روبرت مابرو لـ«الشرق الأوسط» : لا أفهم الضغط لزيادة إنتاج أوبك وقيام أميركا بخفض طاقات التكرير

الخبير البريطاني أكد أن أميركا زادت استهلاك الفحم الملوث بينما تتحدث عن بديل للبترول الملوث

روبرت مابرو
TT

خبير البترول البريطاني المعروف «روبرت مابرو»، الرئيس السابق لمعهد أكسفورد للطاقة هو واحد من ثلاثة باحثين عالميين في الطاقة، تسلموا جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله تقديرا لإسهامهم في المجال البحثي، وذلك أثناء قمة «أوبك» التي انعقدت في الرياض أخيرا. مابرو الذي يزور حاليا مصر، مسقط رأسه، ليلقي محاضرة عن أسواق البترول، في الجامعة الأميركية بالقاهرة، تحدث إلى «الشرق الأوسط» عن أسعار البترول التي مال إلى أنها تتحدد خارج آليات الطلب والعرض، وقال إن ارتفاع السعر أدى إلى نقل للثروة بالفعل لكن اثر هذا النقل يتوقف على قوة الحكومات المستقبلة ووجود مشروع استراتيجي لديها وفرق بين السعودية والكويت.

واستنكر إقدام جهات أميركية وآسيوية على الاستثمار في استخراج طاقة «الايثانول» من الحبوب لعدم جدواها ولتأثيرها الخطير على أسعار الطعام عالميا ودعا الحكومة المصرية الى عدم الاكتفاء بالإصلاحات السعرية فى مجال الطاقة والى بيع الغاز اللازم لإنتاج سلع التصدير بالسعر العالمي وتشجيع جهود ترشيد الاستخدام حتى لا تتعرض البلاد لازمة على المدى البعيد .. والى نص الحوار:

* بما تفسر تلك الارتفاعات في أسعار البترول العالمية؟

ـ مابرو: أولا، دعيني أتساءل.. ما سبب الفزع عندما يصل إلى 100 دولار، ذلك الحاجز الوهمي. فعمليا، لا يوجد فرق كبير بين 95 و100 دولار؟ أعتقد أنها تفرقة نفسية فحسب. لقد وصل السعر بالفعل إلى ما فوق التسعين دولارا، دون أن يؤثر ذلك على الاقتصاد العالمي.

والآن فلنتحدث عن السعر .. هناك نظريتان تبرران ذلك الارتفاع فهناك من يقول بأن الارتفاع ناتج عن شعور السوق أن التزويد بالخام أو بمشتقاته ليس كافيا لكن في المقابل يؤكد المنتجون أنهم يزودون بالنفط كل من يطلب. فالمشكلة ليست إذا في أن المعروض من البترول لا يكفي الطلب العالمي ولنلاحظ انه بالنسبة لمنظمة الأوبك، فان الولايات المتحدة تضغط على أعضائها حتى يزيدوا من إنتاجهم، في حين أن معدلات استخدامات طاقة التكرير في أميركا ذاتها انخفضت إلى 86% فقط، وفقا لأحدث أرقام، في مقابل الطاقة القصوى وهي 95% والتي بلغتها من عامين أو ثلاثة. في نفس الإطار، هناك أيضا من يقول بأن الاضطرابات الجيوسياسية هي الدافع وراء ارتفاع الأسعار، ولكن دعونا نعترف أن الاضطرابات الجيوسياسية كانت دائما موجودة بشكل أو بآخر.

أما النظرية الثانية، فتقول إن سعر النفط أصبح يتحدد خارج السوق الطبيعية له، أي خارج آليات العرض والطلب، بل يتحدد في سوق المال العالمية، حيث المضاربة على المشتقات والخيارات والأسعار في المستقبل وما يحدث الآن هو أن مجموعة كبيرة من المستثمرين في الأسواق المالية أصبحت تفضل الاستثمار في سوق النفط المستقبلية، لأنها تحقق أرباحا عالية فإذا كانت هناك أخبار عن اضطراب سياسي في هذه البقعة أو تلك، أدرك المستثمرون أن هناك شحة ستحدث في المستقبل، حتى لو لم تكن الأحداث مؤثرة فعلا على الإنتاج العالمي، وذلك يرفع السعر الحالي في أسواق المال فيحققون بذلك أرباحا طائلة ولا أحد يعلم حتى متى تستمر هذه الفورة.

