المستثمرون المصريون يتجهون نحو الجزائر.. والمحطة المقبلة سورية

بالتركيز على المشروعات الكثيفة الاستخدام للطاقة

TT

فتح الإعلان المفاجئ لوزير التجارة والصناعة المصري المهندس رشيد محمد رشيد عن اقامة منطقة صناعية في الجزائر وما أعقبه من تصريحات خلال اجتماعات اللجنة التجارية المصرية الجزائرية في سبتمبر (ايلول) الماضي حول اهمية زيادة الاستثمارات بين البلدين، الباب للتساؤل حول اسباب ودوافع اقبال رجال الاعمال المصريين المتزايد على الاستثمار المباشر في الجزائر وبشكل لم يحدث مع دول الجوار: السودان وليبيا.

كما نبه الى وجود عدة مشاريع تجرى هناك يقوم بها عدد من الشركات المصرية الكبرى، مما أثار التساؤلات حول القطاعات التي تحظى بالأولوية من قبل المصريين وتقييم للمخاطر والمزايا.

لقد فسر خبراء هذا التوجه بأنه جاء نتيجة تشبع السوق المصري بالاستثمارات المحلية نسبيا، في بعض المجالات التي شهدت نموا كبيرا وأصبح أصحابها في حاجة الى تجاوز الحدود والاستثمار في الخارج كمرحلة طبيعية في حياة أي مشروع ناجح، وجاء اختيار الجزائر في لحظة اعلنت فيها الحكومة المصرية سياسة جديدة للطاقة للمصانع كثيفة الاستخدام لها مما ولد حافزا اضافيا للتوجه الى بلد كالجزائر لا تزال لديها مميزات.

كما يشهد اقتصادها انطلاقات تفتح كل يوم مزيدا من الفرص حيث رصد محللون مصريون تحسن احوال الجزائر الاقتصادية منذ منتصف التسعينات نتيجة الاصلاحات التي جرت واتجاه الحكومة الجزائرية الى تركيز جهودها لتنويع مصادر الاقتصاد من خلال للاستثمار الخارجي خارج قطاع الطاقة مستهدفة جذب استثمارات بنحو 100 مليار دولار بحلول عام 2009.

واكد الخبراء ان اكثر القطاعات المرشحة للاستثمار في الجزائر والتي تشهد اقبالا كبيرا من المستثمرين المصريين هي مجالات الحديد والاسمنت والاسمدة والبتروكيماويات والاتصالات الى جانب المقاولات.

وقال الدكتور سمير رضوان عضو مجلس أمناء هيئة الاستثمار والمدير السابق لمنتدى بحوث الشرق الاوسط وشمال افريقيا وتركيا وايران ان المؤسسات الدولية وبيوت التمويل اصبحت تشجع الاستثمار في الجزائر وذلك بعد ان قطعت شوطا طويلا في طريق الاصلاح الاقتصادي، موضحا ان رؤوس الاموال الاميركية والاوروبية هي التي فتحت الباب لبدء الاستثمار هناك خلال العامين الاخيرين.

وأشار رضوان إلى ان الجزائر تتمتع بثروات طبيعية متعددة تجعلها في مقدمة الدول الجاذبة للاستثمارات الخارجية خاصة في مجال البتروكيماويات والعقارات، فضلا عن توافر الخبرات الفنية التي تلقت تعليمها في فرنسا، مشيرا الى ان هذه العوامل جعلت الجزائر مؤهلة لاستقبال استثمارات.

واعتبر رضوان ان توجه الاستثمارات المصرية مؤخرا الى الجزائر لا يعني هروبا لرؤوس الاموال من مصر، مشيرا الى ان مؤتمر الاونكتاد الاخير كشف ان صافي رؤوس الاموال الخاصة في الدول النامية تتجه لدول العالم في رحلة بحثها عن معدلات مرتفعة الاستثمار، ويرى ان مصر تسعى دائما لتنويع مصادر استثماراتها.

ولفت رضوان الى بعض القيود التي تحد من حركة التجارة بين مصر والجزائر والتي تتمثل في طبيعة العلاقات بين دول شمال افريقيا الفرانكفونية التي تتصف بانها علاقات رأسية أكثر منها أفقية، مشيرا الى ان علاقة الجزائر بفرنسا وبلجيكا اكبر من علاقاتها بجيرانها العرب، فهي تستورد قطع الغيار اللازمة لتجميع السيارات البيجو من فرنسا وتصدر لها ولاسبانيا النبيذ وزيت الزيتون يساعدها في حركة التجارة سهولة النقل بينها وبين هذه الدول نتيجة قربها من اوروبا.

واعتبر رضوان ان اتجاه رجل الاعمال المصري نجيب ساويرس بمشاركة البنك التجاري الدولي لانشاء أول بنك مصري في الجزائر هو انعكاس للثقة في الاقتصاد الجزائري ولان الحكومة الجزائرية تقدم تيسيرات لانشاء بنك. واوضح ان اكثر القطاعات المرشحة لاستثمار المصريين في الجزائر هي صناعة البرمجيات ذات الصلة بالاتصالات الى جانب الاستثمار الجاذب في البنية الاساسية وصناعة الملابس.

من جانبه اكد الدكتور شريف الجبلي رئيس غرفة الكيماويات باتحاد الصناعات على تمتع الجزائر بمقومات جاذبة للاستثمار يأتي في مقدمتها توافر أسعار الغاز بأسعار رخيصة وكذلك الخامات الطبيعية الى جانب موقعها الجغرافي الذي يوفر فرص التصدير للمستثمر الى اسواق اوروبا.

