رئيس نوكيا: لم نعلن النصر بعد.. ولا نسعى لاحتلال الإنترنت

أولي ـ بيكا كلاسفوو لـ «الشرق الأوسط» : نسيطر حاليا على نحو 40% من قطاع الهواتف الجوالة ونعمل على تعزيزها

TT

تمكنت نوكيا مع نهاية عام 2007 من توسيع نطاق سيطرتها على قطاع الهواتف الجوالة. ولعل المفاجأة الكبرى ان الشركة الفنلندية استطاعت اختراق الحاجز النفسي الذي رسمته سابقا ومنذ سنوات، وفي الوقت ذاته زيادة ارباحها السنوية.

ورغم ان هذا الانجاز لم تحققه سوى شركات معدودة، الا ان رئيس اكبر شركة هواتف جوالة في العالم والتي تسيطر حاليا على نحو 40 في المائة من قطاع الهواتف الجوالة، ويستخدم هواتفها نحو مليار شخص في العالم، بدأ حديثه بكل تواضع «نحن لم نعلن النصر، بل نتعامل مع منافسينا بكل احترام ونأخذ خططهم المستقبلية بكل جدية».

وينبغي القول، إن أداء نوكيا كان مذهلا 2006، الا أن أولي ـ بيكا كلاسفوو الذي تولى منصبه منذ أقل من عامين، يتطلع للمزيد، فهو خريج تراث «السيسو» الفنلندي بكل تأكيد، والذي يقول دائما ان هناك المزيد من العمل وينبغي انجازه على أكمل وجه.

وقال كلاسفوو بهذا السياق «نحن نستهدف زيادة حصتنا في عام 2008، الا أننا سنعمل على تحقيق ذلك من خلال الاهداف المرسومة بطريقة تحقق أرباحا ونموا مستداما للشركة». لكن كلاسفوو رفض تحديد نسبة معينة لحصص الشركة في الأسواق العالمية، معتبرا ان التحدث عن ارقام معينة «أمر غير منطقي».

وتابع بالقول «نوكيا حاليا تسيطر حاليا على نحو 40 في المائة من سوق الهواتف الجوالة في العالم، ونحن نؤمن بأهمية حجم الإنتاج وحصة السوق، وسنسعى لزيادة حصتنا، ولكن دعني أؤكد هنا ان الشركة ستفعل ذلك بما يتلاءم مع متطلبات السوق، كما أننا لن نضع اهدافا محددة لحصصنا سواء على الصعيد الداخلي او الخارجي، الا اننا لن نتوقف عند حد الـ 40 في المائة بل سنعمل بكل طاقاتنا لزيادتها».

وتحظى الشركة الفنلندية بموقع قوي في الاسواق الناشئة مثل الصين والهند والتي تدافع عنها بقوة. وينبغي الاشارة هنا كما قال كلاسفوو، «ان نوكيا من اكثر الشركات عالمية، فالمقر الرئيسي للخدمات العالمية لشركة نوكيا سيمنز موجود حاليا في الهند. كما يوجد لدينا وجود قوي في مجالات كثيرة في الصين والهند». طبعا ما يقوله رئيس نوكيا يتماشى مع التحول الحاصل بسوق الهواتف الجوالة، حيث ان الثقل الاساسي هو حاليا في الاسواق الناشئة، فمن ضمن اكبر 10 شركات للهواتف الجوالة، هناك اثنتان في الصين والمكسيك، فشركة «تشاينا موبيل» الصينية تعتبر اكبر شركة مشغلة للهواتف الجوالة في العالم، أما شركة «اميركا موفيل» التي يديرها الملياردير من اصل لبناني كارلوس سليم، فتحتل الترتيب العاشر على مستوى العالم.

وهنا تنبغي الاشارة الى ان سوق الصين يعتبر الاكبر على مستوى العالم حيث يضيف 7 ملايين مشترك شهريا، بينما الهند تعد السوق الاسرع نموا حيث تضيف 8 ملايين مشترك شهريا. وهناك ايضا سوق افريقيا حيث قال كلاسفوو «ما نراه اليوم في افريقيا يشبه تماما ما حدث في الهند قبل 5-6 سنوات».

