نقص في عمال البناء بالإمارات بعد مغادرة الآلاف لإعفائهم من غرامة الإقامة غير الشرعية

تقرير: ارتفاع تكاليف جلب الموظفين الأجانب إلى دبي يضغط على الشركات

يعيش في الامارات 4.1 مليون نسمة، يمثل الاجانب حوالي 80% منهم، ومعظم هؤلاء من الآسيويين («الشرق الأوسط»)
TT

سببت مغادرة عشرات الآلاف من العمال الامارات بنقص في عمال قطاع البناء الذي يشهد فورة كبيرة في البلاد، بعد منح العمال غير الشرعيين فرصة لتسوية اوضاعهم مع اعفائهم من الغرامات.

وقال مايك كيرني مدير شركة «اي سي هاريس» للاستشارات العمرانية في دبي «لقد تأثرت ورش البناء (..) حوالي 300 الف عامل تبخروا من السوق».

واضاف في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية «الكثير من العمال المخالفين الذين استفادوا من العفو كانوا يعملون في قطاع البناء»، مشيرا الى تصاعد اصوات المقاولين واصحاب المشاريع الذين يشتكون من النقص في اليد العاملة.

وفي مطلع سبتمبر (ايلول) تزامنا مع انتهاء فترة العفو الخاص التي استمرت ثلاثة اشهر، اعلنت الامارات ان حوالي 279 الف عامل مخالف تقدموا للاستفادة من العفو الذي يتيح لهم تسوية اوضاعهم في البلاد من دون محاسبة عبر الحصول على عقد عمل وكفيل، او مغادرة البلاد من دون مساءلة او دفع الغرامات المتوجبة.

ومن بين هؤلاء، كان 185 الفا يقيمون في دبي التي تشهد فورة عمرانية لافتة. واقرت وزارة الداخلية مهلة اضافية لشهرين سيتمكن خلالها من تبقى من العمال المخالفين من مغادرة البلاد من دون مساءلة، الا ان تسوية اوضاعهم داخل البلاد لم تعد ممكنة.

من جهتها، قالت سنا كاباديا المحللة في مصرف «اي اف جي انفستمنت بنك» في دبي، «هناك من دون شك ضغط على سوق العمل بسبب وجود نقص حقيقي في اليد العاملة الماهرة (..) وعلى المدى القصير، ستتفاقم هذه المشكلة بسبب مغادرة العمال غير الشرعيين». ويعمل في قطاع البناء مئات الاف العمال الذين يتقاضون اجورا منخفضة والقادمين بشكل اساسي من الهند وباكستان وبنغلادش، ولا تتجاوز رواتب القسم الاكبر منهم 200 دولار شهريا.

ومع بدء العمال المخالفين بالمغادرة، تتناول الصحف المحلية مشكلة النقص في اليد العاملة المتخصصة في القطاعات المرتبطة بالبناء كالسمكريين والكهربائيين والبنائين.

ونقلت صحيفة «اميريتس توداي» الناطقة بالانجليزية عن مقاول في دبي قوله «كان هناك 500 موظف في ورشنا، والان عددهم لا يتجاوز الثمانين».

ويرجح ان يسفر هذا النقص في اليد العاملة عن ارتفاع رواتب العمال بهدف اغراء الذين غادروا واعادتهم.

وقالت كاباديا «من المفترض ان ترتفع رواتب عمال البناء، المهرة منهم وغير المهرة»، مشيرة الى ان الشركات الاماراتية ستكون مضطرة لدفع تكاليف تدريب العمال غير المهرة.

اما كيرني فاعرب عن اعتقاده بان النقص في اليد العاملة سيترجم ارتفاعا في اجرة ساعات العمل بهدف اغراء العمال الاسيويين على العودة.

وقال كيرني «لن يعودوا بنفس الراتب»، مشيرا الى ان العمال الهنود على سبيل المثال قد يفضلون البقاء في بلادهم حيث قطاع البناء يشهد نموا سريعا.

وفي الوقت عينه، سيتمكن العمال الذين قرروا تسوية اوضاعهم والبقاء في الامارات ان يطالبوا برواتب وظروف عمل افضل عند توقيعهم عقودهم الجديدة لانهم باتوا في موقع اقوى.

