الشركات المالية تبدأ عمليا «مهمة» صناعة السوق المالية المتكاملة في السعودية

مؤسسات دولية وبنوك عالمية وشركات استثمارية تمتحن قدراتها في خدمات الوساطة والمشورة والترتيب والإدارة وحفظ الأوراق المالية

شركات الوساطة المالية والاستثمار تساهم في صناعة سوق مالية متكاملة في السعودية وسط مزاحمة مؤسسات وبنوك عالمية («الشرق الأوسط»)
TT

تبدأ الشركات المالية السعودية عمليا هذا العام 2008 مهمة صناعة السوق المالية المتكاملة في السعودية التي تشهد تركيزا من قبل الحكومة لدعم ركائز السوق وخلق صناعة مالية مستوفية كافة الأركان والعناصر. إذ ستكون أكثر من 83 شركة وساطة مالية من بينها مؤسسات مالية عالمية وبنوك دولية شهيرة وشركات مالية عريقة متخصصة في جوانب السوق المالية، على محك تحدي تسلم مهمة المساعدة في صناعة السوق المالية السعودية ـ أكبر سوق مالية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية ـ .

وترغب الغالبية العظمى من الشركات المرخصة بممارسة الأنشطة المالية الخمس المرخصة، وهي: نشاط التعامل، الإدارة، الحفظ، الترتيب والاستشارة، حيث يبلغ عدد الشركات التي حصلت على الرخص لمزاولة لكافة الأنشطة 40 شركة تمثل 49 في المائة من إجمالي الرخص، بينما تقل المنشآت الراغبة في مزاولة 4 أنشطة إلى 3 شركات فقط. في حين هناك طلب كبير على الرخص لمزاولة نشاطين بلغ 28 شركة تمثل 33 في المائة من إجمالي الرخص الممنوحة، وتقاسمت الشركات الراغبة العمل في 3 أنشطة وكذلك نشاط مالي واحد بواقع 6 شركات لكل منهما.

ويتفاءل الدكتور سعيد الشيخ خبير مصرفي وكبير الاقتصاديين في بنك الأهلي التجاري ـ وهو المصرف الذي أنشأ شركة الأهلي المالية التي تمارس الأنشطة المالية جميعها ـ أن المؤسسات المالية العالمية ستساهم في تطوير نشاط المصرفية وعلى وجه التحديد المصرفية الاستثمارية، خاصة أن البنوك المحلية لديها شح كبير فني في هذا الجانب، حيث أن البنوك القائمة وإن كانت تمارس المصرفية الاستثمارية بشكل محدود جدا، إلا أنها لا تعد استثمارية.

وقال الشيخ لـ«الشرق الأوسط» ستشهد السعودية تحولات عديدة خلال السنوات المقبلة فيما يتعلق بمصرفية الاستثمار بدلالة بعض الإشارات التي تكشف عن التحول المرتقب الجديد منها تنامي حجم طرح الشركات للاكتتاب العام، وكذلك تزايد خطط توسع الشركات ونمو أعمالها، وكثافة الطلب على عملية الاستشارات المالية والدمج، وكذلك عمليات الحيازة والتوجه نحو إصدار السندات، وحتى جلب التمويل للمشاريع، وتنويع حركة الاستثمارات، والبحث عن مختصين.

وأضاف الشيخ، أن تكاثف الأعمال المالية يتطلب خبرات واسعة وتجارب مقننة وهي التي تنقص السوق المالية السعودية في الوقت الراهن، مفيدا أن هناك جوانب أخرى مرشحة لأن تصاحب حضور المؤسسات المالية، من بينها سرعة الاستجابة والتعامل الإداري المحترف والتقانة الجديدة المدعومة بالأنظمة المبتكرة، وهو الأمر ـ بحسب وصفه ـ سيكسب السوق المالية السعودية المهارات العالية المطلوبة.

ويرى كبير اقتصاديي البنك الأهلي التجاري، أن دخول المؤسسات المالية العالمية في هذه الفترة جاء مصاحبا لتحولات اقتصادية كبرى على الصعيد الهيكلي الإداري وعلى صعيد طبيعة المرحلة المالية الحالية، إذ أبان أن السعودية مقبلة على مستجدات ضخمة جدا، على رأسها حركة الخصخصة التي تعيشها البلاد ستسفر عنها خلق منشآت حكومية وأهلية كبرى، فمثلا هناك قطاع الطيران والاتصالات وسكك الحديد وغيرها.