* ولكن ما هو رأيك أنت؟

ـ اعتقد اننى عبرت عنه من خلال عرض التفسيرين السابقين.

* البعض يتحدث الآن عن إعادة توزيع الثروة، نتيجة ارتفاع أسعار البترول فهي تنتقل من الدول الغنية تقليديا، في العالم الغربي إلى الدول المنتجة للنفط. فهل توافق على هذا الرأي؟

ـ بالطبع تلك الظاهرة صحيحة. وأستطيع أن أراها كلما زرت واحدة أو أخرى من دول الخليج. الانتقال في الثروة واقع، وأراه في تلك المشروعات الكبيرة للإنشاء والتعمير في دول الخليج. ولكن الإفادة منه تختلف من دولة إلى أخرى. دولة مثل السعودية عدد سكانها كبير، وتملك حكومة قادرة على رسم السياسات التنموية، وتطبيقها وضخ الاستثمارات اللازمة، في مقابل دولة أخرى صغيرة، مثل الكويت، تعاني من ضعف الحكومة. ان كيفية إدارة الأموال وإعادة توزيعها على الشعب بطريقة عادلة عملية غير سهلة بالمرة.

* ولكن هل يعجل ارتفاع سعر البترول بإيجاد بدائل له؟

ـ حتى يؤدي الارتفاع في السعر إلى الاستثمار في البدائل، ينبغي أن يكون المستثمر مقتنعا بأن هذا السعر دائم أو حتى ينزل ولو عند 80 دولارا، شريطة أن يستقر عند هذا المستوى، ليصبح مغريا للمستثمرين. لكن المشكلة أن هؤلاء قلقون، ولهم كل الحق. لأنه من الوارد في أي لحظة أن يحدث انكماش في الاقتصاد العالمي وينخفض السعر. ثم ان جماعة المستثمرين في السوق المالي، لو فقدت شهيتها للاستثمار في صكوك البترول، وهذا ممكن أن يحدث في أي لحظة غير متوقعة، سيترتب على ذلك أن يأخذوا أموالهم ويستثمروها في أي قطاع آخر، فينتج عن ذلك انهيار السعر.

* ولكن مع ذلك، فهناك رواج حاليا لفكرة الوقود الحيوي وتخصص له الكثير من الشركات العالمية قدرا لا بأس به من الاستثمارات..؟

ـ مع الأسف هذا صحيح. ولكن لننظر نظرة متعمقة في مدى عقلانية ذلك الخيار. في البرازيل، حيث الأراضي الزراعية خصبة ووفيرة، قد يكون مقبولا أن نحول قصب السكر إلى وقود (ايثانول). ولكن ما الحكمة في أن تفعل ذلك الولايات المتحدة، حيث توجه محاصيل القمح والذرة إلى تصنيع الوقود، دافعة أسعار الغذاء العالمية إلى الصعود بشكل غير مسبوق. وفي آسيا، حيث كانوا يستخدمون زيت النخيل في الطعام كمكون أساسي، كيف زج به في صناعة الوقود؟ خاصة أن اقتصاديات المسألة عبثية. تعلمين أن الطاقة لا تستحدث من العدم، وإنما تتحول من شكل إلى آخر فمن أجل الحصول على وحدة واحدة من الطاقة، نحتاج 0.8 من الطاقة الحيوية. في حين أنه في حالة النفط فان وحدة واحدة من النفط تنتج حوالي 3000 وحدة طاقة فما هو الوقود الأكثر كفاءة إذا؟

* ولكن النفط ملوث للبيئة.. ألا يعتبر ذلك في حد ذاته تكلفة باهظة؟

ـ الحكاية ليست بتلك البساطة. فمن ناحية، فالوقود الحيوي أيضا له آثار بيئية سلبية فهو يخلق مشاكل في المياه حيث لإنتاج طن واحد من الحبوب، نحتاج إلى 100 طن من المياه. أليس ذلك إهدارا؟ وبالمقابل، هناك في الغرب ترويج لوهم أن النفط سيء للبيئة. إذا، لماذا تلجأ الدول الصناعية الكبرى الان لبديل للنفط؟ إنها تهرع الى الفحم، الذي زادت معدلات استهلاكه كثيرا، في الولايات المتحدة والصين. أوليس الفحم أكثر تلويثا من النفط ؟ المشكلة في رأيي أن النفط موجود في دول لا تعجبهم مع أن التجربة أثبتت أن تلك الدول لديها أنظمة مستقرة منذ آجال طويلة وتلتزم بتعاقداتها وبتأمين الامتدادات. السعودية مستقرة منذ مائة عام، والجزائر منذ الاستقلال، وحتى العراق كان مستقرا إلى أن جاءت إليه الولايات المتحدة.