وكشف الجبلي عن تقدمه بطلب الى هيئة الاستثمار الجزائرية لاقامة مصنع للاسمدة باستثمارات تتجاوز 300 مليون دولار، مستفيدا من انخفاض اسعار الغاز الطبيعي، مشيرا الى ان ارتفاع اسعار الطاقة مستقبلا لن يكون ذا تأثير على المشروعات الاستثمارية التي حصلت على الترخيص لانها تتم وفقا لعقود زمنية محددة.

واستبعد الجبلي امكانية الاستثمار الحالي في ليبيا التي تمثل امتدادا طبيعيا وجغرافيا لمصر، مشيرا الى ان الكشف عن الغاز لن يتم قبل عامين، ولافتا الى ان بعض المستثمرين المصريين سبق ان طرقوا ابواب الاستثمار في ليبيا والسودان، الا ان الاوضاع الداخلية غير المستقرة في السودان بالتحديد حالت دون ذلك.

ويرى الجبلي ان اقامة منطقة صناعية مصرية بالجزائر لن تستوعب صناعات ثقيلة كصناعة الصلب والاسمدة والاسمنت ولكنها مهمة للصناعات المتوسطة والصغيرة، مبينا ان انتاج مصنع الاسمدة لن يوجه انتاجه للسوق الجزائري ولكن سيوجه بالكامل للتصدير لاوروبا، متوقعا ان تكون سورية المحطة التالية لاستثمار المصريين. واشار الى تزايد عدد الطلبات المقدمة للاستثمار هناك، مؤكدا توافر خام الفوسفات اللازم لصناعة الاسمدة.

بينما اكد علي دقلة نائب رئيس مجلس الاعمال المصري الجزائري ان المستقبل يحمل المزيد من الفرص الاستثمارية للشركات المصرية التي تسعى لفتح اسواق تصدير لها في الجزائر.

وقال ان فترة الحروب الاهلية التي مرت بها الجزائر فتحت الباب لاستثمارات جيدة في مجال الاسكان ولشركات التنمية العقارية، مشيرا الى الدور الكبير الذي تقوم به شركة المقاولين العرب في هذا المجال.

واوضح ان الجزائر تمتلك قطاعا صناعيا مهما يضم الصناعات النفطية والكهربائية والبتروكيماويات وصناعة السماد وعصر الزيوت بما يشجع المستثمر المصري للدخول في هذا السوق.

واكد ان قرار رفع مستوى اللجنة المشتركة بين البلدين الى المستوى الرئاسي سيساعد في خلق آلية لمساعدة الشركات الكبرى للاستثمار في الجزائر، مفسرا الهجمة الواضحة من قبل رجال الاعمال المصريين نحو الاستثمار في الجزائر بأنها نتيجة لبطء الحركة التجارية بين البلدين بسبب ارتفاع الرسوم الجمركية التي تضعها الجزائر على المكون التام الصنع التي تصل الى 55% بجانب 25% ضريبة مبيعات بما يزيد من سعر تكلفة المنتج المصدر، وهو ما دفع البعض إلى الاستثمار في السوق الجزائري.

وأشار هنا دقلة الى تجربته في انشاء مصنع للورق واخر لتجميع الاجهزة الكهربائية بمشاركة شركة تروماكس العالمية، واكد دقلة اهمية التيسيرات التي تمنحها الحكومة الجزائرية للمستثمرين واهمها الاعفاء الضريبي لمدة 5 سنوات للمشروعات الصناعية الى جانب ميزة انخفاض اجور العمالة الجزائرية. وكشف دقلة عن بعض المشاكل التي تواجه الاستثمارات في البلدين اهمها صعوبة وسائل النقل، مشيرا الى اقتراح تناقشه اللجنة المشتركة لانشاء شركة نقل مشتركة وكذلك اقامة بنك مشترك تساهم فيه الحكومتان ويخضع لرقابة البنك المركزي.

فيما يرى دقلة صعوبة اقامة منطقة صناعية مصرية بالجزائر في الوقت الحالي لعدم تفعيل اتفاقية التيسير العربية التي وقعت عليها الجزائر بالحروف الاولى فقط، مشيرا الى اجتماع مرتقب للجنة العليا المشتركة بين البلدين برئاسة رئيسي الوزراء اواخر العام الحالي لبحث المشاكل القائمة ووضع الحلول لها.

وقال عبد الفتاح الجبالي رئيس وحدة الدراسات الاقتصادية بمركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية ان توجه رأس المال المصري الى الجزائر يجب ان ينظر اليه في السياق الاشمل فلا تزال مصر بحاجة الى رؤوس اموال اجنبية ضخمة لتحقيق معدلات النمو المستهدفة، ولا يمكن اعتبار مصر حتى هذه اللحظة دولة مصدرة لرأس المال برغم ان رجال اعمال مثل محمد فريد خميس وابراهيم كامل واحمد بهجت ومحمد نصير وغيرهم سجلوا محاولات مهمة للخروج الى دول كالولايات المتحدة وانجلترا والصين والسودان وسبقهم جيل من الرواد الذين لجأوا الى اسواق اقليمية منذ الفترة الناصرية.

غير ان الجبالي أكد ان خروج اللحظة الحالية مختلف فهو ليس هروبا من مضايقات او من مناخ غير موات وانما ناتج عن قرارات مدروسة لمستثمرين يعملون في سوق مفتوح ويبحثون عن الفرص اينما وجدت خاصة بعد ان اصبحت معدلات نموهم اقل في السوق المحلي بسبب الحجم الذي وصلوا اليه.