وأشار الشيخ إلى أن تلك المستجدات تحتاج إلى خبرات ذات جودة وخبرة واسعة في الوقت الذي ربما لن تستطيع البنوك في المملكة الوفاء بها ليس فقط من القدرة على التمويل ولكن حتى على صعيد تكوين المنتجات التي تجذب عمليات التمويل، مفيدا أن تركيز البنوك على عمل الشراكات مع المؤسسات المالية العالمية يأتي وفق استراتيجيتين، الأولى الاستفادة من تجربتها والثانية لتقليل حدة المنافسة المواجهة ضدها.

أسماء عالمية: وبرغم أنه لا يمكن تجاهل الأسماء المحلية الواعدة الجديدة التي تقف خلفها قاعدة صلبة من رجال الأعمال والمستثمرين والقدرات المهارية والفنية والإدارية العالية. وتتصدر هذه الشركات، شركة جدوى للاستثمار التي تم تأسيسها عبر مجموعة من المستثمرين مدعومة بخبرات بنكية تعمل في هذه الصناعة منذ أكثر من 15 سنة. وأثبتت الشركة حرفية وجدية تحركاتها بالشراكة العملية والواعدة التي أعلنتها مع واحدة من أهم الأسماء في الصناعة المالية عالميا وهي شركة رسل العالمية ذات الخبرات الواسعة في مجال إدارة الاستثمار، وكذلك أفصحت عن منتجات وصناديق عالمية جديدة متوافقة مع الشريعة الإسلامية وأعلنت عن خطة توسعية تشمل مناطق كثيرة من البلاد.

وعند التطرق للشركات المالية العالمية التي سيكون لها حضور في السوق المالية السعودية، يكفي الإشارة هنا إلى أسماء تعد من ركائز الصناعة المالية على المستوى العالمي فمثلا «غولدمان ساكس»، التي حصلت على ترخيص مزاولة الخدمات المالية مؤخرا، فهي مجموعة عالمية متخصصة في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية والأوراق المالية وإدارة الاستثمار، إضافة إلى أن لديها تشكيلة واسعة من الخدمات المتنوعة للشركات التجارية والمؤسسات المالية والهيئات الحكومية وكبار الأفراد الأثرياء.

وكانت هذه المؤسسة المالية قد تأسست سنة 1869 وتعتبر من أكبر البنوك الاستثمارية وأقدمها في العالم، ومركزها الرئيسي في نيويورك ولها مكاتب في كل من لندن وفرانكفورت وطوكيو وهونغ كونغ ومراكز مالية رئيسية أخرى حول العالم. بينما لا يمكن تجاهل ما يضطلع به بنك «اتش أس بي سي» الدولي حيث سيقدم خدمة التمويل للشركات وإدارة الأصول والخدمات الاستشارية للمؤسسات والشركات في السعودية إضافة إلى الاستشارات الاستثمارية للمستثمرين من الأفراد، كما ستتولى الشركة الجديدة إدارة وساطة الأسهم الدولية والمحلية الخاصة ببنك ساب وأعمال خدمات الأوراق المالية والسندات. وذكرت شركة إتش إس بي سي السعودية المحدودة أن القطاع الخاص والعام سيستفيد من وحدات تمويل الشركات في هذه الشركة الجديدة من الخبرة العالمية لبنك اتش اس بي سي في مجال الاستثمار المصرفي من أجل تقديم سلسلة واسعة من الخدمات المتعلقة بالإعداد لعمليات طرح أسهم الشركات المساهمة للاكتتاب العام وإصدارات الحقوق والطروحات الخاصة وضمانات الديون التقليدية والإسلامية. كما أن الشركة الجديدة ستتولى تقديم المشورة المهنية في مجال تمويل المشاريع والاندماجات والاستملاكات إلى كافة العملاء.

