تقرير: النقل الجوي في المنطقة العربية يعيد تشكيل نظام الطيران الدولي

يسجل أسرع معدلات نمو في العالم..واستثمارات القطاع الخاص أعطته دفعة كبيرة

سجلت المنطقة العربية عام 2006 أسرع نمو في العالم من حيث عدد الركاب عندما بلغ معدل النمو 15.4% وكذلك من حيث الشحن الذي سجل معدل نمو بنسبة 16.1% («الشرق الأوسط»)
TT

قال تقرير لمركز ابحاث حول التطلعات المستقبلية لقطاع الطيران في منطقة الشرق الأوسط، إن شركات الطيران والمطارات في المنطقة تمتلك فرصاً كبيرة للنمو بمعدلات لم تكن متصورة من قبل. وذكر تقرير صادر عن مركز «ايجا باسيفيك افييشن» حول التطلعات المستقبلية لقطاع الطيران في منطقة الشرق الأوسط، انه لم يعد من الممكن تجاهل هذه المنطقة بعد الآن والتي قد تؤدي إلى إعادة تشكيل نظام الطيران العالمي.

وتوقعت منظمة الاياتا العالمية أن يحقق قطاع الطيران في المنطقة العربية نمواً سنوياً يقارب السبعة في المائة على مدى العقد الحالي أي أنه سينمو بمعدل مرتين كل عشر سنوات، الأمر الذي يجعله من بين أهم الأسواق التي لا يمكن لبقية العالم أن يتجاهلها. وسجلت المنطقة في عام 2006 أسرع نمو في العالم من حيث عدد الركاب عندما بلغ معدل النمو 15.4% وكذلك من حيث الشحن الذي سجل معدل نمو بنسبة 16.1%، وقال التقرير ان هذا النمو السريع في شركات الطيران العربية وفي مطارات المنطقة يسهم في تغيير قطاع الطيران العالمي. وعليه، فقد أصبح من الضرورة بمكان أن يستوعب كافة المعنيين بهذا القطاع التطور الاستراتيجي لهذا السوق والعوامل التي تدفع نموه.

ويشارك مركز «ايجا باسيفيك افييشن» مع مؤسسة تيرابين في عقد مؤتمر الشرق الأوسط الأول لمستقبل قطاع الطيران الذي ستستضيفه أبوظبي يومي 27 و28 فبراير (شباط) المقبل بمشاركة اكثر من 250 من قادة صناعة الطيران في المنطقة والعالم. ولفت التقرير الى أن هناك تبايناً كبيراً بين السياسات المحافظة نسبياً التي تنتهجها هيئات الطيران ذات الباع الطويل في هذا المجال وبعض شركات وهيئات الطيران الخليجية الأجدد والتي تشهد توسعاً سريعاً. ولكن هذه الاختلافات تتضاءل وتتلاشى بسرعة مع تسارع وتيرة تحرير السياسات الاقتصادية والتخصيص.

وفي الوقت ذاته، استطاعت بعض البلدان والمدن، وتحديداً دبي، أن تؤسس لنفسها موقعاً أكبر كمركز محوري عالمي بينما تسعى بلدان ومدن أخرى، مثل قطر وأبوظبي، للعب دور مماثل.

فبينما يؤكد البعض أن نمو وتوسع المطارات وشركات الطيران في منطقة الخليج سيؤدي إلى سعة إضافية كبيرة إلا أن هذا يغفل حقيقة هامة وهي أن أساسيات هذا القطاع تتغير على نحو سريع.

وذكر التقرير ان سياسات تحرير قطاع الطيران التي طبقت في السنوات الخمس الأخيرة أسهمت في تعزيز قيمة الموقع الجغرافي المميز لمنطقة الخليج والذي يعتبر موقعاً «مثالياً تقريباً». فمع التطورات السريعة في مجال الطيران أصبحت المنطقة العربية فعلياً في وسط العالم حيث يمكن الوصول إلى أي بلد في العالم شرقاً أو غرباً أو شمالاً أو جنوباً بدون توقف. وهذا سمح للموانئ الجوية العربية أن تصبح مراكز محورية هامة كما سمح بتشغيل طائرات للرحلات الطويلة الأمر الذي أتاح خدمات طيران بدون توقف من وإلى أي موقع في العالم تقريباً.

وكل هذه العوامل مجتمعة من شأنها، وفقا للتقرير، أن تساعد كبرى شركات الطيران والمطارات في المنطقة لكي تكون في مقدمة تطورات «طيران الجيل التالي». وفي ظل هذه البيئة الفريدة، بات من الممكن بلوغ معدلات نمو كانت مستحيلة في السابق.

