاستثمار تأتي في اوقات الازمات، لان المخاطرة والفرصة متعادلتان. هذا طبعا لا يعني ان نقبل بأن يستمر الوضع المتأزم على حاله. ولكن افضل لحظة للاستثمار هي حين ترتفع نسبة الخطر».

وعن رسالته الى الشباب اللبناني، قال: «لا مشكلة من دون حل. وكل من يغادر لبنان سيعود يوما ما او على الاقل سيرسل المال الى أهله أو يشتري منزلا أو أرضا أو يستثمر. ليست كارثة ان يهاجر الشباب فهم لا يهاجرون نهائيا انهم يريدون كسب لقمة العيش. ولكن المحزن ان هناك هجرة واضحة للادمغة، فهؤلاء يجب العمل على إبقائهم. في المقابل علينا ان ندرك أنه لا يمكننا الحفاظ على هذه المواهب من دون تقديم فرص عمل لهم». وردا على سؤال، قال: «المشكلة في لبنان أن كل فرد ينحاز الى فريق (سياسي) معين، فيما نحتاج الى اشخاص يفكرون فقط في لبنان. قلت سابقا ان سر وصول اليابان الى ان تكون القوة الاقتصادية الثانية في العالم، تكمن في ان شعبها يركز على طريقة خدمة بلاده والعمل على تنمية اقتصادها قبل التفكير في اي شيء آخر مهما اختلفت توجهاته السياسية، وهذا ما نحتاج اليه هنا في لبنان. لينجح بلد معين لا يكفي ان يكون كل فرد من افراده متعلما ومثقفا وناجحا، بل يجب ان تتوافر النزاهة والتعاضد والعمل الموحد. هذا ما يطبقه اليابانيون. فاليابان بلد فقير من حيث الموارد الطبيعية، فهي لا تملك النفط مثلا وتعاني طفرة سكانية، فضلا عن انها تصاب بهزة ارضية اسبوعيا. فما سر نجاحها وتوصلها الى ان تكون القوة الاقتصادية الثانية في العالم؟ انه حس الارادة والعزم والالتزام بمصلحة بلادهم». وتابع: «الامر الوحيد المشترك بين وضع شركة نيسان ولبنان هو انه لدى وصولي الى اليابان قيل الا أمل في إنقاذ الشركة، كما يقال اليوم عن لبنان. ولكن أثبتنا ان الامل ليس مفقودا. لست من أحدث التغيير في الشركة. صحيح انني حضرت لذلك وشجعت عليه، انما موظفو الشركة والشعب الياباني هما من أنقذاها رغم انهما كانا في حاجة الى التوجيه (...). سر هذا النجاح انه عند خوض أي شيء جديد إذا فكرنا انه لن ينجح أو أن نجاحه مضمون نكون قد وقعنا في الخطأ. يجب الوقوف في الوسط وتوقع النجاح والفشل. هذا هو سر النجاح في الاقتصاد». وعن رؤيته للاقتصاد في الدول العربية، قال: «هناك الكثير من المشاريع التي كان يمكن تحقيقها في العالم العربي. انما هناك تحوّل في الشباب العربي الذي يتحلى بالانفتاح اكثر من الاجيال السابقة وهو منفتح على عصرنة الاقتصاد». وفي اللقاء، تحدث غصن فقال «شرف لي ان اكون عراب هذه الدفعة. اعرف انكم عملتم كثيرا وناضلتم كثيراً وحققتم تقدما كبيراً. عليكم ان تثابروا، فانتم مستقبل الادارة اللبنانية ومستقبل الوطن، وسنكون جميعا هنا حاضرين لمساعدتكم على النجاح». وأضاف، في حياتي المهنية لم اعمل يوما في ادارة عامة، ولكن بصفتي مديرا لشركتين عالميتين كبيرتين، اتيحت لي فرصة العمل كثيرا مع ادارات عامة، في اوروبا والولايات المتحدة واميركا الجنوبية ودول شرق آسيا، وتحديدا في الصين والهند وباكستان واندونيسيا والفلبين ودول اوروبا الشرقية والدول العربية ودول شمال افريقيا. ويمكنني القول ان احد العوامل الأساسية التي تأخذها الشركات العالمية في الاعتبار لدى اتخاذها قراراتها بالاستثمار، هي نوعية الادارة العامة التي ستتعامل معها، والصورة الاولى التي تكونها الشركات عن اي بلاد هي طبعا نزاهة موظفي الادارة العامة وكفاءتهم وحسن استقبالهم، خصوصا موظفي وزارة المال. دوركم اذا لا ينحصر بالكفاءة، بل يتعلق كذلك بصورة لبنان وهو دور اساسي. وتابع: الحلم مهم جداً للادارة العامة، وليس فقط للقطاع الخاص وللفنانين. من المهم جدا ان نحلم ونتخيل ونبني المستقبل. الحلم اساس للتغيير والتطور. لكن الحلم يبقى وهما اذا لم يتم بناؤه على استراتيجية، واذا لم يتم تطبيق هذه الاستراتيجية. وغالباً، في دول العالم كلها ومنها لبنان، كل الذين يريدون تحقيق تغيير في مجتمعاتهم ولديهم عناصر جديدة للمجتمعات التي يديرونها، يستوحون افكار الأشخاص الأكفاء في الادارة العامة ومشاريعهم واحلامهم. وأضاف التنفيذ هو ما يميز الحلم عن الواقع، وما يميز الرابحين عن الخاسرين وما يميز الدول المتطورة عن الدول غير النامية، وفي التنفيذ قاعدة اساسية علمتنا اياها آسيا في السنوات الاخيرة، وهي عدم القيام الا بما هو سهل. المشاريع الكبيرة والشركات الكبيرة تهتم كثيرا بعد وضع استراتيجياتها، بالتبسيط والتسهيل للتمكن من التنفيذ. فتبسيط المهمات أمر اساسي لنجاح خطة العمل. وقال: لبنان عنده مواهب يصدّرها في كل المجالات، ولكن هذا لا يكفي. اللبنانيون يجب ان يحترموا مصلحة بلادهم اكثر من مصلحتهم، اذ لا يكفي أن يكون ثمة أشخاص ناجحون فرديا، بل الاهم ان يكون ثمة تضامن وحس الاهتمام للمصلحة العامة ولمستقبل البلاد، وحس مدني متطور، وهذا سر نجاح اليابان.

وخلص الى القول «سأكون فخوراً جداً اذا كان وجودي كفيلا ان يوفر لكم حافزا وإن بسيطاً في حياتكم المهنية».

يذكر ان غصن اكد في لقاء مع طلاب الجامعة الاميركية في بيروت أنه ليس مرشحاً لرئاسة الجمهورية.