وتعد مجموعة HSBC المصرفية، واحدة من أكبر المؤسسات المتخصصة في الخدمات المصرفية والمالية في العالم، إذ يزيد عدد فروعها ومكاتبها على 9500 فرع ومكتب تنتشر في 76 بلدا في مختلف أنحاء أوروبا وجنوب شرق آسيا والأميركتين والشرق الأوسط وأفريقيا. ومن بين مؤسسات المال العالمية، مجموعة ميريل لينش التي تعد واحدة من الشركات العالمية في مجالات إدارة الثروات وأسواق المال والاستشارات الاقتصادية، ولها مكاتب في 37 دولة ومنطقة وتبلغ أصول عملائها الإجمالية نحو 1.6 تريليون دولار، وتمثل ميريل لينش جهة اكتتاب رئيسية للأوراق المالية والاشتقاقات في العديد من فئات الأصول، وتعمل كجهة معتمدة للاستشارات الاستراتيجية بالنسبة للشركات والحكومات والمؤسسات والأفراد على مستوى العالم. وتملك ميريل لينش حوالي نصف شركات «بلاك روك» واحدة من أكبر شركات الخدمات الاستثمارية العالمية التي تُدرج أسهمها في الأسواق الدولية وتبلغ أصولها المدارة أكثر من تريليون دولار. كما انضمت مجموعة «جي بي مروغان» لتكون واحدة من المؤسسات المالية التي تبحث عن موطئ قدم لها في السعودية، كما هو الحال لشركة «إيرينست ويونغ» العريقة المتخصصة في تقديم الاستشارات المالية وخدمات وحلول التمويل، في حين كان بنك «مورغان ستانلي» أبرم اتفاقية شراكة مع شركة «المجموعة المالية السعودية»، إحدى شركات الخدمات الاستثمارية في السعودية، تهدف بعد الحصول على الموافقات النظامية إلى تأسيس مورغان ستانلي السعودية، التي ستتخذ من الرياض مقرا لها، إضافة إلى فروع في جدة والخبر.

وستكون سوق المال السعودية مكانا يتسع للبنوك العربية المحترفة، حيث تبرز كواحدة من أهم الأسماء العربية في صناعة المال المجموعة المالية هيرمس المصرية التي تصنف كواحدة من أكبر مؤسسات المال في مصر والمنطقة العربية، يضاف لذلك اسم كبير في مجال إدارة الاستثمار وهي شركة «نعيم للاستثمار»، بينما تبرز في السعودية كذلك شركة رنا للاستثمار، في حين يأتي بنك عودة من لبنان، وبنك الاستثمار العالمي من الكويت وشركات مثل رسملة للاستثمار وشعاع كابيتال من الإمارات.

تجربة ناضجة: تؤكد الآراء القادمة من الخارج وتحديدا مع دخول الشركات العالمية بأن دعمها وجهودها ستتركز في صناعة السوق المالية على مساحات خبرتها الواسعة واستنادا على تجربة ممتدة ستضفي مزيدا من القدرات والإمكانات التطويرية الابتكارية الجديدة.

ويمكن الاستشهاد بما أكده أحمد فاكهاني رئيس ومدير العمليات التنفيذي في شركة ميريل لينش العالمية من أن الشركة ستقدم منتجاتها مستندة إلى خبراتها في الأسواق العالمية والخدمات المصرفية الاستثمارية الممتدة لأكثر من 100 عام. ملمحا إلى اهتمام الشركة العالمية في مجالات الصناعة المالية الجديدة حيث لفت إلى أن الخدمات ستغطي استشارات عمليات الدمج والاستحواذ، هيكلة التمويل، حلول تمويل الديون والأسهم، بالإضافة إلى خدمات كاملة في مجال حلول إدارة الثروات، وهو الأمر الذي يختلف عن الوضع الراهن المتمثل في بعض النشاطات التي أهمها تداول الأسهم.

وأبان فاكهاني خلال مؤتمر حضرته «الشرق الأوسط» في الرياض مؤخرا، أن السعودية تعمل لتكون محورا إقليميا للخدمات المالية مما يدعو لتطلع شركات ومؤسسات الاستثمارية العالمية لتنمية حضورها في السعودية والاستمرار في تزويد العملاء بمنتجات وحلول عالمية، مفيدا أن خدمات الشركة ستتجاوز منظور التعامل مع الشركات فقط إلى صناعة الهيكلة المالية للمنظمات والاستثمار في القطاع العقاري والحصص الخاصة.

وأشار فاكهاني إلى أن قطاع المصارف في السعودية عملاق والسيولة المتوفرة عالية جدا مما يوجد فرص كبيرة للاستثمار وخلق قطاع مالي يمتاز بالقوة وفرصة إدارة الثروات، مفيدا في الوقت ذاته أن خدمات الشركة لن تكون محددة فقط بالشركات والأثرياء بل ستتوجه الخدمات إلى الجميع من أفراد وقطاعات.

