خبراء في منتدى جدة: «المستقبل لك أو للذئب»

تحدثوا عن طاقة «الشمس» و«الريح» مقابل «النفط»

TT

إن كنت شخصا عاديا، ووجدت نفسك فجأة تجلس على أحد المقاعد المخصصة للجلسات الرسمية لمنتدى جدة الاقتصادي، فإنك حتما ستفعل كما فعل عشرات الجالسين أمس، وأعينهم تتحرك دائريا تعبيرا عن حالة من القلق أنتابتهم وهم يسمعون خبراء في الطاقة والأعمال، يتحدثون عن نهاية عصر النفط خلال فترة قصيرة، في عصر الطاقة البديلة.

الحوار المفتوح الذي دار بعد جلسة البارحة عن الطاقة، وشمل خبراء سعوديين وعربا وأجانب، بدا كأنه ماراثون للتسابق حول الارقام المفزعة، بين خبراء يرون أن 60 عاما كافية لنضوب النفط، وأن تناقصا في مخزون المياه والطاقة سيصل لحدود 30 في المائة خلال عامين، وبين فريق معظمه من أصحاب «الغتر البيضاء» يرون أن هناك مبالغات في تخويف دول النفط وتشجيع الدول الاخرى على إعطاء ظهرها للنفط والبحث في البدائل كالطاقة الشمسية والنووية وطاقة الريح، أو ما يسمونها «الطاقة الأحفورية».

تجلس في مقعدك، لكنك لا تستطيع التحكم بشكل كامل في حركات جسدك، وإيماءات ملامحك، وأنت تسمع الأرقام من خلال المترجم الآلي من الانجليزية الى العربية، فيما يزرع في داخلك أن صراعا على اللغة والثروة يدور في الصالة الزرقاء للمنتدى، خاصة أن رائحة السياسة تتسلل في كل مرة من نافذة ما، في أحاديث الضيوف القادمين بعضهم من دول تواجه صراعات سياسية مع العالم كإيران وملفها النووري.

النقاشات التي شارك فيها الاميركي أريك ماكسيان، الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد، وفؤاد حمدان، وهو خبير ايراني، اضافة لمتحدثين سعوديين وعرب من الحضور، أكدت في بعدها النهائي أن المستقبل القادم هو كما يقال في المدونات العربية، (لك أو للذئب). وهم بهذا وكأنهم يقولون إن الحكومات في العالم، وبينها دول النفط، مطالبة بقرارات سياسية، لتنويع مصادر دخلها القومي، والبحث عن أسس للتنمية المستدامة التي يرى الخبراء أنها السؤال الأصعب في حقيبة ممتلئة بالاسئلة الهامة حول مصير العالم بعد عقدين أو ثلاثة على أقصى تقدير. وأوجدت حرارة النقاش، المتضادة مع برودة المكان، نقاشا متغيرا عن حالة التغير المناخي التي تؤرق العالم، أطلت برأسها في أحاديث الخبراء المتفرقة، حول استخراج النفط بكميات كبيرة وآثاره على البيئة، مطالبين بأن تقود السعودية وإيران دول المنطقة، للتفكير بجدية في مسألة تنويع مصادر الطاقة.

وطرح المتحاورون سؤالا سهلا من الناحية النظرية، مفاده: أنتم في العالم العربي تملكون ثروة هائلة هي الصحراء، لماذا لا تفكرون باستثمارها كطاقة بديلة؟ غير أن الاجابة على السؤال ظلت عائمة، لينتقل الحديث لاستخدامات الطاقة النووية وأنها فعلا أقل كلفة من التفكير في انتاج طاقة أخرى، لكنها على المدى المنظور تصبح الاكثر تكلفة بسبب مخلفاتها وآثارها على البيئة وما ينجم عن تلك الآثار من مخاطر صحية وإنسانية وبيئية، وبالتالي هي الاخرى لا تحقق الاستدامة في التنمية.

من جهتها علقت آسيا آل الشيخ، الخبيرة في التنمية المستدامة، حول ما دار في الحوار المفتوح، أن غياب الاستراتيجيات الواضحة بخطط التنمية على المدى البعيد يتقاطع ومستوى حضور النقاش في مسألة حيوية تمس مستقبل العالم، مضيفة، نعم نحتاج للتنويع في مصادر الطاقة، وأن نبدأ في التفكير بشكل أساسي في الاستثمار بالطاقة البشرية، وأن نبني اقتصادنا المستقبلي على وعي معرفي، بالقدرات والمهارات وأهميتها في صناعة جيل قادر على اتخاذ القرارات الصعبة.

وأضافت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «أمامنا فرصة كبيرة حاليا في الاستفادة من الطفرة الاقتصادية، في توجيه السياسات الاقتصادية نحو مصادر مختلفة للدخل القومي، والتوسع في الصناعات القادرة على امتصاص أكبر قدر من العمالة الوطنية المدربة والمؤهلة لمواجهة باب العولمة المفتوح على مصراعيه».

الحوار الساخن في قاعة الجلسات الرئيسية لمنتدى جدة، كانت الكاميرات فيه تلتقط صورا حية وعفوية، لتلك الوجوه، التي أتعبها اليوم الطويل للجلسات، وأتعبتها أكثر تلك الارقام المخيفة، والاسئلة الحساسة، حول مصير دول المنطقة بعد عقود قليلة، اذا ما أدارت دول اميركا وأوروبا ظهرها للشرق الأوسط، بعد أن تكون قد استطاعت السير والتنقل والعيش والترفيه، مستخدمة طاقة «الشمس» أو «الريح» وليس سيد عصره الان «النفط».