الخليجيون يضخون 9.15 مليار دولار لإنجاز مشاريع صحية.. 71% منها في السعودية

وسط توقعات بإنفاق 60 مليار دولار على الخدمات الصحية بحلول العام 2026

TT

فيما تصدرت اموال الصناديق السيادية الخليجية عناوين الانباء في العالم من خلال سعيها وراء شراء اصول وحصص في شركات اوروبية واميركية عريقة بهدف الاستثمار الرابح، تتوجه بعض هذه الاموال الى داخل دول المنطقة لحقن بعض قطاعاتها الاساسية بمنشطات وابرزها قطاع الخدمات الصحية الذي تسيطر عليه الحكومات بصورة اساسية لحمل العبء الناجم عن تكاليفه الضخمة. وغالبا ما تتعرض المرافق الصحية الكبيرة التي تديرها الحكومات في المنطقة لانتقادات بسبب سوء الخدمات ونقص الاطقم الطبية المؤهلة على الرغم من الميزانيات الضخمة التي تخصصها هذه الحكومات سنويا لادارة وتشغيل المرافق الصحية. ولجأت كثير من دول المنطقة في السنوات الاخيرة الى فرض رسوم متفاوتة على المرضى من العمال الاجانب بهدف تقنين الخدمات الطبية ووقف استغلال البعض لنظام العلاج المجاني او الرمزي وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للجمهور. ويرى خبراء أن القطاعات الطبية المختلفة في دول المنطقة لا تعاني في الاصل من نقص تمويل وإنما من نقص الكفاءات الادارية والفنية المؤهلة. ومع طفرة النمو الاقتصادي الاخيرة في المنطقة، اعلنت معظم دول الخليج عن خطط ضخمة لبناء مشاف ومراكز صحية متطورة وتوسعة المرافق الحالية وفي بعض الاحيان تسليم ادارتها الى مؤسسات غربية عريقة مثلما فعلت ابوظبي مثلا في تسليم إدارة مشفى توام في مدينة العين الى جامعة جونز هوبكنز الاميركية الشهيرة. ويقول خبراء إن دول الخليج تسعى الى تلبية الطلب المتصاعد وغير المسبوق على اسرة المشافي حتى ستتضاعف بحلول العام 2025 بضخ استثمارات في برنامج لبناء المشافي تصل الى حوالي 10 مليارات دولار.

ويتوقع أن يضخ الخليجيون 9.15 مليار دولار في البرنامح الذي لا يشمل الاجهزة والمعدات الطبية، منها 71 في المائة في السعودية، حيث بدأ القطاعان العام والخاص في المملكة ببناء عشرات المشروعات لبناء المشافي والعيادات بقيمة تصل الى 6.5 مليار دولار وفقا لبيانات جمعتها شركة قاعدة البيانات بروليدز.

وتحتل قطر، التي تأتي بعدد اقل بكثير من منشآت الخدمات الطبية التي ستقام مستقبلا، المرتبة الثانية بعد السعودية من ناحية مشاريع المشافي باستثمارات تصل الى 1.5 مليار دولار.

ويوجد في الامارات تسع مشاريع لبناء مستشفيات بقيمة اجمالية تصل الى 596 مليون دولار، فالكويت بأربعة مشاريع بقيمة 428 مليون دولار، ثم البحرين بمشاريع تصل الى 130 مليون دولار. ويدفع هذه المشاريع الارتفاع الاستثنائي للطلب الاقليمي على الخدمات الصحية المتوقعة للعقدين المقبلين. وقدرت «دار ماكنزي الاستشارية» أخيرا اجمالي الانفاق على الخدمات الصحية في الخليج بـ 60 مليار دولار بحلول العام 2026.

وقالت «ماكينزي» في تقريرها: «لا توجد اية منطقة اخرى في العالم تواجه مثل هذا النمو السريع على الطلب»، متوقعة الحاجة الى 162 ألف سرير مشفى فيما سيكون الطلب الاكبر في السعودية والامارات.