ويرى فاكهاني أن «ميريل لنش» تعي تماما خطوتها لدخول السوق السعودية ومنطقة الشرق الأوسط بما فيها من مشكلات سياسية محتدمة، إلا أنه ذهب مجددا إلى استناد الشركة إلى خبراتها المتراكمة التي تستفيد منها السوق المالية السعودية بقوله: لدى الشركة خطط مستدامة واستراتيجيات مستقرة على الوضع الحالي في المنطقة وذلك لوجود الشركة في المنطقة وتحديدا في لبنان منذ أكثر من 45 عاما، مما لا يشكل عامل قلق بل ستواصل الشركة ضخ أموال في السوق المحلية. ويصف فاكهاني السوق المالية السعودية بأنها تأتي ضمن الأسواق الناشئة التي تمثل أسواق الغد الراسخة، معرجا على أن مدينة الرياض ستلعب دورا في تطوير قطاع خدمات الشرق الأوسط المالية. مراقبة صارمة: وأثبتت هيئة السوق المالية خلال العام الماضي 2007 جدية متابعتها للشركات المرخصة ومدى انضباط أعمالها وفقا للأنشطة المرخص لها حينما شهد منتصف العام الماضي سحب مجموعة من الرخص لشركات كانت قد استخرجت تراخيص رسمية، نتيجة عدم التزامهم بشروط هيئة سوق المال التي كان من أهمها بدء العمل بعد 12 شهر على الرخصة.

وأعلنت الهيئة في أغسطس (آب) الماضي قرارها بسحب رخصة وساطة مالية لشركة مرخصة لممارسة جميع أنشطة التعامل في السوق المالية المحلية، إذ بثت بيانا أعلنت فيه عن سحب رخصة شركة فرصة للاستثمار حيث قالت حينها إنها قامت بالترخيص لشركة فرصة للاستثمار والسماح لها بممارسة الأنشطة المالية كافة وهي التعامل بصفة أصيل ووكيل والتعهد بالتغطية، والإدارة، والترتيب، وتقديم المشورة، والحفظ في أعمال الأوراق المالية، شريطة إلزام الشركة باستيفاء الشروط والمتطلبات اللازمة لبدء ممارسة أعمالها.

وأفادت الهيئة أن الشركة لم تستوف تلك الشروط والمتطلبات، ولم تبدأ مزاولة أعمال الأوراق المالية بعد مضي أكثر من 12 شهرا، لتصبح بذلك مخالفة لأنظمة السوق المالية ولائحة الأشخاص المرخص لهم، ليتجه مجلس الهيئة إلى إصدار قراره المتضمن سحب الترخيص الممنوح للشركة.

وتعتبر «فرصة للاستثمار» أول مكتب يتم فرض عقوبة سحب الترخيص منه، حيث تلاها في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي قرار مجلس الهيئة بسحب الترخيص الممنوح لمكتب محمد الشميمري للاستشارات المالية وذلك نظرا لارتكاب المكتب مخالفات عديدة لأحكام نظام السوق المالية ولائحة الأشخاص المرخص لهم الصادرة عن مجلس هيئة السوق المالية منها ممارسته نشاط الإدارة دون الحصول على الترخيص اللازم من الهيئة، فضلاً عن البدء في ممارسة نشاط المشورة دون استيفاء شروط ومتطلبات الترخيص.

تراخيص: وبحسب مصادر في سوق المال السعودي فإن سوق المال المحلي على مشارف تشبع كامل من أعداد شركات الوساطة والخدمات المالية والاستثمارية (بلغت حتى الآن 83 شركة) إذ لفتت إلى أن العدد الحالي يمكنه أن يغطي حاجة السوق بكافة تشعبات خدماتها لاسيما عند المقارنة بحجم أعداد الشركات المساهمة العامة المدرجة أسهمها في سوق الأسهم والتي بلغت حتى الآن 113 شركة.