وفي الحقيقة فان نوكيا تستطيع الادعاء انها ماركة مسيطرة في السوق، فالشركة الفنلندية التي تتخذ من هيلسنكي مقرا لها أعلنت أخيرا ان مبيعات الشركة من الهواتف الجوالة ارتفعت بنسبة سنوية بلغت 20 في المائة لتصل إلى 133.5 مليون جهاز خلال الربع الأخير من عام 2007 وهو ما يزيد على ما باعه أقرب ثلاثة منافسين لها مجتمعين.

في حين رفع الطلب المزدهر في الاسواق الناشئة حصتها من السوق العالمية الى 40 في المائة. يذكر أن حصة نوكيا في السوق العالمية لأجهزة الهواتف الجوالة بلغت في الربع الثالث من العام الماضي 39% مقابل 36% في الربع الأخير من عام 2006.

وتوقعت الشركة أن تتراجع السوق العالمية للهواتف الجوالة في الربع الأول من هذا العام.

إلا أن التقديرات تشير إلى أن الحصة الإجمالية لنوكيا في السوق العالمية سوف تظل عند المستوى نفسه.

وقالت نوكيا انها تتوقع ان تبقى حصتها في السوق عند مستوى 40 في المائة في الربع الاول من العام الجديد لكنها تهدف الى زيادة حصتها في السوق خلال 2008. فيما من المتوقع أن تزيد سوق الهواتف الجوالة بنسبة 10% خلال العام الحالي.

وقدرت الشركة الفنلندية مبيعاتها خلال العام الماضي في السوق العالمية للهواتف الجوالة بنحو 1.14 مليار جهاز. كما تتوقع نوكيا ان يصل عدد مستخدمي الهواتف الجوالة الى 4 مليارات شخص بحلول عام 2009. ونحو 5 مليارات شخص بحلول عام 2015.

ولا يقتصر الأمر على حجم المبيعات، بل ان القوة المالية التي تتمتع بها شركة مثل نوكيا جعلتها واحدة من كبرى الشركات العالمية. فقد أعلنت شركة نوكيا أنها حققت العام الماضي زيادة كبيرة في صافي أرباحها بلغت 67% إلى 7.2 مليار يورو (حوالي 10.6 مليار دولار). وقالت الشركة إن الأرباح الصافية للشركة زادت خلال العام الماضي بأكمله إلى 7.2 مليار يورو مقابل 4.3 مليار عام 2006 بأكمله، مضيفة أن حجم أعمالها لعام 2007 زاد بنسبة 24% ليصل إلى 51 مليار يورو (حوالي 74.5 مليار دولار).

وهنا قال الرئيس التنفيذي لنوكيا أولي بيكا كالاسوفو في بيان «اننا سعداء جدا بهذه النتائج الجيدة، لقد كان أداء الربع الأخير ممتازا وساهم في تحقيق عام من النمو المرتفع وزيادة الربحية».

ولكن ما يعكر تلك الصورة الجميلة التي ترسمها نوكيا دائما هو أداؤها في اميركا حيث انها تعاني في السوق منذ نحو 6 سنوات وهو أمر لا ينكره رئيس الشركة نهائيا. فقد تراجعت مبيعات الشركة في الربع الاخير من العام الماضي الى 13.6 في المائة الى 5.1 مليون هاتف.

وهو يقول بالنسبة لسوق الولايات المتحدة «نحن بالتأكيد سنعيد تقييم الموقف وسندخل بشكل مختلف هذه المرة وسيكون تأثير ذلك ملحوظا في النصف الثاني من العام الحالي. وهنا ينبغي ان اؤكد «انا احترم شركة موتورولا كمنافس حيث ان الشركة لاتزال في السوق وتحارب بقوة يوميا لاثبات وجودها. ان حصة السوق البالغة 100 في المائة توزع يوميا وشهريا وسنويا بين المنافسين، وهذا سوق كبير وينبغي ان نتابع كافة المنافسين فيه دون التركيز على منافس واحد». وتعول نوكيا على سوق خدمات الانترنت في تنويع ايراداتها المالية الانترنت بحلول عام 2015 فان معظم الايرادات المالية لقطاع الهواتف الجوالة ستاتي من معطيات البيانات (غير المكالمات الصوتية) حيث ستبلغ نحو تريليون دولار صعودا من 100 مليار دولار في عام 2007.

