لا تحتفظوا بالنقدية

سعود الأحمد

TT

لا شك في أن الاستغلال الأمثل لرأس المال المستثمر يظل هاجس كل مستثمر. والواضح من التقارير الشهرية التي تصدرها مؤسسة النقد العربي السعودي خلال الأشهر الماضية أن حجم السيولة النقدية في نمو مطرد، وأن معدل هذا النمو في تزايد. هذا النمو يتوقع له أن يسجل ارقاماً جديدة، إذا استمرت الحكومة في ميلها للإنفاق الداخلي وتبنيها آليات ملموسة دعماً لهذه التوجه.

والذي ينبغي الاشارة إليه أن من الطبيعي لأي اقتصاد أن يمر بدورات انتعاش وانكماش، لكن المهم هنا (وهو موضوع هذه الأسطر) أن هناك من المستثمرين من يقرأ الأحداث بموضوعية وشفافية، ومن ذلك يستطيع بناء توقعاته وقناعاته المستقبلية ويبني عليها قراراته الاستثمارية ويقتنص الفرص بمهارة واحترافية. وعليه أود التأكيد على أن الفرصة اليوم ذهبية لمن يتخلص من النقد ويستبدله بشراء أصول عينية، سواءً في صورة أسهم شركات أو عقارات... المهم أن لا يحتفظ بالنقد وينتظر ليستثمره في المستقبل، فعجلة الزمن لا تتوقف.

والذي أراه أن المحتفظ بالنقد اليوم سيجد ثروته نقصت بعد عام أو عامين، وإن لم يصرف منها شيئاً. لأن مستوى الأسعار محلياً وعالمياً في ارتفاع مستمر.

ومن جانب آخر.. فإن من يقتنص الفرصة ويستطيع أن يستفيد من عروض تخفيض الفائدة على القروض ويشتري بها أصولا أو يبني له عقارات، فالغالب أنه سيستفيد من أمرين. الأول: عروض تخفيض سعر الفائدة الحالية لدى المصارف المحلية والعالمية، التي تعتبر مغرية مقارنة بنسب نمو رأس المال المتوقعة. والأمر الثاني: أن قيمة النقد في المستقبل ستنخفض في ظل استمرار هذا الارتفاع العام للأسعار محلياً وعالمياً، الذي أشرت إليه أعلاه.

ومما يدعم هذه القناعة أن ارتفاع أسعار النفط لتلامس المائة دولار، وتخطيها الحاجز النفسي الذي كان يحدده البعض عند مستوى الخمسين دولاراً، فإن ملخص ما يمكن قوله.. أن دول الأوبك سعت جادة في السنوات الأخيرة لتنظيم نفسها ورسم سياساتها بوضوح وبطريقة احترافية. وقامت ببناء احتياطيات نقدية ونفطية تستطيع معها أن تبيع بالقدر الذي يلبي حاجة السوق الاستهلاكي وحاجتها من النقد. وأنها لم تعد مضطرة لتقديم تنازلات سعرية مؤلمة على أسعار نفطها لشراء حاجاتها الاساسية. وبالتالي فإن أي محاولات من جانب الدول المستهلكة لن تعيد دوران عقارب الساعة إلى الخلف. وتبعاً لذلك ولأنه ما من سلعة أو خدمة إلا ويدخل ضمن تكلفتها النفط (بصورة أو بأخرى) وأن ارتفاع السلع يؤثر في بعضها. وأنه في ظل النظام العالمي التكاملي الجديد، فإن الشركات الصناعية التي تصدر منتجاتها للعالم تتعامل مع بعضها بالتكامل مع الشركات الصناعية بالدول الأخرى. وأن أسعار السلع تؤثر في بعضها مثله مثل نظرية الأواني المستطرقة. فعلى سبيل المثال، لو أردنا شراء طائرات أميركية من شركة بوينغ علينا أن نأخذ بالاعتبار أن شركة بوينغ تستورد محرك الطائرات من مصنع «رولز رويز» البريطاني... ولأن سعر الجنيه الاسترليني قد أرتفع مقابل الدولار، وأن سعر النفط كما نراه، فلا بد أن ترتفع أسعار طائرات البوينغ الأميركية. ومن ذلك ترتفع تكاليف الشحن الجوي وتذاكر السفر.

وختاماً.. يعتقد البعض أن القرار الاستثماري أمر سهل، لكنه في الحقيقة يحتاج إلى قوة لا تتوفر لدى الجميع. ولعلي أشبه متخذ القرار بالرياضي الذي يقفز من منصة عالية إلى عمق الماء. وعندما يراه البعض من بعيد يعتقدون أن الأمر غاية في السهولة، من منطلق أن الماء ليس مادة صلبة والمتوقع أن من يقفز إليه لن يصاب بأذى. لكنها الحقيقة أن الواحد منا إذا حاول القيام بنفس العمل ووقف على منصة القفز وأراد التقدم للقفز ونظر من أعلى المنصة إلى عمق الماء؛ فالغالب أنه يتراجع!!

* كاتب ومحلل مالي