وهذا الأمر ألمح إليه الدكتور عبد الرحمن التويجري رئيس هيئة سوق المال صراحة في أواخر مايو (أيار) من العام المنصرم عندما كشف لدى رعايته إحدى المناسبات المتعلقة بسوق المال وحضرته «الشرق الأوسط»، بأن الهيئة بصدد دراسة الترخيص لـ 50 شركة إضافية للخدمات المالية إلى جانب الشركات الحالية التي بلغ عددها حينها نحو 56 شركة، في إشارة واضحة إلى أن عدد شركات الوساطة المالية في السعودية مرشحة لكسر حاجز 100 شركة متخصصة في الخدمات المالية.

وتؤيد المصادر الموثوقة هذا التوجه بوصول شركات الوساطة المالية إلى هذا الرقم اعتمادا على مبررات متعددة من أهمها مواصلة هيئة السوق المالية طرح شركات القطاع الخاص والاكتتاب العام يعززها عشرات الشركات المصطفة حاليا لدى الهيئة تنتظر دورها مكملة ملفاتها بانتظار طرحها فعليا أمام المكتتبين في السعودية.

وكشفت لـ«الشرق الأوسط» المصادر الموثوقة بأن العمل جار حتى الآن لقيام منشآت وشركات جديدة تهتم بتقديم خدمات إدارة الأصول ومراكز تداولات وتقديم الاستشارات والبحوث والتحاليل متوقعة أن رساميل تلك الشركات التقديرية تبلغ مجموعها تقريبا نحو 10 مليارات ريال (2.6 مليار دولار) مرخصة لمزاولة التعامل في الأوراق المالية وحفظها وإدارتها وترتيبها وتقديم الاستشارة، تتراوح بين رأسمال، قوامه مليونان إلى 500 مليون ريال.

تحديات منتظرة: وهنا، يقول لـ«الشرق الأوسط» الدكتور عبد الله باعشن الرئيس التنفيذي لشركة الفريق الأول ـ إحدى شركات الوساطة المرخصة ـ أن قطاع الشركات المالية ينتظره 4 تحديات رئيسية الأولى تتمثل في القوى البشرية واستقطاب الكفاءات العالية لاسيما أن المجال المالي والاستثماري قطاع متخصص وحساس جدا ويحتاج إلى قوى بشرية مؤهلة وذات تجربة وخبرة وهو الأمر الذي لاتزال السوق تعاني منه حتى الآن.

وأضاف باعشن أن هناك تنافسا محموما بين شركات الخدمات المالية بمختلف تخصصاتها وبين البنوك وشركاتها المالية لاستقطاب القدرات البشرية المؤهلة، مبينا أن الأمر يطال منطقة الخليج العربي والمنطقة بشكل عام، خاصة أن الكوادر المؤهلة من البلدان المتقدمة أو من بلدان العالم الثالث لا تجيد العربية. ولفت باعشن الى أن التحدي الثاني يتمثل في كيفية الوصول بقناعة الأفراد الذين يشكلون قرابة 92 في المائة من مجمل المتعاملين في سوق الأسهم السعودية وهي العملية الصعبة حيث يتطلبون إلى شركات تنفيذ الأوامر بينما صناعة سوق المال تحتاج إلى خدمات أخرى مهمة ولابد أن يدركها الأفراد، منها المشورة والإدارة ودراسات السوق وتقييم الأسهم والتحليلات المختلفة، لابد من العمل المؤسسي.

ولفت باعشن إلى أن من بين التحديات أمام خدمات الوساطة المالية قدوم الشركات المالية ذات الخبرة الكبيرة تعد حديثة لاسيما أن تلك الشركات العالمية سيكون لديها دعم كبير من مكاتبها الرئيسية في حين ستكون الشركات المحلية أمام تحدي مستوى الخدمة وجذب أكبر عدد من المتعاملين وبناء قادة معلومات عملاقة وتفصيلية عن العملاء من أفراد وشركات.

وأبان الرئيس التنفيذي لشركة الفريق الأول أن من بين التحديات هي نقص المعلومة التي ستواجه كافة الشركات المحلية والعالمية ومن جانب كافة القطاعات تمتد من أضلاع السوق الثلاث وهي الجهات المنظمة والشركات والمتداولين.