وبحسب مجلس المطارات الدولي، هناك خمسة مطارات كبرى مهيمنة في المنطقة العربية والتي تستقبل أكثر من 10 ملايين راكب، إذ يعتبر مطار دبي المطار الأهم حيث استقبل 28.8 مليون راكب في عام 2006 أو 22% من مجموع الركاب للمنطقة كلها. وذكر التقرير ان شركات الطيران النظامية استطاعت أن تعزز معدل نمو سعتها من وإلى المنطقة العربية وداخلها بنسبة 12.2% من عام إلى آخر في عام 2006 لتصل إلى 142.3 مليون مقعد بالمقارنة مع معدلات النمو العالمية التي لم تتجاوز 3.4% في نفس الفترة. ومع هذا فقد بلغ معدل النمو العالمي أرقاماً قياسية سجلت إشغال 3.3 مليار مقعد في عام 2006.

ويبلغ حجم سوق السفر الداخلي بين دول المنطقة ثلاثة أرباع حجم سوق السفر من وإلى المنطقة العربية. وهذه الأرقام متواضعة إذا ما قورنت بأرقام سوق السفر الداخلي بين بلدان قارة آسيا الذي يفوق سوق السفر من وإلى القارة الآسيوية بست مرات. واشار التقرير الى ان السياسة قد تلعب دوراً إيجابياً في المستقبل القريب مع تطور وتحسين العلاقات بين الدول العربية وتشجيع أبنائها على التواصل وبالتالي نمو معدلات السياحة البينية للتتماشى مع معدلات القارة الآسيوية.

ولفت التقرير الى ان البيانات المالية المفصلة لا تتوفر بسهولة في المنطقة العربية وهذا يبرهن على هيمنة الحكومات على قطاع الطيران في المنطقة. فوفقاً لمنظمة شركات الطيران العربية، أظهرت البيانات المالية لعشرة (من بين 23) من شركات الطيران الأعضاء في المنظمة خسارة في المجال التشغيلي قدرها 94 مليون دولار أميركي في عام 2005، وذلك بالرغم من ارتفاع الإيرادات 18.2% إلى 5 مليارات دولار أميركي. وأصدرت الاياتا الشهر الماضي تقريراً جديداً حول المستقبل المالي للقطاع والذي يتوقع أرباحاً عالمية قدرها 5.6 مليار دولار أميركي في عام 2007 مع انخفاض هذه الأرباح إلى 5 مليارات دولار في عام 2008.

وحذر جيوفاني بيسيجناني رئيس المنظمة من ان «التحديات ستصبح أصعب في عام 2008 اذ ان البيئة الاقتصادية المؤاتية والإجراءات الفعالة لتعزيز الكفاءة ساعدت على تعويض تأثيرات أسعار الوقود المرتفعة وأسهمت في تحسين الربحية في عام 2007. ولكن، ومع انكماش معدلات الائتمان، ستتغير هذه البيئة».

وسجلت اسعار النفط الاربعاء مستوى قياسيا تاريخيا حينما وصل سعر البرميل الى 100 دولار مما يجعل الوصول الى مستويات فوق ذلك اكثر ترجيحا هذا العام وما يمثله ذلك من تحديات اضافية على اسعار الوقود بالنسبة لشركات الطيران. ويواصل الاقتصاد الكلي للمنطقة العربية نموه القوي علماً أن الناتج المحلي الكلي للمنطقة ينمو بمعدل يتراوح ما بين 5 و6 في المائة سنوياً مدعوماً في المقام الأول بأسعار النفط المرتفعة. ونتيجة لذلك، يتوقع التقرير أن تبقى معدلات الربحية لدى شركات الطيران العربية ثابتة عند حوالي 200 مليون دولار أميركي تدعمها المبادرات الطموحة لتوسعة خطوط الطيران. وفي ظل هذه الظروف الملائمة، شرعت استثمارات القطاع الخاص بالدخول إلى قطاع شركات الطيران العربية علماً أن النشاطات الأخيرة تركزت تحديداً على قطاع شركات الطيران الاقتصادي، بما في ذلك شركة طيران الجزيرة وسما وناس والعربية.

من السمات المميزة للمنطقة العربية ـ كما اشار التقرير ـ توزيعها السكاني الذي يضم شريحة كبرى من الشباب، إذ أن عمر أكثر من نصف سكان المنطقة لا يتعدى الخمسة وعشرين عاماً. وهذا الواقع لن يؤثر على السياسات في قطاعي الطيران والسياحة فحسب، بل سيوفر أيضاً جزءاً كبيراً من السوق المستقبلي مع إسهام سياسات التحرر في فتح الأسواق المحلية أمام الطيران الداخلي.

