العراق: الإنتاج الزراعي والحيواني في خطر

مربو دواجن: التهريب قضى على نصف الثروة الحيوانية.. وموسم الجفاف يهدد بتدميرها

TT

(عراق الأزمات والمصائب)، هكذا بدأ احد مربي الدواجن في العراق حديثه، وقال «ما أن تنقضي أزمة وتنفرج مصيبة حتى يبدأ غيرها بالظهور، وأكثرها تأثيرا هي تلك المتعلقة بمعيشة العراقيين، وبعد سلسلة من الأزمات الاقتصادية التي بدأت بشل قطاعاته الاقتصادية وتدميرها اثر الحرب الأخيرة».

وأشار الى تراجع معدلات إنتاج العراق الزراعي والصناعي والحيواني، ثم تعاقبت سلسلة من الأزمات، مثل تفشي مرض إنفلونزا الطيور وشح الوقود والطاقة والمياه والدعم الحكومي، لتجهز هي الأخرى على نسبة كبيرة من الثروة الزراعية والحيوانية، مبينا ان هذا البلد يشهد اليوم مأساة جديدة، تمثلت بشح أمطاره لهذا الموسم، لتشكل وحدها انعطافة كبيرة في مستقبل ثروته بشكل خاص واقتصاده بشكل عام.

وأفاد المربي، قبل حلول شتاء هذا العام بفترة قصيرة، كان هناك اجتماع مشترك بين وزيري الزراعة والموارد المائية، وكان شح أمطار العراق لهذا الموسم من بين مواضيع النقاش، واكتفى وزير الزراعة بحث أصحاب المواشي على خزن كميات جيدة من الأعلاف لتلافي الشح، غير أن مواضيع أخرى أكثر سخونة كانت أهم من هذه التحذيرات التي وصفها احد المربين بـ(الباردة) نوعا ما، لان الجهات المعنية لم تركز على هذا الموضوع من خلال وسائل الإعلام بشكل يجعل المعنيين يحتاطون للأمر بشكل أكثر جدية.

وقال عبد الوهاب سيفان، 45 سنة، الذي اضطر أخيرا لبيع أربعة من أبقاره والاكتفاء بواحدة فقط، لأنه لم يتمكن من تأمين الأعلاف الكافية لمواشيه، التي كانت مصدر دخله الوحيد.

وأضاف سيفان انه لم يشهد شتاء شحيحا بالأمطار كهذا العام، والأمطار تعد أهم مصدر لإدامة المراعي العراقية بشكل عام، والأكثر من ذلك كان بعض دول الجوار، خاصة الخليجية تعتمد في تأمين الأعلاف على العراق، وكانت حركة التصدير جيدة خلال موسم الشتاء، وهي تعود بالفائدة على المزارعين الذين بدأوا باستيراد معدات وآليات لكبس الأعلاف وتجهيز المتعاملين مع دول الخليج، أما الآن فما موجود لا يسد نصف الاحتياجات.

من جهته اوضح لـ«الشرق الاوسط»، احمد خلف، الذي يملك قطيعا كبيرا من المواشي، أن اغلب مربي المواشي يأملون في تعدل المناخ خلال الأشهر الثلاثة المتبقية من الشتاء العراقي، وكإجراء وقتي اضطر البعض إلى بيع نسبة من مواشيه، فيما اجبر آخرون على أسلوب تضمين الأرض المزروعة من الفلاحين، أي استئجار أراضي مزروعة بمحاصيل البرسيم، وقريبا سيأتي موسم زراعة الحنطة والشعير. وتابع خلف بالقول: هذا بالتأكيد سيؤثر على إنتاج هذه المحاصيل، وأيضا على أسعارها وأسعار المنتجات الحيوانية التي بدأت بالارتفاع هي الأخرى، بعكس أسعار المواشي التي بدأت أخيرا بالانخفاض نتيجة ارتفاع العرض مقابل الطلب، لكن أسعارها في الأسواق العراقية اقتربت كثيرا من أسعارها في دول الجوار، وهذا ما قلل من نسب تهريبها بسبب تراجع أعدادها في الآونة الأخيرة، بسبب قلة الدعم الحكومي وانحسار مساحات الرعي، مشيرا إلى أن المهربين في السابق كانوا يستغلون وفرة منتجنا لتهريبه لدول الجوار، وعلى اعتبار أن أسعارها في الداخل اقل بكثير من تلك الدول، أما الآن فالعملية أصبحت عكسية، فالتجارة تتجه للداخل. وحسب احد تقارير وزارة الزراعة العراقية، هناك تراجع مستمر في واقع الثروة الحيوانية في العراق، التي شهدت تدهوراً مستمراً خلال المرحلة السابقة، فانخفض عدد الأغنام، خلال العقود الثلاثة الماضية بمعدل 30% والماعز 60% والأبقار 50% أما الإنتاج فتراجع أيضا وبمعدلات ضخمة جدا، حيث كان إنتاج اللحوم عام 1979 أكثر من 135 ألف طن سنويا، وفي عام 2002 بلغ 655 ألف طن وبعد الأحداث تراجع بنسب اكبر من اللحوم الحمراء، حيث ان هذا الانخفاض في اغلبه يعود إلى قلة المراعي وشحة الأعلاف في الشتاء، وذبح عدد كبير من الإناث، إضافة لانتشار الأمراض التي أدت إلى هلاك عدد كبير من الحيوانات، فضلاً عن الإجراءات التي قامت بها الدولة في تصفية القطاع العام في الزراعة.