القدرة المحلية: أمام ذلك، يعتقد سلطان بن عبد الله بن عثيمين مدير عام الصفقات والمبيعات في شركة رنا للاستثمار، أن المؤسسات المالية العالمية الجديدة لن تضيف أي شي جديد في الوقت الراهن للسوق السعودي بحكم محدودية المنتجات والآليات القائمة في الوقت الراهن في السوق المالية المحلية. واستطرد قائلا: «لكن مع تغير الآليات وتوسع عمل السوق وتعدد منتجاته سيكون للشركات العالمية لمسة جديدة على هذه الآليات من خلال الخبرات المكتسبة سابقا في الأسواق العالمية الأخرى».

وذكر بن عثيمين لـ«الشرق الأوسط» أن أمام الشركات والمؤسسات المالية العالمية جهودا كبيرة من حيث صناعة المنتجات لاسيما الممكن طرحها حاليا، من بينها استقطاب رؤوس أموال خارجية للاستثمار في السوق المحلي بعد أن يتم الموافقة عليها من الجهات المختصة، كما أن الشركات العالمية سيكون لها دور في تطوير عمل الاستشارات الاستثمارية في السوق وتسيير وتسريع حركه تطور إعطاء المشورة للعملاء المحليين وإضافة بعد جديد لصنع القرار الاستثماري.

ولم يخف بن عثيمين ما يمكن أن يذهب لصالح المؤسسات العالمية، إذ قال، انه سيكون للاسم العالمي دور تسويقي كبير لجذب المستثمرين بحكم الشهرة الكبيرة في هذا المجال وستكون داعما جيدا للشركاء المحليين»، ولكنه اتجه منحى آخر عندما زاد: «مع الأخذ في الاعتبار الثقة الكبيرة التي تحظى بها الشركات المحلية لدى عملائها التي اكتسبتها على مر الزمن. وفي النهاية المنافسة ستكون في صالح العميل المتعامل في السوق من خلال التنافس في تقديم الخدمة».

وأضاف بن عثيمين: من المؤكد أن السوق السعودية سوق ناشئة لكنها تتميز بشخصية مستقلة ومختلفة عن أي سوق اخرى بحكم التميز الجغرافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي بطبيعة الحال مما يجعل من هذه السوق تعتمد بشكل كبير على الخبرات الوطنية ذات التأثير الكبير على المتعاملين في السوق مع الأخذ في الاعتبار ضرورة الخبرة العالية والاستفادة من هذه التجربة العالمية في أسواقنا خاصة انها متجهة إلى تطور كبير غير مسبوق على المستوى المحلي تنظيميا.

ويؤكد إلى ترجيحه كفة غلبة الشركات المحلية على المؤسسات العالمية، إذ لفت إلى أن الغلبة ستكون للشركات المحلية أكثر من الشركات العالمية ولنا في الأسواق الإقليمية المجاورة اكبر دليل على نجاح الشركات المحلية على العالمية.

شركات مالية.. أذرع بنكية: وكانت المهلة المتاحة لـ 11 بنكا سعوديا من قبل هيئة السوق المالية على إقفال أقسام وإدارات خدمات الوساطة المالية والاستثمار والتوجه بها نحو شركات مالية منفصلة كليا، بلغ عددها 13 شركة مالية واستثمارية مختلفة الأنشطة، انتهت في آخر يوم من العام المنصرم 2007.

وشهد منتصف العام تقريبا استكمال حلقة شركات الاستثمار والوساطة المالية التابعة للبنوك، واعتبار الانفصال العلني الأول لنشاط الوساطة المالية والاستثمار في كيانات متخصصة في الوساطة والأعمال المالية والاستثمار وإدارة الأصول، بالإعلان الرسمي وقتها عن ترخيص هيئة السوق المالية السعودية لشركة السعودي الهولندي المالية التابعة للبنك السعودي الهولندي لمزاولة أعمال نشاط التعامل في أعمال الأوراق المالية بصفة أصيل، ووكيل، والتعهد بالتغطية، والإدارة، والترتيب، وتقديم المشورة، والحفظ في الأوراق المالية.

وتقدر حصة فاقد البنوك السعودية المباشرة من كعكة الوساطة المالية والخدمات المساندة التابعة بنحو 9.7 مليار ريال (2.58 مليار دولار) تمثل قيمة سوق عمليات الوساطة المالية بحسب التقديرات غير الرسمية، يزيد ذلك حين العلم بأن مقدار ما تحققه البنوك السعودية قبل الترخيص لشركات جديدة ما بين 30 و35 في المائة من دخلها السنوي من عمليات الوساطة.

