انتقادات حكومية غير مسبوقة لمشغلي الجوال في مصر

الشركات الخاصة تحمل الدولة المسؤولية لعدم وفائها بالتزاماتها

مواطن مصري يستخدم الجوال في احد محلات القاهرة («الشرق الاوسط»)
TT

يبدو أن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصرية قد فاض بها الكيل من انخفاض جودة الخدمات التي تقدمها شركات الجوال العاملة فى السوق، الأمر الذى يفسر لجوء الدكتور طارق كامل وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إلى التلويح بعقوبات مشددة على الشركات التي لن تلتزم بتحسين مستوى الخدمات. واعتبر مراقبون بمجتمع المعلومات المصري أن تهديدات الوزير واقعة غير مسبوقة على الإطلاق حيث أن تلك الشركات كانت، وقد تظل، «الفتى المدلل» للحكومة المصرية التي يتحدث صراحة في السابق عن جودة التغطية للشبكات رغم جهر الجمهور بالشكوى عدة مرات.

وتصاعدت التهديدات الحكومية لشركات الجوال مؤخرا ليتعهد من خلالها الدكتور عمرو بدوي الرئيس التنفيذي للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات التابع لوزارة الاتصالات بعدم منح الجهاز أي من الشركات الثلاث القائمة «موبينيل ـ فودافون مصر ـ اتصالات مصر» مزيدا من الأرقام لمشتركين جدد، إذا ظلت الأحوال على نهجها الحالي واستمرت شكاوى العملاء من سوء التغطية وانقطاع المكالمات وعدم القدرة على اتمام المكالمات رغم تكرار المحاولات عشرات المرات في بعض الأوقات، خاصة المعروفة بأوقات الذروة.

وفي المقابل لم تجد شركات الجوال غير الحكومة المصرية لتلقي عليها مسؤولية سوء جودة الخدمات لديها بدعوى عدم وفائها بالتزاماتها تجاه تسهيل مهام الشركات في تركيب هوائيات التغطية في بعض المناطق التي تكثر الشكاوى بها، لاسيما مع تصاعد حدة المواجهات الشعبية بسبب تخوفات قطاعات عريضة من المجتمع المصري من فكرة إقامة محطات تقويه فوق أسطح المباني والعقارات بسبب الخوف من أضرار الموجات الكهرومغناطيسية الصادرة عن أبراج الجوال على صحة الإنسان. وكشف خبراء مطلعون أن شركات الجوال قد تضرب بتهديدات وزارة الاتصالات عرض الحائط، وذلك لحصول جهاز تنظيم الاتصالات وفقا للتراخيص الممنوحة للشركات على نسبة من أرباحها تصل إلى 2.4% سنويا، بخلاف ما تحصل عليه هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات التابعة لوزارة الاتصالات أيضا من نسبة تصل إلى 1%، مضافا إليها الضرائب التى تسددها الشركات الثلاث للحكومة، والرسوم المفروضة عليها مقابل السماح لها ببناء محطات وفق قوانين المحليات بكل محافظة.

الأمر الذي قد يدفع وزير الاتصالات للتفكير ملياً قبل الإقدام على أي خطوة من شأنها التقليل من أرباح شركات الجوال أو إرباك خططها، خاصة أن الوزير من أكثر المسؤولين مباهاة بما تضيفه شركات الجوال للخزانة العامة للدولة سواء من قيمة التراخيص أو الاستحقاقات سالفة الذكر، ومن المرجح أنه لن يقبل أي انخفاض حتى وإن كان طفيفا في تلك الإيرادات التي تهتم بها الدولة، فضلا عن أنه يعتبرها نجاحا شخصيا يحسب له كوزير للاتصالات.

ومن جانبه، اعترف أحد أعضاء مجلس إدارة الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في هذا الشأن بأن بنود التراخيص الموقعة بين شركات الجوال والحكومة المصرية بها نواحي قصور تصب في مصلحة شركات الجوال وتجعل الحكومة في موقف أضعف، مشيرا إلى أن المسؤولين عن منح الترخيصين الأولين عام 1998 لشركتي «موبينيل» و«فودافون مصر» لم يكونوا بالخبرة الكافية لإبرام اتفاق متوازن، على حد تعبيره.

وفي هذا السياق، أكد الدكتور عمرو بدوي الرئيس التنفيذي للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات أن هناك بعض البنود تحتاج الى تعديل فى التراخيص الممنوحة لشركات الجوال، ملمحا إلى أنه لا يمكن القيام بهذا التعديل إلا عند التجديد لتراخيص الشركتين الأوليين «موبينيل وفودافون مصر» عام 2013.

وأشار بدوي إلى أن من حق الجهاز اتخاذ إجراءات صارمة ضد الشركات إذا ما وجهت اهتمامها نحو توسيع قاعدة عملائها دون الاهتمام بضخ استثمارات في شبكاتها بما يسمح بجودة الخدمات.

وأضاف أن مسألة عدم منح الشركات أي أرقام جديدة ترغب بها يعد بمثابة ورقة أخيرة يلجأ إليها الجهاز لمعاقبة الشركات على سوء التغطية من قبلها، مشيرا إلى أنه من الممكن اتخاذ إجراءات عقابية تدريجية لم يحددها. ومن جانبه، أكد المهندس السكندر شلبي المدير التنفيذي والعضو المنتدب لـ«موبينيل» أن شركته تواصل ضخ الاستثمارات من أجل تطوير شبكتها، مشيرا إلى أنه تم ضخ ما يقرب من 1.7 مليار جنيه العام الماضي 2006 (300.8 مليون دولار) لتطوير وتحديث الشبكة.

وأضاف شلبي أن اتجاه الشركة للحصول على ترخيص الجيل الثالث للجوال المعروف باسم الـ 3G يهدف للاستفادة من ترددات هذا الجيل في السماح باستقبال مشتركين جدد وتجويد خدمات الشبكة.

وبين حالة الشد والجذب بين شركات الجوال ووزارة الاتصالات التي يكتنفها نوع من المصلحة الخفية، دعت الجمعية العلمية لمهندسي الاتصالات لتجديد المطالبة بضرورة فصل الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات عن وزارة الاتصالات كي يصبح أداة محايدة قادرة على مجابهة شركات الجوال التي تتعاظم قوتها بمرور الوقت.

وقال المهندس محمود أبو شادي رئيس مجلس إدارة جمعية مهندسي الاتصالات إنه حان الوقت لاستقلالية هذا الجهاز الحيوي مثلما هو الحال مع الجهاز المركزي للمحاسبات، مشيرا إلى أن وجوده في أحضان الحكومة يغل يده ويضعه دائما في موقف المتغافل عن قصد عن شركات الجوال نظرا لتوافق المصالح غير المنظورة للعيان.

وأعرب أبو شادي عن اعتقاده بأن تهديدات جهاز تنظيم الاتصالات بعدم منح شركات الجوال أرقام لمشتركين جدد لا تخرج عن كونها ضغوط متكررة لا تجدي مع الشركات.