* وهل ترى في الطاقة النووية بديلا ممكنا للنفط؟

ـ الطاقة النووية تنتج كهرباء، أي أنها قد تحل محل الفحم والغاز ولكنها لا تؤثر كثيرا على استخدام النفط في حين أن قطاع النقل والمواصلات هو المعضلة الرئيسية لأي بديل للنفط. وهناك دائما مقولة أحب أن أرددها: «العصر الحجري لم ينته بنضوب الحجارة». كذلك عصر النفط لن ينتهي بنضوبه داخل بطن الأرض، ولكن سينتهي إذا تمكن أحدهم من اختراع سيارة اقتصادية لا تحتاج للنفط.

* وفي مصر، مسقط رأسكم، كيف ترون عصر النفط؟

ـ بالنظر إلى المستقبل، الاستهلاك يزيد بمعدل أكبر من زيادة الإنتاج. صحيح إن الأسعار العالمية المرتفعة الآن تفيد مصر كبلد مصدر. لكن بعد بضع سنوات عندما تتحول إلى دولة مستوردة ستصبح مضارة. ويجب التفكير في تلك الأيام منذ الآن. العلاج لأي مستورد هو ترشيد الاستهلاك. والسؤال، هل يجري اتخاذ إجراءات للحد من الاستهلاك أو رفع كفاءة استخدام الطاقة؟ أخشى القول بأنه من متابعة الإجراءات التي اتخذت في العام الماضي، نجد أنها كلها انحصرت في علاج السياسة السعرية بينما السياسة السعرية دائما لها حدود.

* هل لك أن تشرح لنا أكثر تلك النقطة؟

ـ الحكومة المصرية استطاعت من ناحية رفع بعض أسعار تصدير الغاز الطبيعي لبعض الدول الأوروبية، وهذا نسبيا جيد، وتم فرض ضريبة التصدير على صناعات الأسمنت والحديد، وهي صناعات كثيفة في استخدام الطاقة، كما أن هناك مشروعات لمد الغاز الطبيعي إلى الصعيد، وإعادة تسعير الطاقة الموجهة إلى المصانع. كل تلك إصلاحات في الاتجاه السليم، لكن المشكلة في المدى الذي تستطيع أن تذهب إليه حتى تصبح مثمرة. فمثلا، ضريبة التصدير، إلى أي مدى تحقق الهدف منها؟ وهل هي أفضل طريقة لاستعادة الدعم الذي تأخذه الشركات على الطاقة؟ في رأيي فان ضريبة التصدير ليست هي الحل الأمثل لأن الهدف من دعم الطاقة هو مساعدة المستهلك المحلي، أي أن يحصل على السلعة بسعر منخفض وفي نفس الوقت يأخذ المنتج حقه. لذلك على الحكومة المصرية أن تراقب الكميات المصدرة من كل مصنع وتفرض عليه سداد ثمن الغاز الطبيعي الذي يستخدمه وفقا لسعره العالمي.

* وكيف إذا تقيمون خطوة الرفع التدريجي لأسعار الطاقة للمصانع على ثلاث سنوات، بحيث تعادل تكلفة تلك الطاقة فى نهاية المدة؟

ـ من حيث المبدأ هذا سليم، لكني أرى أن يحاسب المصنع على أساس السعر العالمي في حالة التصدير، لأن ذلك أكثر عدالة. فهذا هو السعر الذي أضاعته الدولة على نفسها عندما أعطت الغاز للمصنع بدلا من أن تصدره وتستفيد هي بذلك العائد؟ فلماذا تعطيه للمصنع ليستفيد هو من تصديره؟ كما أن المصنع لو رشد استخدام الطاقة، سوف يدفع أقل من مصنع آخر لا يرشد في استخدامها وباختصار تلك هي الطريقة الكفؤ.