ارتفاع اليورو يزيد من مخاوف أوروبا الاقتصادية

وسط تصاعد الجدل حول التأثيرات

TT

حققت العملة الاوروبية الموحدة ارقاما قياسية هذا الاسبوع مع تجاوزها عتبة 1.41 دولار وذلك للمرة الاولى في تاريخها، وجاء ذلك بعدما قرر الاحتياطي الفيدرالي الاميركي (البنك المركزي) خفض معدل الفائدة الرئيسية نصف نقطة ليصبح 4.75 في المائة، وذلك للحد من الازمة المالية التي تشهدها البورصات حاليا.

ورغم ترحيب الاسواق بهذه الخطوة، فقد اجمع المحللون على انها عرضت الدولار لضغوط وادت الى ارتفاع قيمة اليورو، لافتين الى ان العملة الاوروبية قد تبلغ سقوفا غير مسبوقة على المدى القريب، ويتحدث معظمهم عن يورو يساوي 1.45 دولار.

وتأتي قفزات اليورو في أسواق الصرف العالمية مع تخلص المستثمرين حول العالم من الدولار في وقت خطير بالنسبة لاقتصاد منطقة اليورو المؤلفة من 13 دولة.

فعلاوة على تزايد المخاوف بشأن آفاق قطاع تصدير الآلات الرئيسي لمنطقة اليورو فإن وثبات العملة الأوروبية المشتركة من مستوى قياسي إلى مستوى قياسي آخر تأتي وسط مؤشرات على أن اقتصاد منطقة اليورو بدأ في التباطؤ ومواجهة ضغوط تضخمية متجددة.

وفي الواقع فإن ارتفاع اليورو في الأشهر القليلة الماضية التي بلغ خلالها أعلى مستوياته على الإطلاق أمام الدولار مسجلا أكثر من 1.41 دولار يوم الخميس يأتي أيضا على خلفية تعديل خبراء الاقتصاد توقعاتهم بالانخفاض لنمو اقتصاد منطقة اليورو.

وبعد أن نما الاقتصاد بنسبة 2.5% هذا العام، فإن اقتصاديين يتوقعون الآن أن يتراجع النمو إلى أقل من 2% ليصل إلى 1.9% في العام القادم حتى قبل أن يتضح حجم التداعيات السلبية لما شهدته أسواق المال مؤخرا من اضطراب.

وقال راينر جونتيرمان الاقتصادي البارز في بنك «دريسدنر كلاينفورت» الألماني الاستثماري إن «السوق تتوقع سيناريو التباطؤ». لكن هذا الأمر يثير التساؤل بشأن المدى الذي عنده يمكن للأداء القوي المستمر لاقتصاديات ناشئة كبيرة مثل الصين والهند والشرق الأوسط تعويض ما تظهره مؤشرات متزايدة عن تباطؤ النمو في اقتصاد الولايات المتحدة أكبر اقتصاد في العالم.

ومن المرجح أن ارتفاع عملية اليورو الذي يبدو أنه بلا نهاية سوف يزيد الدعوات السياسية التي تأتي في مقدمتها دعوات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بخفض أسعار الفائدة لمنع تعرض الصادرات والنمو الاقتصادي للخطر بسبب قوة سعر صرف اليورو، كما أنه (ارتفاع اليورو) سيتيح مزيدا من الوقت للبنك المركزي الأوروبي كي يحدد سياسته النقدية.

ولا يزال الفارق في سعر صرف اليورو والدولار يتسع مع منافع تسجل على جانبي الاطلسي فضلا عن صعوبات جديدة، فالمصدرون يخضعون لضغوط في اوروبا جراء ذلك مع مخاطر حصول تضخم وعجز تزيد صعوبة تمويله في الولايات المتحدة.

وتقول فيرونيك ريتشز ـ فلوريس كبيرة خبراء الاقتصاد في مصرف «سوسييته جنرال»: «لا نرى شيئا يمكنه ان يوقف هذا التوجه» التصاعدي لليورو.

وكان الاحتياطي الفيدرالي الاميركي قد خفض نسبة الفائدة الرئيسية في الولايات المتحدة من 5.25% الى 4.75% ملمحا في الوقت ذاته الى احتمال اللجوء الى تخفيضات اضافية.

وعلى العكس يؤكد رئيس المصرف المركزي الاوروبي جان كلود تريشيه ان «مخاطر حصول تضخم تبقى عالية» في منطقة اليورو رغم الازمة المالية، وهو كلام لا يؤشر الى احتمال خفض نسب الفائدة. وبما ان الفارق بين نسب الفائدة على جانبي الاطلسي يتقلص، يزيد هذا الامر من عدم الاهتمام بالدولار ويعزز جاذبية اليورو.

وبالنسبة للاوروبيين يسمح اليورو القوي بتخفيف تأثير الارتفاع الكبير في اسعار النفط الذي يسعر بالدولار وبتخفيض اوتوماتيكي لاسعار الواردات من خارج الاتحاد الاوروبي وهو امر جيد للمستهلكين ولبعض الصناعيين الذين يعتمدون كثيرا على الاستيراد (الطاقة، قطع الغيار).

واليورو القوي يسمح كذلك الى المجموعات الاوروبية الكبيرة بشراء موجودات في الخارج بشروط افضل، لكن الصادرات الاوروبية بدأت تتأثر: فالفائض التجاري في منطقة اليورو بدأ يتراجع من 7.6 الى 4.6 مليار يورو في يوليو (تموز). وفرنسا متأثرة اكثر من غيرها، فقد تجاوز عجزها التجاري على مدى السنة 30 مليار يورو في يوليو مسجلا مستويات قياسية. وبدأ القلق ينتشر حتى في المانيا، كبرى الدول المصدرة في العالم التي استمر فائضها التجاري بالتحسن في يوليو رغم الازمة المالية ومستوى صرف اليورو. وقال وزير الاقتصاد الالماني مايكل غلوس لصحيفة «بيلد» الاربعاء «في حال استمر الدولار بالتراجع فهذا سيلقي بظلاله على صادراتنا».