وهنا قال كلاسفو «الانترنت اصبحت حقيقة يعيشها الملايين يوميا، والانترنت الجوالة بدأت تثبت نفسها على ارض الواقع. وفي مجال الاعمال فان سوق الاعلانات هو الواعد في هذا المجال، الا انه لايزال في مرحلة التأسيس، وجميع الشركات العاملة في هذا المجال تسعى الى توسيع خدماتها في هذا القطاع. والهواتف الجوالة تمثل مجالا حيويا لملايين البشر خصوصا الذين لا يملكون اجهزة كومبيوتر أو لم يتعاملوا مع الانترنت سابقا».

وبالفعل فان نوكيا كانت مشغولة على مدى العامين الأخيرين بقوة من اجل تحقيق ذلك الهدف، فقد ضخت في هذا السياق اكثر من نحو 10 مليارات دولار لاستكمال «المربعات» المفقودة في اللوحة الانترنتية التي تحاول رسمها للمستقبل القريب.

ومن اجل دعم تلك الاستراتيجية أكد كلاسفوو «ان خدمة أوفي ستنطلق قريبا خارج اوروبا لكننا نعمل مع المشغلين والسلطات المحلية لمراعاة الجوانب الدينية والثقافية لكل سوق». وحول اطلاق خدمة اوفي في الشرق الاوسط قال كلاسفو «ان اطلاق تلك الخدمة تحتاج الى الكثير من الشركاء، وتشريعات ومحتويات محلية. الامر يحتاج الى وقت وجهد كبيرين، ولن يحدث بين عشية وضحاها.

وحول ردة فعل المشغلين على خدمة «اوفي» قال كلاسفو ان المشغلين هم شركاء طبيعيون لنا ونوكيا ستعمل مع شركات مثل تليفونيكا الاسبانية واورانج وفرانس تيليكوم وتيليكوم ايطاليا وفودافون، ونناقش التعاون مع العديد من المشغلين الاخيرين. كما وقعت نوكيا اتفاقية تعاون مع غوغل يتم بموجبها توفر محرك بحث غوغل على هواتف نوكيا في 100 دولة بنحو 40 دولة. وأكد كلاسفو هنا ان شراكة نوكيا تمت مع تلك الشركات الكبرى لان الطرفين يشعران ان الوضع سيحقق مكاسب للجهتين، مؤكدا ان نوكيا متفائلة بهذا الجانب، لكن كلاسفو رفض هنا الافصاح عن شركاء جدد في مجال الموسيقى. ونفى كلاسفو في هذا السياق بشكل قاطع ان تكون نوكيا تخطط لاستخدام نظام تشغيل مايكروسوفت في هواتفها، مؤكدا ان نظام «سامبيان» سيبقى نظام التشغيل الاساسي الذي نعتمد عليه حتى فترة طويلة قادمة. ولكن رغم النجاحات الكبيرة التي حققتها الشركة الفنلندية يقول المنافسون ان نوكيا لاتزال عرضة للتقلبات في قطاع الهواتف الجوالة الذي يتغير بسرعة كبيرة، فنوكيا لدغت في هذا المجال مرتين في السابق. فقطاع الهواتف الجوالة تنافسية جدا. السوق يمكن ان تتغير في اي لحظة وبدون اشعار، لان هناك الكثير من المتغيرات التي تساعد على النجاح. وهو شي يؤكد عليه الرئيس التنفيذي لنوكيا، فهو بأي حال من الاحوال غير مستعد لاعلان النصر بعد، بل على العكس فهو يتعامل مع منافسيه بكل جدية، فهناك آبل وهاتفها اي فون، وغوغل ومايكروسوفت يمثلون تحديا حقيقيا لشركة نوكيا. ولكن اكبر خطر على نوكيا في هذه اللحظة يمكن ان يأتي من الداخل. فالشركة تنتهج طريقا مكلفا، وخطة طموحة لبناء خدمة الانترنت من خلال بوابة «اوفي»، وهو هدف حتى الآن لايزال يثير ريبة العديد من مشغلي الهواتف الجوالة. ومن الامور التي قد تكبح فرامل نوكيا في هذا الجانب هي الشركات المشغلة، والتي تتردد في الاعتماد على مصدر واحد للهواتف الجوالة مثل نوكيا، والتي يمكن ان تستخدم نفوذها من اجل الحصول على شروط افضل في السوق. من المخاطر التي قد تواجهها نوكيا هي اتجاه المستهلكين الى معارضة سيطرتها على الاسواق بالطريقة التي حصلت مع شركات عالمية كبيرة مثل مايكروسوفت وغوغل.