ويرتفع في صفوف العمال مزيد من الاصوات المطالبة بتحسين ظروف العمل، فقد نظم بعض العمال اعتصامات ومظاهرات لهذا الهدف مع ان التظاهر وتشكيل النقابات ممنوع في الامارات. والاثنين، تجمع مئات العمال بالقرب من ورشة بناء في دبي للمطالبة برواتب افضل واحتجاجا على عدم منحهم تذكرة سفر سنويا لزيارة بلادهم، الامر الذي ينص عليه قانون العمل في الامارات.

وبعد ان وجهت منظمات غير حكومية دولية تعنى بحقوق الانسان انتقادات للامارات على خلفية ما اعتبرته تجاوزات بحق العمال، اتخذت حكومة الامارات تدابير للحد من هذه التجاوزات المفترضة.

وينظر الى العفو الذي منحته الحكومة كخطوة من شأنها الحؤول دون استغلال العمال ولتحسين اوضاعهم فيما يرجح ان يشكل النقص في اليد العاملة مرحلة انتقالية مؤقتة تفتح المجال امام سوق عمل اكثر تنظيما في البلاد.

وقال كيرني ان النقص في عدد العمال «سيكون لفترة محدودة تتم خلالها اعادة ضبط سوق العمل، الا انه سيكون في مصلحة قطاع البناء على المدى الابعد لانه سيتيح الاهتمام بتحسين اوضاع العمال».

واشار كيرني الى ان العمال غير الشرعيين كان يتم استغلالهم من قبل شركات التوظيف اكثر مما كان يتم استغلالهم من قبل شركات البناء.

اما سنا كاباديا فتعرب عن اعتقادها بان قطاع البناء الذي يعاني اصلا من مشكلة التأخر في تسليم المباني، سيعاني بالتأكيد من تفاقم لهذه المشكلة بسبب النقص في العمال ولاسباب اخرى. وتشير تقديرات حكومية اماراتية الى ان عدد العمال المخالفين قبل العفو كان حوالي ثلاثمائة الف عامل. وبحسب آخر الاحصاءات، يعيش في الامارات 4.1 مليون نسمة، يمثل الاجانب حوالي 80% منهم، ومعظم هؤلاء من الاسيويين لاسيما الهنود والباكستانيين.

وتنص القوانين المرعية الاجراء حاليا في الامارات، على معاقبة العمال بالتغريم والسجن والترحيل.

من جهة أخرى كشف تقرير امس أن معدل أجور الموظفين الاجانب في امارة دبي ارتفع أكثر من 6% العام الماضي. وارتفعت التعويضات اليومية بأكثر من 20%، فيما تضطر الشركات متعددة الجنسيات الآن إلى دفع ما يعادل 475 دولاراً أميركياً يومياً في المتوسط للموظفين التنفيذيين الوافدين إلى دبي لفترات عمل قصيرة الأجل. وحذر التقرير الذي أعدته ميرسر لاستشارات الموارد البشرية بعنوان «إدارة بيئة الموارد البشرية في الإمارات العربية المتحدة» من ان التكاليف المتزايدة للعاملين الاجانب تضع عبئاً إضافياً على كاهل أرباب العمل في الامارة.

وقال الدكتور ماركوس ويزنر، رئيس عمليات ميرسر في الإمارات ان الجزء الأكبر من الزيادة يعود إلى الارتفاع الكبير في تكاليف الإقامة، سواء في الفنادق أو المساكن المستأجرة. وارتفعت أسعار الغرف في الفنادق الراقية من 273 دولارا أميركيا في الليلة إلى 393 دولارا في دبي على مدى العامين الماضيين فقط.

وقالت ميرسر ان الحد الأعلى لزيادة أجور العقارات الذي فرضته الحكومة سيساعد على ضبط الأسعار في قطاع العقارات، لكن الفنادق ما تزال خارج هذا القانون. ولمواجهة هذه الزيادات، فإن العديد من الشركات متعددة الجنسيات أخذت تقدم لموظفيها الوافدين الآن تعويضات نقدية بدلاً من تأمين الإقامة لهم على حسابها. واشار التقرير الى ان معدلات التضخم التي تجاوزت 10% أدت إلى ارتفاع الأجور، وما يفاقم المشكلة أكثر صعوبة الحصول على الموظفين المؤهلين والاحتفاظ بهم في بيئة اقتصادية مزدهرة يتنامى فيها معدل التوظيف بأكثر من 8% سنوياً. وقال ويزنر: «على الرغم من أن الحكومة تستثمر في التعليم وتطوير المهارات محلياً، فإن النقص في المهارات الإدارية المحلية يؤدي إلى اضطرار الشركات متعددة الجنسيات إلى الاستمرار في تعيين الموظفين الوافدين».