التفاؤل يعم الأسواق العالمية وسط استمرار المخاوف..وبنك إنجلترا «ينعطف» بسياسته

الذهب يتحول إلى ملاذ آمن وسط تراجع الإسترليني

تعاملات قوية وصعودية في وول ستريت أمس (أ.ب)
TT

عمت موجة التفاؤل معظم الاسواق العالمية بعد قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي خفض اسعار الفائدة، وهو ما اثار امالا في ان الاقتصاد قد يتغلب على ركود في سوق المساكن واضطرابات في اسواق الائتمان.

وهذا هو أول خفض لسعر فائدة الاموال الاتحادية وهو الاداة الرئيسية لمجلس الاحتياطي الاتحادي للتأثير على الاقتصاد منذ يونيو (حزيران) 2003 وأول خفض بمقدار نصف نقطة مئوية منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2002.

وكانت الاسواق تتوقع أن يخفض مجلس الاحتياطي تكاليف الاقتراض لكنها فوجئت بالحجم الكبير للخفض وهو اول خفض للفائدة منذ ان تولى بن برنانكي رئاسة البنك المركزي في فبراير (شباط) من العام الماضي.

وقفزت اسعار الاسهم لان قرار خفض الفائدة اعطى المستثمرين الامل في ان الاضطرابات في اسواق المساكن والائتمان لن تدفع الاقتصاد للركود. لكن اسعار الدين الحكومي الطويل الاجل هبطت مما يشير الى ان المستثمرين لديهم مخاوف بشأن التضخم رغم ان اسعار السندات القصيرة الاجل ارتفعت توقعا لمزيد من التخفيضات للفائدة. وسارعت البنوك التجارية الى حذو مجلس الاحتياطي الاتحادي وخفضت سعر الفائدة المميز الذي تتقاضاه من افضل زبائنها عن القروض.

وفي بيان يشرح قراره قال مجلس الاحتياطي الاتحادي انه اتخذ هذه الخطوة كضربة وقائية لتحييد اثار اضطرابات السوق على الاقتصاد. واضاف انه ما زال يعتقد ان الاقتصاد يواجه بعض مخاطر التضخم، لكنه قال ان تطورات السوق منذ اجتماعه السابق اوائل اغسطس (اب) زادت حالة الغموض التي تكتنف التوقعات.

لكن في المقابل قرر بنك اليابان المركزي ابقاء أسعار الفائدة بدون تغيير امس مثلما كان متوقعا وذلك بعد ساعات من قرار خفض الفائدة الاميركية الذي استهدف حماية الاقتصاد الاميركي من تداعيات ركود سوق الاسكان واضطراب الاسواق المالية.

وفي انعطافة استثنائية اعلن بنك انجلترا «البنك المركزي» ان المصارف البريطانية ستكون قادرة على الاقتراض منه لمدة 3 اشهر باستخدام الرهون العقارية كضمان.

وفي ما يشبه «التراجع المهين» لمحافظ بنك انجلترا مرفين كينغ اعلن امس ان البنك على استعداد من الاسبوع المقبل مبادلة 10 مليارات جنيه استرليني نقدا مقابل مجموعة اوسع من الاصول المصرفية التجارية بما فيها «الرهون العقارية».

ويأتي هذا الاعلان بعد اصرار كينغ سابقا على ان مثل هذا الاجراء يعني «انقاذ» البنوك التي اتخذت قرارات اقراض فيها مخاطرة كبيرة وان مثل ذلك الاجراء يزرع «بذور ازمة مالية مستقبلية» ويوفر غطاء تأمينيا للسلوك المحفوف بالمخاطر.

وبعد ان أغلقت الاسهم الاميركية على مكاسب حادة اول من امس الثلاثاء، انهت غالبية البورصات الاسيوية جلسات التداول بارتفاع كبير امس الاربعاء في حين سلكت ابرز البورصات الاوروبية الطريق نفسه فور بدء التداول بعدما طمأنها قرار الاحتياطي الفيدرالي الاميركي بخفض معدلات فائدته الرئيسية.

