تقييم استثمارات صناديق العائلات

TT

المفترض أن المعايير المحاسبية ما وجدت إلا لاستخراج بيانات مالية عادلة، وأن الجميع يدرك أهمية أن تكون البيانات المالية أكثر عدالة وتمثيلاً للمركز المالي الحقيقي للمنشآت المالية، لكن الذي يحصل في الحياة العملية أن تطبيق هذه المعايير يقتصر على المنشآت الملزمة (نظاماً) بالتطبيق.. وهي هنا الشركات المساهمة! فهناك شركات أشخاص (وبالأخص التضامنية وذات المسؤولية المحدودة) لا تلتزم بتطبيق المعايير المحاسبية. بعضها يكون شركات عائلية وبعضها ملاكها شركاء من غير الأسرة الواحدة. هؤلاء تمر عليهم الفترات المالية وهم يتعاملون بالثقة، وعندما يحصل أيُّ خلاف تبدأ المشاكل في التأزم. وعندما يتنبه الملاك لهذا ويعودون لتطبيق المعايير المحاسبية ينتج عن ذلك التزامات مالية لبعض الشركاء بأثر رجعي. فتبدأ الخلافات والمطالبات التي في الغالب لا تحل إلا في أروقة الجهات القضائية. مع ما يصيب الشركاء من خسائر الوقت والجهد والتضحية بأمور لا حصر لها.

وفي شأن آخر.. بعض الأسر لديها صناديق خيرية تمول (عادة) باشتراكات أفراد العائلة وتبرعاتهم. ومع الوقت تتراكم لديها مبالغ، ويتفق المعنيون بتدبير شؤون هذه الصناديق (فيما سبق) على استثمارها في سوق الأسهم المحلية والخليجية. والاستثمار في سوق الأسهم كأي نشاط تجاري من طبيعته الربح والخسارة. ولذلك لا بد لتحقيق الشفافية من إعادة تقييم هذه الأصول من وقت لآخر، وقبل ذلك تحديد تاريخ القطع (التقييم) الدوري والفترة المالية التي يجب أن توضح نتائجها (سنة أو أقل أو اكثر). والمتابع لما حدث من خسائر في سوق الأسهم السعودي والأسواق الخليجية الأخرى، يدرك أهمية التقييم الدوري للأصول المالية، ثم أن أسواق الأوراق المالية تُصدر نشرات يعول عليها بأسعار جميع الأصول المتداولة في السوق. ففي العرف المحاسبي أنه ولأغراض الشفافية فإن نتائج عملية التقييم يجب أن يُعترف بها وتُعلن للمستفيدين من البيانات المالية، وإن لم يتم البيع الفعلي لهذه الأصول، وهو ما يسمى «الاعتراف المحاسبي». أما إذا تم البيع الفعلي للأصل فقد تحققت الأرباح أو الخسائر، وهو ما يسمى «التحقق».

المشكلة أن صناديق العائلة تدخل فيها اعتبارات المجاملة والإفراط في الثقة، خصوصاً إذا أخذنا بالاعتبار أن هذه الصناديق تدار من قبل اشخاص متطوعين وبمجهودات شخصية. ومن هنا تبرز أهمية تطبيق هذه المعايير كونها توضح للجميع القيم الحقيقية الحالية لاستثمارات صناديقهم المالية. والذي تؤكد عليه التجارب أن بدايات أيِّ خلاف مالي تأتي من الإفراط في الثقة، يقابلها تكاسل واحياناً أهمال البعض في توثيق الأحداث المالية وإيضاحها وإبلاغها للمستفيدين منها. ومع مرور الوقت تتراكم النتائج ويصعب معها إقناع البعض بالقيم الفعلية التي آلت إليه استثماراتهم المالية. وفي بعض الحالات يتم تأجيل التقييم واعتباره تحصيل حاصل، لأن البيع الفعلي لم يتم بعد، وتبقى الأمور معلقة بأشخاص محدودين.. وقد يتوفى واحد أو أكثر من هؤلاء الأشخاص المعنيين بإدارة هذه الصناديق، مما يصعب معه إيضاح النتائج ومتابعتها فيما بعد. وعوضاً عن أن يتحقق الهدف من هذه الصناديق، لتكون أداة للتعاون الأسري وزيادة التقارب فيما بين افراد الأسرة الواحدة، يصبح صندوق العائلة السبب الرئيسي لتفكك الأسرة وتباعدها.

وعليه.. فهذه الصناديق وجدت لكي تستمر وتتطور، لتكون رافداً مالياً لأصحابها على المدى الطويل، ولأن بعضها بدأت أقيامها تصل إلى مبالغ ذات أهمية. وبمناسبة هذا الشهر الفضيل وأن العديد من الأسر يجتمعون لمناقشة أوضاع صناديق العائلة (وبالأخص في يوم العيد)، فإن من المناسب التذكير بأهمية التفرقة بين الثقة الشخصية والقيام بالمهام المالية، والتأكيد على أهمية إظهار النتائج المالية للتعاملات والأحداث المالية والقيم الحالية للأصول المالية. * محلل مالي سعودي [email protected]