«النقد الدولي»: الاقتصاد العالمي سيتراجع إذا استمرت التقلبات المالية

قال إن النمو حاليا لا يزال قويا لكن التصحيح في الأسواق سيستمر طويلا

متعاملون في بورصة ساوباولو في البرازيل (ا.ف.ب)
TT

حذر تقرير «الاستقرار المالي العالمي» من ان الاقتصاد العالمي سيتراجع اذا استمرت مخاطر الائتمان والتقلبات في الاسواق المالية العالمية، لكنه أكد انه رغم استمرار موجة الاضطرابات التي بدأت مؤخرا فأنه لا يزال من المبكر للخروج باستنتاجات قاطعة. وكشف التقرير الصادر امس الاثنين عن صندوق النقد الدولي انه ينبغي عدم الاستهانة بالعواقب المحتملة في تطورات مخاطر الائتمان والتقلبات في الاسواق المالية، مشيرا الى أنه من المرجح أن تستمر عملية التصحيح لفترة غير قصيرة. وشدد الصندوق على ان أوضاع الائتمان قد لا تعود إلى سابق عهدها في وقت قريب، ويتعين تغيير بعض الممارسات التي ظهرت في أسواق الائتمان المهيكل. لكن الصندوق لاحظ انه رغم هذه الفترة المضطربة لا يزال أداء الاقتصاد العالمي جيدا، مبينا ان النمو لا يزال قويا حتى الآن، بالرغم من التصحيح الكبير الجاري في الأسواق المالية، رغم انه يتوقع حدوث بعض التباطؤ. وأظهر التقرير ان مخاطر التطورات المعاكسة زادت إلى حد كبير، وحتى في حالة عدم تحققها فإن انعكاسات هذه الفترة المضطربة ستكون ملموسة وواسعة النطاق. وفي نهاية المطاف، شدد الصندوق على ضرورة استخلاص الدروس اللازمة سواء بالنسبة للقطاع الخاص أو في مجال التنظيم والرقابة بغية تقوية النظام المالي في مواجهة التوترات المستقبلية. وهنا قال جيم كاروانا مدير قسم الاسواق النقدية والرأسمالية في صندوق النقد الدولي، في مؤتمر صحافي عقده امس في واشنطن حضرته «الشرق الاوسط» عبر الانترنت «ان المخاطر للاستقرار المالي العالمي قد ازدادت حيث يتعرض النظام المالي العالمي حاليا لاختبار حقيقي، مطالبا بتعميق الشفافية والنظر في بعض التشريعات المالية».