وباستثناء فرنسا التي تكثر من الانتقادات للمصرف المركزي الاوروبي تلزم الحكومات الاوروبية الصمت حتى الان امام المستويات القياسية التي وصل اليها سعر اليورو رغم ان الغيوم بدأت تلبد سماء منطقة اليورو اقتصاديا بسبب ارتفاع اسعار النفط والازمة المالية.

وقد اظهر مؤشر قطاع الصناعات والخدمات «بي ام اي» ذلك يوم الجمعة بتراجعه الى ادنى مستوى له منذ عامين في سبتمبر (ايلول).

وفي الجانب الاميركي يعطي ضعف الدولار الذي اصبح سعره معادلا لسعر الدولار الكندي للمرة الاولى منذ 31 عاما، تقدما للمصدرين الاميركيين لكنه يجعل من سعر الواردات اعلى، هذا الامر يساعد على لجم العجز التجاري لكنه يزيد من مخاطر التضخم.

وفي هذا السياق تقول فلوريس كذلك «بالنسبة للذين يشترون سندات في الخزينة الاميركية فان مخاطر سعر الصرف تزداد»، الامر الذي سيزيد من تعقيد تمويل الدين الاميركي الهائل.

ومن جهته يشدد ايفاريست لوفوفر الخبير لدى شركة « ناتيكسيس» على ان الاحتياطي الفيدرالي الذي يبدو كأنه سيستمر في سياسة خفض نسب الفائدة «يجد نفسه في وضع حرج»، والمعضلة ذاتها يواجهها المصرف المركزي الاوروبي. وقال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الخميس «عندما يخفض الاحتياطي الفيدرالي الاميركي نسبة ينطلق كل شيء، وعندما لا نخفض نحن نسب الفائدة فاننا نغرق، ثمة مشكلة هنا».

وحتى الامين العام لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية انخيل غوريا اشار يحذر الى ان خفض نسب الفائدة من قبل المصرف المركزي الاوروبي «قد يكون خطوة في الاتجاه الصحيح».

في غضون ذلك، فإن التوقعات الاقتصادية المتشائمة بالنسبة للولايات المتحدة نتيجة أزمة سوق الرهن العقاري عالي المخاطر إضافة إلى توقعات بأن مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي سوف يستمر في دورته لخفض أسعار الفائدة التي بدأها الثلاثاء الماضي قد ساهمت في تراجع قيمة العملة الخضراء وتعزيز سعر اليورو للارتفاع.

ويضارب المتعاملون في أسواق الصرف حاليا بشأن الموعد الذي سيخترق عنده اليورو مستوى 1.45 دولار حتى حاجز 1.50 دولار وذلك بعد أن تجاوز مستوى 1.41 دولار هذا الأسبوع.

وبهذا الصعود يكون اليورو قد استغرق مدة طويلة كي يصل إلى هذا المستوى منذ بداية طرحه للتداول عام 1999. فمع تفوق نمو الاقتصاد الأميركي المزدهر على منطقة اليورو حينذاك، تراجع اليورو إلى مستوى متدن قياسي ليبلغ 82.52 سنت من الدولار في أكتوبر (تشرين الاول) عام 2000.

وعلى أية حال فإن اليورو ارتفع خلال هذا الأسبوع بمفرده بنسبة 2% تقريبا مع قيام مجلس الاحتياطي بخفض أسعار الفائدة الثلاثاء الماضي، الأمر الذي قوى من سعر صرف اليورو وساهم في تضييق الفارق مع أسعار الفائدة لمنطقة اليورو المؤلفة من 13 دولة.

كما ساهم هذا الأمر بشكل خاص في ظل ظهور مؤشرات على تجدد الضغوط التضخمية في مساعدة مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي المؤلف من 19 عضوا من مقاومة الضغوط لاقتفاء أثر مبادرة السلطات النقدية الأميركية، ويقوم بخفض تكاليف الإقراض في منطقة اليورو.

وهناك توقعات بأن الأجور المرتفعة وتراجع معدل البطالة وعلى الأخص في ألمانيا سوف تشجع في نهاية الأمر المستهلكين في منطقة اليورو على الإنفاق.

ولكن على الرغم من أن المستهلكين في منطقة اليورو ليسوا شديدي التأثر مثل أصحاب المنازل الأميركيين بهذا النوع من الاضطراب الذي ضرب أسواق الأسهم مؤخرا فإن القفزة في أسعار النفط خلال هذا الأسبوع لتصل إلى مستوى قياسي بلغ 84 دولارا للبرميل يمكن أن تحد من انتعاش إنفاق المستهلكين من القطاع الخاص الذي طالما كان مأمولا.

ويرى محللون ان اليورو سيواصل تحقيق قفزات على حساب الدولار وقد يبلغ قريبا عتبة 1.45 دولار بسبب الشكوك التي تحوم حول الاقتصاد الاميركي بعدما قام الاحتياطي الفيدرالي الاميركي بخفض معدل الفائدة الرئيسية.

واوضح ديريك هالبني الاقتصادي في «بنك اوف طوكيو ميتسوبيشي» انه «تم تجاوز عتبة 1.40 دولار، والضعف الاكيد للعملة الاميركية حيال كل العملات يدفع الى التوقع ان فوارق نسب الفائدة بازاء الدولار ستتحرك».