وهذه الرغبة التي يبديها الاحتياطي الفيدرالي الاميركي (البنك المركزي) لحماية النمو المهدد بازمة القروض العقارية المشكوك بتحصيلها في الولايات المتحدة، وجهت على الفور دفعا قويا لبورصة وول ستريت حيث ارتفع مؤشر داو جونز لدى الاقفال 2.51% وناسداك 2.71% الثلاثاء بينما حذت بقية الاسواق العالمية حذوها امس.

وهكذا، سجلت بورصة طوكيو، ثاني مركز مالي عالمي، قفزة نسبتها 3.67% في حين سجلت غالبية البورصات الاسيوية ارتفاعا زاد عن 4% في هونغ كونغ مثلا التي سجلت رقما قياسيا جديدا.

وارتفعت الاسهم اليابانية امس لتغلق على أعلى مستوى في اسبوعين حيث صعد مؤشر نيكي القياسي 3.7 في المائة بعد أن أطلقت مشاعر الارتياح ازاء قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الاميركي) خفض الفائدة موجة شراء لاسهم البنوك مثل مجموعة ميتسوبيشي يو.اف.جيه المصرفية.

وعززت أسعار النفط القوية أسهم شركات الطاقة مثل انبكس هولدنجز وشركات السمسرة في النفط كما ارتفعت ايضا أسهم شركات التكنولوجيا المتطورة. وارتفع مؤشر نيكي القياسي 579.74 نقطة ليغلق على 16381.54 نقطة وصعد مؤشر توبكس الاوسع نطاقا 3.75 في المائة لينهي اليوم على 1567.58 نقطة.

وفي نيوزيلندا، كسبت السوق 1.31% لتصل الى 4177.65 نقطة، وفي استراليا سجل المؤشر زيادة نسبتها 2.6% ليقفل على 6356.1 نقطة.

وارتفعت سوق الاوراق المالية في تايوان ايضا (0.3% لتصل الى 8926.38 نقطة) وسيول (3.5% لتصل الى 1902.65 نقطة) ومانيلا (2.2% لتصل الى 3362.98 نقطة) وبومباي (3.31% ظهرا لتصل الى 16188.05 نقطة).

وفي هونغ كونغ حيث سجل مؤشر هانغ سنغ زيادة 4.2% وهو رقم قياسي جديد منهيا جلسة التداول على 25554.64 نقطة. وحدها بورصة شنغهاي سارت عكس التيار فاقفلت على تراجع (-0.55% لتصل الى 5395.27 نقطة) بسبب سحب المكاسب بعد رقمين قياسيين على التوالي لدى الاقفال.

كما ارتفعت الأسهم الأوروبية بقوة امس وصعدت أسعار خام النفط كما قفز اليورو لأعلى مستوياته على الإطلاق أمام الدولار في أعقاب خطوة مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي بث الثقة في أسواق المال والمستقبل الاقتصادي بخفض أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية.

وعلى خلفية الارتفاع القوي للأسهم الأميركية عند الإغلاق اول من امس والمكاسب القوية في أنحاء آسيا، صعدت البورصات الأوروبية خلال التعاملات المبكرة امس مع تحقيق مؤشر ستوكس 50 الأوروبي مكاسب وصلت إلى 2.3% مدفوعا بالمكاسب القوية من أسهم قطاعي البنوك والعقارات.

وانعكس هذا الوضع على جميع أسواق الأوراق المالية الأوروبية مع بدء مؤشر فوتسي لبورصة لندن تعاملات امس على ارتفاع بنسبة 2.34% ليصل إلى 6430.20 نقطة.

وكذلك الحال في بورصات فرانكفورت وباريس وميلانو وأمستردام وزيوريخ التي حققت ارتفاعا اثنين في المائة أو أكثر خلال التعاملات الصباحية وسط موجة من التفاؤل سادت الأسواق العالمية بعد أن قام مجلس الاحتياط الاتحادي الأميركي بخفض أكبر مما كان متوقعا لتكاليف الإقراض في أكبر اقتصاد في العالم.