صعوبة المنافسة: وفي هذا الصدد، يقول لـ«الشرق الأوسط» محمد الضحيان رئيس مجلس إدارة دار الإدارة والتطوير للاستثمار، أنه سيكون من الصعب على الشركات الجديدة الدخول في السوق حيث أن صعوبة المنافسة تكمن في أكثر من اتجاه أولها أن العمل الذي تقوم به البنوك المسجلة هو تنافسي بشكل قوي إذ لن تسمح لتلك الشركات بتقديم أي نوع من الخدمات المتكررة مثل الحفظ والتعامل والبيع والشراء بصفة أصيل ووكيل.

ولكن الضحيان عاد للإشارة إلى أن هناك مجالا مفتوحا أمام نشاطات أخرى منها مجال الاستشارات بجميع أنواعها وكذلك إدارة الأصول حيث أن هذين النشاطين يمكنهما أن يساعدا الشركات الجديدة على منافسة البنوك في السوق داعما رأيه بأن حجم المنافسة في هذا القطاع متعاظم ونام، مطالبا باستغلال الفرصة والتخلي عن الخوف الذي ينتاب الشركات الجديدة في الوقت الراهن حيث لا تزال تتعامل بأسلوب يشوبه الحذر في التعامل.

وزاد الضحيان: على الرغم من أن المنافسة بين البنوك والشركات الجديدة قوية، لأن البنوك لديها قدرة ليست بسهلة للحفاظ على عملائها نتيجة تسلحها بقدرات وإمكانيات عالية لا يمكن أن تجاريها الشركات الجديدة، منها تقديم تسهيلات ائتمانية لا تستطيع تلك الشركات تأمينها بنفس الأسعار خاصة العملاء ذو الملاءة القوية، الأمر الذي يضعف القدرة التنافسية لهم وبالتالي تعيش تلك الشركات على بواقي أو ما يمكن أن يطلق عليه Left over، مشيرا إلى أن هذا الظرف يمثل حالة غير مربحة لكثير من شركات التداول.

ويعتقد الضحيان ـ وهو أحد خبراء السوق المالية السعودية ـ أن الوساطة في هذه الظروف لن تكون على درجة واحدة بالنسبة للشركات بصفة عامة، مرجعا ذلك لأن البنوك لديها ميزة تنافسية قوية تتمثل في العلاقة السابقة بينها وبين العملاء وكذلك عدم رغبة البنوك بالتفريط في تلك العلاقة مما يجعلهم يضحون بجزء من العمولات في سبيل التمسك بالعميل، الأمر الذي يجعل انتقال العملاء صعبة.

وتوقع الضحيان أن تعاني الشركات الجديدة من بعض المشاكل في بداية العمل، بل ذهب إلى أكثر من ذلك عندما لفت إلى أن وضع الوساطة في المستقبل سيتفاقم تنافسيا مع ازدياد التقدم التكنولوجي مما يرشح بتدني معظم المعاملات مع حضور الوسائط الإلكترونية حيث ستضمحل العمولات المصرفية وعمولات التداول مما يتيح الفرصة لكثير من المتداولين بالنظر في تكلفة التداول التي تمثل عنصرا أساسيا في تحديد ربحية شركات الوساطة. وفي جانب متصل، يضيف الضحيان: فإن منافسة بيوت الخبرة الأجنبية ستكون صعبة كذلك بسبب قدرة تلك الشركات على جلب منتجات ليست موجودة في السوق، الأمر الذي سيضر كثيرا من المتداولين للذهاب إلى الشركات التي لديها قدرة على انتزاع العملاء بصورة أسهل نظرا لتقديم باقة متكاملة من الخدمات المحلية العالمية لا تستطيع الشركات المحلية المنافسة بسهولة وهذا سوف يكون عائقا أمام كثير من الشركات حديثة الإنشاء وكذالك المحلية.

وتطرق الضحيان لجانب نشاط الحفظ، فأشار إلى أن الحفظ سيكون بشكل مركزي مع شركة السوق المالية «تداول» حيث سيكون للجهة حق الاحتفاظ بالبيانات ومتابعتها أي بمعنى أن تكون تلك الشركات التي لديها تصريح بالحفظ قدرة على الاحتفاظ بالبيانات وذلك لاستغلالها لصالح العملاء وكذلك إدارة المحافظ سواء عامة أو خاصة.