كما انخفض أيضا إنتاج البيض والأسماك بسبب تجفيف المسطحات المائية بالنسبة للأهوار في جنوب العراق، وانخفاض مناسيب المياه إضافة إلى تلوث المياه والممارسات الخاطئة التي يستخدمها بعض الصيادين كالسموم والمتفجرات، التي تقتل أعدادا كبيرة من الأسماك، وأيضا عدم التزام الصيادين بمنع الصيد خلال موسم التكاثر، وهناك عوامل أخرى، مثل عدم توفر الأعلاف والأدوية وضعف في المتابعة وعدم كفاءة الإدارة بالنسبة لمشاريع الدولة. احد خبراء كلية الزراعة بجامعة بغداد أوضح أن الثروة الحيوانية في العراق تعاني من عدم وجود مراعي نظامية، التي تحد من الزيادة في حجم الثروة الحيوانية، خصوصا بالنسبة للأغنام والماعز، قلة مياه الشرب في المناطق الرعوية، والرقعة الزراعية المخصصة للمحاصيل العلفية، كانت متذبذبة من سنة لأخرى، بسبب عدم استخدام هذه المحاصيل ضمن الدورة الزراعية، بحيث يكون إجمالي المنتج منها متناسب مع احتياجات الثروة الحيوانية.

وقال الخبير، الذي رفض الافصاح عن اسمه، من الأمور التي تعاني منها الثروة الحيوانية، سوء الإدارة وضعف الخدمات الصحية والإدارية المقدمة، وانتشار الأمراض ونقص في كمية الأدوية واللقاحات، التي أدت إلى انخفاض كبير في أعداد الحيوانات، إذ لوحظ في الآونة الأخيرة حصول فساد كبير، خصوصاً بالنسبة للدواجن بسبب انتشار الأمراض، وعدم وجود مراكز بحثية متخصصة: لمسايرة التقدم الحاصل في مجال الثروة الحيوانية.

وشدد الخبير على أهمية دخول الاستثمار الخارجي والمحلي لهذا القطاع لانتشاله من الإهمال والتخلف الذي أصابه في المرحلة السابقة، أما المرحلة اللاحقة فلا بد للدولة وبمشاركة القطاع الخاص من القيام باستصلاح الأراضي وشق الأنهار والتوسع في التصنيع الزراعي، إضافة إلى الاهتمام بإدارة المياه وإنشاء نظام للتسليف الزراعي وتمويل المشروعات الريفية الصغيرة، وزيادة اهتمام الخطط والبرامج الحكومية بقطاع الثروة الحيوانية، باعتباره احد القطاعات الإنتاجية الرئيسة في العراق، ودوره في تحقيق الأمن الغذائي، وتوفير فرص عمل دائمة، وتأمين دخل لأكثر من 7 ملايين نسمة من سكان الأرياف، مبينا بالقول غير أن الحصار الاقتصادي على العراق والحرب الأخيرة تسببا في تناقص الخدمات الفنية والإرشادية الحكومية تجاه الثروة الحيوانية، مما انعكس سلباً على المربين، وعلى مدى توافر المنتجات الحيوانية وسلامتها.  الدكتور البيطري جمال الزبيدي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن واقع الثروة الحيوانية في العراق انهار بنسب كبيرة منذ تسعينات القرن الماضي، وشهد تدني نسب الإنتاج، الامر الذي انعكس سلبا على تلبية الاستهلاك الداخلي، وهذا يعني تنامي الطلب على الاستيراد بشكل لافت للنظر.

وبعد أحداث عام 2003 كانت نسب هذا الإنتاج وبحسب الزبيدي متفاوتة، لكنها كيفت نفسها مع الواقع الاقتصادي الجديد واستطاعت تخطي جزء كبير من العقبات والنهوض بواقع الإنتاج، خاصة في مجال اللحوم البيضاء وبيض المائدة، لكن دخول مرض انفلونزا الطيور للبلد عاد بقطاع الدواجن إلى نقطة الصفر تقريبا، بسبب سوء التخطيط وتخوف المواطن، الأمر الآخر هو أن المستورد من هذه المنتجات اقل سعرا في ما لو تم إنتاجه محليا. واوضح الزبيدي ان هذا الامر شجع على الاستيراد وقلل الإنتاج المحلي، ورغم وجود مساع من قبل الجهات المعنية لدعم المحلي، إلا أنها ما زالت دون الطموح، مشيرا إلى أن القطاع الخاص العراقي بدأ ينافس القطاع الحكومي.