واعتبرت أسواق أوروبا الناشئة على وجه الخصوص خفض أسعار الفائدة الأميركية بمثابة أنباء سارة مع ارتفاع أسواق الأسهم في موسكو ووارسو بحوالي 2.7% في التعاملات المبكرة.

وصعد مؤشر أتكس لبورصة فيينا الذي يضم شركات عديدة لها استثمارات في وسط وشرق أوروبا بثلاثة في المائة فى بداية التعاملات، الا ان هذا التفاؤل قد يكون قصير الامد، على ما يرى بعض المحللين الذين يعتبرون ان قرار الاحتياطي الفيدرالي الاميركي ليس سوى هدنة لن تؤدي الى حل المشكلة الاساسية.

ويقول فوميوكي ناكانيشي المحلل لدى شركة «اس ام بي سي فراند سيكيوريتيز» في طوكيو في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية «ان الفرحة ستستمر في العالم اجمع اليوم على الاقل، لكنها لن تدوم الى الابد».

ويخشى بعض خبراء الاقتصاد حتى من ان يطرح قرار الاحتياطي الفيدرالي الاميركي مشكلة في وقت لاحق. ويحذر شون داربي من شركة «نومورا» للاسهم المالية في هونغ كونغ قائلا «نعتقد ان الاحتياطي الفيدرالي الاميركي ادخل خطرا معنويا الى الاقتصاد يكمن في ان قرارات مالية سيئة سيتم انقاذها دائما بتدخل البنك المركزي».

من جهة أخرى، ارتفعت أسعار الاسهم الاميركية في بداية التعاملات امس لتواصل اتجاهها الصعودي الذي سارت فيه أمس، اذ راهن المستثمرون على أن الاقتصاد الاميركي المتباطئ سيتلقى دفعة من قرار خفض الفائدة الاميركية نصف نقطة مئوية.

وصعد مؤشر داو جونز الصناعي 71.53 نقطة أي 0.52 في المائة الى 13810.92 نقطة، وزاد مؤشر ستاندارد اند بورز 500 7.88 نقطة أي 0.52 في المائة الى 1527.66، وارتفع مؤشر ناسداك المجمع 19.38 نقطة أي بنسبة 0.73 في المائة الى 2671.04. وعلى صعيد اسواق الصرف العالمية هبط الدولار امس الى أدنى مستوى في 15 عاما أمام سلة من العملات بعد ان خفض مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الاميركي) أسعار الفائدة بواقع نصف نقطة مئوية مما قلص من جاذبية العائد على العملة الاميركية.

وخفض المركزي الاميركي سعر الفائدة على أموال ليلة واحدة الى 4.75 في المائة من 5.25 في المائة للمساعدة في تعزيز الاقتصاد وتخفيف التوتر في أسواق النقد مما اطلق موجة بيع واسعة النطاق للدولار في حين عزز الاصول التي تنطوي على مجازفة مثل الاسهم والعملات ذات العائد الاعلى.

وتراجع الدولار على نطاق واسع مما دفع المؤشر المرجح له الى 79.091 مسجلا أدنى مستوى منذ عام 1992 لكنه انتعش لاحقا. وظلت العملة الاميركية قرب أدنى مستوى امام اليورو الذي بلغته اول من امس الثلاثاء عندما ارتفع اليورو مقتربا بشدة من 1.40 دولار، وقال محللون انه من المرجح أن يظل الدولار تحت ضغط.

وهبط اليورو في اوائل معاملات اوروبا اليوم 0.1 في المائة الى 1.3966 دولار بفارق طفيف عن المستوى القياسي الذي بلغه في الجلسة السابقة عند 1.3989 دولار. وانخفض الدولار الى 115.90 ين بينما تراجع اليورو الى 161.85 ين بعد ان سجل أعلى مستوى في خمسة اسابيع عند 162.56 ين اول من امس الثلاثاء.