وأشار التقرير الى ان مخاطر الائتمان والسوق تنامت وأصبحت الأسواق أكثر تقلبا، لكنها ـ أي الأسواق ـ بدأت تدرك مدى تدهور الانضباط الائتماني في السنوات الأخيرة ولا سيما في السوق الأميركية للقروض العقارية منخفضة الجودة (او عالية المخاطر) وسوق القروض التمويلية، وإن كان التدهور قد امتد أيضا إلى أسواق ائتمانية أخرى ذات صلة. وأوضح الصندوق ان ذلك الامر أفضى إلى الابتعاد عن بعض الأصول عالية المخاطر وتراجع التمويل بالديون، مما أدى إلى اتساع فروق العائد في فئات الأصول الأكثر خطرا وأسواق السندات والأسهم الأكثر تقلبا. وأوضح في هذا السياق انه نظرا لعدم وجود أسعار أو أسواق ثانوية لبعض منتجات الائتمان المهيكلة، والمخاوف المتعلقة بموقع الخسائر المحتملة وحجمها، حدثت اضطرابات في أسواق المال ونشأت مصاعب في التمويل أمام عدد من المؤسسات المالية حيث أحجم بعض الأطراف المقابلة عن تقديم الائتمان إلى من اعتبرت أصولهم منخفضة الجودة وتفتقر إلى السيولة. وتطلب الاضطراب الناجم عن ذلك، كما يقول الصندوق، تزويد عدد من البنوك المركزية بإمدادات من السيولة لتيسير عمل هذه الأسواق على نحو منظم. وعزا تقرير الاستقرار المالي العالمي الأسباب الأساسية وراء التصحيح الحالي في أسواق المال العالمية الى تراجع الانضباط الائتماني واحتمالات التهاون في معالجته التي أدت إلى تراكم المخاطر الائتمانية في سوق التمويل العقاري الأميركية وسوق الإقراض التمويلي لشراء كامل الحصص، وبعض القروض للأسواق الصاعدة. وقال صندوق النقد الدولي في هذا السياق ان الأوضاع الاقتصادية والمالية الحميدة أدت في السنوات الأخيرة إلى إضعاف الحوافز على تطبيق إجراءات العناية الواجبة على المقترضين والأطراف المقابلة. وإضافة إلى ذلك، كان نموذج «إنشاء القروض وتوزيع المخاطر» الذي يطبقه كثير من المؤسسات المالية على المنتجات الائتمانية يحد من الحوافز التي تدعوها لمراقبة المقترضين. وتابع قائلا: ربما يكون المستثمرون في الأوراق المالية الموزعة قد أرخوا تدابير العناية الواجبة في تقديرهم لمخاطر السيولة والتمويل بالديون أو اختاروا الاعتماد بشكل مفرط على هيئات التصنيف الائتماني في تحليلهم لمخاطر الأدوات المالية المركبة. واوضح: لقد أدت الضغوط اللاحقة في سوق الإسكان الأميركية إلى إضعاف الأوراق المالية المضمونة برهون عقارية، وهي عنصر مهم من عناصر النظام المالي العالمي، ونظرا لما تمخض عن ذلك من تكرار التخفيضات التي أجرتها هيئات التصنيف في مستوى الجدارة الائتمانية لهذه الأوراق المالية، ظهرت ضغوط خافضة لأسعارها وأخذت ظاهرة إعادة تقييم المخاطر التي بدأت منذ فترة تزداد عمقا. وكان للتمويل بالديون دور أساسي في تضخيم هذه الاضطرابات، بحسب التقرير، خصوصا مع تمكن بعض البنوك وأدوات الاستثمار الأخرى، بما فيها صناديق التحوط، من الاقتراض بسهولة بضمان أصول صعبة التسعير متداولة في السوق غير السائلة. وبين الصندوق في هذا الاتجاه ان سوء الأوضاع ازداد بشدة عندما تلاشت سيولة السوق، مما تمخض عن ضرورة الحد من الرفع المالي ببيع الأصول بأسعار بخسة لسداد الديون التمويلية كما أسفر عن فشل بعض الصناديق الاستثمارية. أما المؤسسات التي تكبدت أكبر الأضرار فهي التي كانت استراتيجياتها ترتكز على مستويات عالية من الرفع المالي وكانت تفترض توافر السيولة على نحو مستمر في الأسواق الثانوية (ولعل ما حدث لمؤسسة نورثرن روك البريطانية كان ابرز مثال على ذلك). وقال النقد الدولي انه مع هبوط الأسواق توسعت علاوات المخاطر بسرعة وربما يكون الوضع قد ازداد سوءا بسبب تشابه أساليب إدارة المخاطر ووجود نفس المستثمرين في أسواق متعددة وتشابه المراكز المفتوحة وقد تضخمت الخسائر حين سعى كثير من المتعاملين في السوق إلى الخروج من مراكز متشابهة في نفس الوقت. وهنا دعا الصندوق القائمين على تسيير الأسواق الصاعدة (ومن ضمنها العديد من الاسواق العربية) الى التركيز على الهدف متوسط الأجل الذي يتمثل في تحسين جودة الأسواق المالية المحلية فإضافة إلى قوة الأساسيات الاقتصادية الكلية، تصبح البلدان أكثر استعدادا للتواؤم مع تقلب التدفقات الرأسمالية المحتملة. ويربط ذلك إذا كانت تمتلك أسواقا للأسهم تتسم بالعمق والسيولة وتخضع لنظام على مستوى جيد من التنظيم، وتتمتع بمستوى عال من الجودة المؤسسية على أساس مجموعة واسعة من المؤشرات، بما في ذلك حوكمة الشركات، والمعايير المحاسبية، وسيادة القانون، والسيطرة على الفساد. وأبرز التقرير هنا أهمية الشفافية في السياستين الاقتصادية الكلية والمالية الكلية والبيانات الاقتصادية والمالية، مؤكدا ان تطوير الأسواق المالية في المدى المتوسط، ستكون الأسواق الصاعدة أكثر استعدادا لتعظيم مزايا التدفقات الرأسمالية الداخلة مع حماية النظام المالي المحلي من الآثار المزعزعة للاستقرار التي يحتمل أن تنشأ عن خروج تدفقات رؤوس الأموال بشكل مفاجئ.