ويرافق هذا النمو ايضا طلب على المعدات والاجهزة الطبية المتقدمة. أمام ذلك، قال لـ«الشرق الاوسط» ستيف روسكوفسكي الرئيس التنفيذي لشركة «فيلبس للأجهزة الطبية»، انه يتوقع نموا بمعدل يتراوح بين 20 و25% على مدى الثلاث إلى الخمس سنوات المقبلة في الإمارات والسعودية تحديدا وهما اكبر اقتصادين عربيين. وأوضح «هذا يعكس ارتفاع معدل النمو الذي شهدناه خلال السنوات الأخيرة حيث زاد نمو مبيعاتنا عام 2007 في منطقة الشرق الأوسط بنسبة بلغت 34% مقارنة بعام 2006». ويرى روسكوفسكي ان تطبيقات الطب الإشعاعي وطب القلب سيكونان القطاعين الاكثر نموا بالنسبة لأعمال «فيلبس» في المنطقة، مشيرا الى ان نقص الكوادر الطبية يمثل «مشكلة كبيرة» في منطقة الشرق الأوسط، مضيفا أن «عدد الفرق الطبية لا ينمو بسرعة كافية لتلبية احتياجات العدد المتزايد من المرضى».

ووفقا لأرقام منظمة الصحة العالمية، فقد بلغ نصيب الفرد السنوي من الإنفاق على الرعاية الصحية في دولة الإمارات العربية المتحدة 711 دولارا قبل ثلاث سنوات. وتقول سايمون بيج، مديرة قطاع الخدمات الصحية في شركة «آي آي آر»، ان دول مجلس التعاون الخليجي دأبت على تشجيع المؤسسات الدولية على انشاء مجمعات ومرافق صحية في المنطقة، إلا ان المنطقة تحتاج الى مزيد من مزودي الخدمات نظرا للطلب المستقبلي الهائل على الخدمات الطبية.

وتواجه المنطقة ثلاثة تحديات رئيسية تزيد الطلب بصورة دراماتيكية على الخدمات الطبية تتمثل في النمو السكاني وازدياد معدلات الشيخوخة بين السكان والمخاطر الصحية الفريدة.

وتقول بيج «من المتوقع ان يتضاعف اجمالي التعداد السكاني في منطقة الخليج بحلول العام 2025 مقارنة بالوقت الحالي، اضافة لذلك فإن تحسن الخدمات الصحية يزيد من معدلات المتوسط العمري السكاني ما يعني الحاجة الى توفير خدمات اكثر للسكان الكبار السن».

وزادت «على سبيل المثال يتوقع ارتفاع عدد السكان فوق سن 65 في السعودية سبعة اضعاف خلال السنوات الـ25 المقبلة».

وتعاني المنطقة ايضا من عوامل كبرى ومتزايدة من المخاطر الصحية تصيب المواطنين مع انتشار مرض السكري من النوع الثاني، والبدانة، بمستويات عالية غير طبيعية مقارنة ببقية دول العالم. وحددت منظمة الصحة العالمية نسبة انتشار مرض السكري بحوالي 25% بين مواطني الامارات، وانتشار البدانة بين المواطنين الخليجيين بنسبة 40%، ولا تخفى بالتالي المضاعفات الصحية الهائلة المرتبطة بكلا المرضين التي ستظهر في السنوات المقبلة. وترى فيلبس ان هناك فرصة سانحة مع هذا النمو وتزايد السكان كبار السن. ويعود روسكوفسكي ليشير إلى أنهم يرون بشكل قاطع أن هناك نموا مستقبليا فيما يمكن أن نسميه الرعاية الصحية المنزلية، حيث يمثل كبار السن من السكان تقريبا نحو 15% في العالم المتقدم حاليا مع توقعات بأن يتضاعف هذا الرقم على مدى 25 عاما المقبلة وهو ما يوفر نموا قويا في حجم السوق لحلول الرعاية الصحية المنزلية».

ويضيف أن كبار السن أصبحوا أكثر نشاطا في إدارة صحتهم ورفاهيتهم، وباستشراف آفاق المستقبل فإن كبار السن مستقبلا سيصبحون أكثر تمكنا كما أن مستهلكي الرعاية الصحية المدركين للتقنية يلعبون دورا نشطا في إدارة رعايتهم الصحية. وسيزداد طلبهم وتوقعهم لأن تتم الرعاية التي يقوم بها أطباؤهم في منازلهم وبشكل أسرع.

وتمثل التكلفة والجودة المرتبطتان بكبار السن من السكان قضايا جوهرية وبكل تأكيد سوف تحددان كيفية إدارة الرعاية الصحية مستقبلا. وتقدر الاحصائيات الحالية للقيمة العالمية لسوق الرعاية الصحية المنزلية بحوالي 140 مليار دولار.