وواصل الجنيه الاسترليني خسائره ليصل الى أدنى مستوى في 17 شهرا أمام اليورو لليوم الثالث على التوالي امس، وقال مستثمرون ان تفاصيل محضر أحدث اجتماع لبنك انجلترا المركزي تركت الباب مفتوحا أمام خفض محتمل في الفائدة البريطانية خلال الشهور المقبلة.

وأظهرت تفاصيل محضر اجتماع البنك المركزي في سبتمبر (ايلول) أن البنك صوت بالاجماع لصالح ترك الفائدة بدون تغيير قائلا ان الضغوط التي تدفع التضخم نحو الارتفاع انحسرت.

وقال ديريك هافبني المحلل الاستراتيجي لشؤون العملات في «بي.تي.ام يو.اف.جيه» ان المحضر «اظهر أن الاسواق ترى ضرورة لخفض الفائدة في مرحلة ما».

وارتفع اليورو الى 69.76 بنس وفقا لبيانات رويترز بارتفاع 0.4 في المائة عن بداية اليوم ومسجلا أعلى مستويات منذ ابريل (نيسان) 2006. وكان الجنيه الاسترليني قد انخفض أمس الى أدنى مستوياته منذ عام مقابل سلة من العملات وذلك بعد أن خفف قرار زيادة أسعار الفائدة الاميركية من عزوف المستثمرين عن المخاطرة وشجعهم على العودة لشراء العملات مرتفعة العائد.

وارتفعت أسعار صرف الين الياباني مقابل اليورو الاوروبي والدولار الاميركي امس بعد أن قال توشيهيكو فوكوي محافظ بنك اليابان المركزي انه لا داع لرفع أسعار الفائدة اذا كان النمو الاقتصادي متسقا مع توقعات البنك.

وقال متعامل في بنك أميركي بلندن «يوجد شيء من رد الفعل لتصريحات فوكوي، فهو يشير فيما يبدو الى أنه ربما تحدث زيادة في أسعار الفائدة فيما بعد».

لكن الاضطراب في الاسواق العالمية عزز جاذبية المعدن الاصفر حيث بلغ الذهب أعلى مستوى في 16 شهرا في اوروبا امس وتأهب للوصول الى أعلى مستوى في 28 عاما مع اقبال المستثمرين على شرائه كملاذ آمن والهبوط الحاد للدولار بعد خفض الفائدة الاميركية اول من امس.

ويؤدي هبوط العملة الاميركية الى خفض تكلفة الذهب بالدولار لحائزي عملات اخرى ويعزز جاذبية المعدن كاستثمار بديل. كما زادت أسعار معادن نفيسة اخرى حيث ارتفع البلاتين الى أعلى مستوى في حوالي ثمانية اسابيع وبلغت الفضة أعلى مستوى في ستة اسابيع وسجل البلاديوم أعلى مستوى في اسبوع تقريبا.

وبلغ الذهب في المعاملات الفورية 726 دولارا للاوقية (الاونصة) مسجلا أعلى مستوى منذ مايو (ايار) 2006 قبل ان يتراجع الى 723.35-724.05 دولار بحلول الساعة 1006 بتوقيت جرينتش مقارنة مع اغلاق نيويورك امس على 719.30-720.30 دولار.

وقال المحلل فريدريك بانيتسوتي في مؤسسة ام.كيه.اس فينانس «خفض الفائدة يعكس جيدا مخاوف السوق وخاصة فيما يتعلق بالسيولة. وربما نرى موجة اخرى من عمليات شراء الذهب نتيجة هبوط الدولار..».

وكان الذهب قد بلغ في منتصف مايو (ايار) من العام الماضي أعلى مستوى في 26 عاما عند 730 دولارا للاوقية. ومن شأن تجاوز المعدن الاصفر هذا المستوى أن يدفعه الى أعلى مستوياته منذ يناير (كانون الثاني) 1980 عندما سجل أعلى مستوى على الاطلاق عند 850 دولارا للاوقية.