ولفت التقرير ايضا الى ان قطاع الطيران الداخلي في المنطقة العربية يخضع لقدر هائل من التنظيم مع أن بعض الحكومات قد تبنت سياسات تحررية مؤخراً بغرض تشجيع الخدمات الجوية وتحفيز نمو حركة السفر.

وتعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين ولبنان والكويت وقطر في مقدمة الركب على الصعيد الإقليمي، إذ تطبق هذه البلدان سياسات «السماء المفتوحة». وقد لعبت هذه السياسات، في أغلب الأحيان، دوراً هاماً في تطوير القطاع السياحي في هذه الدول كما أسهمت أيضاً في تمكين شركات الطيران الوطنية لتلك البلدان من الدخول إلى أسواق عالمية عديدة.

ومن جهة ثانية، تستفيد شركات الطيران العربية من موقعها الجغرافي الطبيعي المميز في مجال قطاع السفر الطويل الهام. فأحدث التقنيات المستخدمة في الطائرات ذات المدى الطويل (التي يصل مداها إلى 18000 ميل) وكذلك الموقع المحوري الذي تحتله المنطقة والذي يقع على مفترق الطرق بين كبرى المراكز السكانية في العالم، يعني، وفقا للتقرير، أن المنطقة العربية تشكل نقطة الانطلاق الأسرع إلى أي مكان في العالم تقريباً.

ومن ناحية أخرى، تستثمر عشرة مطارات من كبرى مطارات المنطقة العربية 36.8 مليار دولار في إضافة قدرات استيعابية جديدة إلى منشآتها بحلول عام 2012 والتي ستتيح سعة لـ 318 مليون راكب إضافي سنوياً، أي بزيادة قدرها 292% عن المعدلات الحالية، وهذا سيرفع إجمالي معدلات السعة في هذه المطارات إلى 400 مليون تقريباً.

وقال التقرير ان هذه الزيادة المدهشة في السعة والتي تتزامن في أغلب الأحيان مع تطور سريع في أساطيل شركات الطيران الوطنية، ستغير شكل وطبيعة المنافسة في قطاع الطيران بينما ستتيح لمطوري المطارات وموردي المعدات فرصاً هائلة للتوسع لم يشهد لها مثيل من قبل.

كل هذه المعطيات والعوامل تشير إلى أن المنطقة العربية ستكون المنطقة الأسرع نمواً لحركة السفر العالمي من حيث أعداد المسافرين بين عامي 2006 و2010 إذ يتوقع أن تسجل متوسط نمو سنوي يبلغ 6.9%، أي أعلى بكثير من متوسط المعدل العالمي البالغ 4.8%، بحسب توقعات الاياتا. وقال التقرير انه من الصعب التنبؤ بمعدلات نمو حركة الطيران في الأسواق الأكبر حجما، مثل المملكة العربية السعودية، نظراً للبيئة الجديدة التي تنشأ عن انتقال هذه الأسواق من السياسات المحافظة إلى سياسات أكثر تحرراً ودخول لاعبين جدد إلى هذه الأسواق. ولكن النتيجة المحتملة هي أن تكون حركة الطيران أعلى من المعدلات المتوقعة. ومن العوامل الهامة أيضاً بالنسبة للمطارات والهيئات السياحية والاقتصادات عموماً المزيج المختلف من الركاب بين الرحلات القصيرة والطويلة (خاصة لدى شركات الطيران الاقتصادي). ارتفعت السعة لدى شركات الطيران الاقتصادي في المنطقة العربية 102% في عام 2006 لتصل إلى 3.9 مليون مقعد أو 2.7% من المعدل الكلي للمنطقة، وهذا اتجاه يتوقع له أن يستمر وأن يتصاعد على الأرجح أيضاً.

وتقود العربية للطيران هذا الاتجاه إذ أنه استناداً إلى طلبيات الطائرات المسجلة وحدها (باستثناء خيارات الشراء)، فإنه يتوقع أن تقوم شركات الطيران الاقتصادي الأربع الحالية في المنطقة العربية بزيادة سعة مقاعدها بنسبة مذهلة تصل إلى الأربعة أضعاف بحلول 2012. وشركات الطيران الاقتصادي ليست وحدها التي تسعى لتوسعة أساطيلها لا سيما أن المنطقة العربية باتت تحتضن قطاع الطيران الأسرع نمواً في العالم.

فخلال معرض دبي للطيران في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي طلبت شركات طيران خليجية 416 طائرة بين طلبيات مؤكدة وخيارات وصلت قيمتها الاجمالية اكثر من 79 مليار دولار. واضخم الاساطيل هو اسطول شركة طيران الامارات التي تملكها حكومة دبي حيث وصل إجمالي طلبياتها الى الآن إلى 246 طائرة تزيد قيمتها عن 60 مليار دولار أميركي.