الصندوق السيادي إذاً لم يؤخر البرامج التنموية

ســـعود الأحمد *

TT

تحدثت فيما سبق عن الصندوق السيادي الذي تنوي السعودية تكوينه. مكتفياً باستعراض الإيجابيات والسلبيات ودون إبداء رأي قاطع عن جدوى إنشائه. ومنذ ذلك اليوم أطلعت على العديد من الحقائق التي منها يمكن إبداء رأي حول قرار إنشاء الصندوق السيادي السعودي. فالصندوق السيادي يعني تكوين احتياطيات نقدية تستثمر في الأسواق المالية العالمية. أي أنها تصل (في النهاية) إلى المستثمرين في دول أجنبية. ومن المتعارف عليه (مالياً واقتصادياً) أن المقترض يوازن بين تكلفة القرض أو ما يعرف بتكلفة رأس المال المستثمر وبين عائد الاستثمار. ولو لم يحقق ذلك المستثمر هامش ربح أعلى من تكلفة القرض، لما أقترض!. وبالنظر إلى المجال الاستثماري السعودي الرحب. الذي وإن كانت تشوبه بعض العوائق، فالأمر يحتاج فقط إلى إرادة إدارية وتنظيمية قوية للتغلب عليها. وبهذا الصدد، لعلنا نتذكر قبل بضعة أعوام يوم كانت أسعار النفط في أسوء حالاتها، كيف كنا نعقد المؤتمرات والندوات لنعرف المستثمرين الأجانب بالفرص الاستثمارية السانحة ونحفزهم للاستثمار عندنا، مع كسر لبعض القيود وتقديم لبعض التسهيلات غير المألوفة... فكيف نقبل اليوم بعد أن توفر لنا المال أن نفرط في فرصة بناء بلادنا، لنقرضه على الأجانب يبنون به بلدانهم!.

علينا أن نتذكر أن الطريق الدائر الغربي للعاصمة الرياض لم يكتمل بعد. وأبناء الرياض يدرسون بمدارس غالبية مبانيها مستأجرة وغير مهيأة للدراسة. ولدينا أحياء سكنية كان من المخطط أن تصلها الخدمات بعام 1413هـجرية، لكنها ما زالت وإلى اليوم على قائمة الانتظار. كما أننا ما زلنا بصدد بناء شبكة سكك حديدية (وبالطبع بالمال يمكن لنا أن نُسرِع الخطى إذا أردنا ذلك!). وبالمناسبة سبق لي أن شبهت الفرصة الضائعة جراء تأخر بناء السكك الحديدية، شبهتها بالخسارة التي يتكبدها شعب لديه شبكة سكك حديدية وتتعطل. كما أنني شبهت تطبيع هذا الأمر برسوب الطالب في المراحل الدراسية الأولية، وهو لا يدرك حجم الخسارة الحقيقي. وأنه يساوي بالفعل الدخل الوظيفي لنفس الفترة. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي كتبت موضوعاً بعنوان «متى ننشئ مصنع سيارات سعوديا؟» على أنها فكرة أشبه ما تكون بحلم، بالاستفادة من مثل هذه الفوائض المالية. ثم أن طبيعة احتياطياتنا النفطية المخزنة في أعماق الأرض، هي في حد ذاتها تعني احتياطيات شبه مالية على اعتبار المقولة بأن النفط هو الذهب الأسود. بل إنه وفي ظل التزايد المضطرد لأسعار النفط، وما يتوقع لها أن تكسره من حواجز نفسية خلال السنوات المقبلة. وبالنظر إلى ما تتحدث عنه بعض الدراسات من احتمالات نضوب المخزون النفطي. ومع وجود عجز فعلي حالي في الامدادات لبعض أنواع من النفط، وفي ظل تزايد الطلب العالمي للنفط وتوقعات استمراره، فإن الرأي بإبقاء النفط كأحتياطي في باطن الأرض أقرب إلى الجدوى الاقتصادية من بيعه بأسعار اليوم، التي يتوقع أن ننظر لها في المستقبل القريب على أنها كانت زهيدة! ... خصوصاً إذا كان الخيار لتوظيف هذه الأموال هو في استثمار مالية أجنبية.

إلا إذا كان الهدف من الصندوق السيادي على أنه مصدر أمان للاقتصاد، آخذين بالاعتبار استحالة التنبؤ بالمتغيرات المستقبلية لأسعار النفط. وأننا في وضع نواجه فيه تزايد متطلبات التنمية الاقتصادية وحاجة لاستكمال البنية التحتية للبلاد مع تزايد في نسب النمو السكاني السعودي. ولأننا ندرك أن في هذه الصناديق تنويع للأصول الاستثمارية للحكومة من حيث أدواتها ومن حيث المواقع الجغرافية التي تستثمر فيها والعملات المستثمر فيها ... مما يقلل المخاطر ويعمل على الاستقرار الاقتصادي والسياسي للبلاد. كما يمكن للصندوق السيادي أن يجعل للمملكة مكانة صانعة على مستوى الأسواق المالية العالمية. فإنه يمكن القول بجدوى الصندوق السيادي في حدود الحاجة لامتصاص فوائض العوائد النفطية. وبالقدر الذي لا يعيق تنفيذ مشاريع الخطط التنموية، ولا يكون له الأولوية عليها.

* محلل مالي سعودي [email protected]