وبكل تأكيد فان نوكيا على وعي تام بهذه المخاطر، لذلك فان كلاسفو يقول هنا ان الشركة لا تسعى الى «احتلال الانترنت»، بل التعاون مع الجميع من اجل ان يتحقق الربح لجميع الاطراف من شركات ومشغلين ومستهلكين.

ورغم ان نوكيا تعهدت مرة اخرى انها ستعمل جاهدة لتحسين وضعها في الولايات المتحدة، لكن العديد من المحللين لايزالون متشككين بهذا الامر حيث يشير التقرير الاخير لمؤسسة «ايه بي اي» للابحاث «بالرغم من الوعود السابقة لادارة نوكيا بتحسين وضعها في اميركا الا انهم فشلوا بفعل ذلك حتى هذه اللحظة». ومع التوقعات الاقتصادية المتشائمة لنمو الاقتصاد العالمي، فان حديث نوكيا عن زيادة حصتها في السوق ربما يواجه بالشكوك والحذر، خصوصا ان نوكيا نفسها خفضت النمو المتوقع في قطاع الهواتف الجوالة الى 10 في المائة. لا بل ان مؤسسة «آي دي سي» للأبحاث تعتبر ذلك الرقم متفائلا وان النمو خلال العام الحالي ربما يقل عن 10 في المائة.

لكن نوكيا فعلت هذا الامر سابقا، ولا يوجد ما يمنع تكراره مرة اخرى وتتمتع نوكي بوضع مواتي وموقف قوي لتوسيع اعمالها، فتكاليف الانتاج المنخفضة وسلسلة التوزيع والانتاج الفعال مكنت نوكيا من تسجيل مبيعات قياسية في الاسواق الناشئة في افريقيا والشرق الأوسط والهند والبرازيل. ان حصة نوكيا في السوق تعادل حاليا حصص اقرب ثلاثة منافسين على التوالي (سامسونغ، موتوريلا، سوني اريكسون)، فموتوريلا تعاني من مصاعب كبيرة، وسجلت في الربع الاخير من عام 2007 نتائج مخيبة للآمال. كما ان منافسيها مثل سامسونغ وسوني اريكسون يحتاجون الى وقت طويل للحاق بنوكيا في الاسواق الناشئة والتي يصل فيها متوسط سعر الهاتف الجوال في القطاع العادي الى 40 دولارا.

كما انه ينبغي القول انه رغم التوقعات الاقتصادية المتشائمة على صعيد الاقتصاد العالمي، الا ان الهاتف الجوال تحول الى سلعة اساسية لا يستغني عنها ملايين البشر، ولعل اداء القطاع في عام 2007 كان قويا حيث نما بنحو 15.8 في المائة ووصلت مبيعاته نحو 1.15 مليار جهاز طبقا لمؤسسة (ABI) للابحاث.

وتتمتع نوكيا كذلك بعجلة انتاج هائلة حيث انها تنتج عشرات الموديلات لكافة القطاعات وباسعار منافسة، وسيكون من الصعب على منافسين نوكيا انتاج موديلات بتلك الاسعار وتحقيق ارباح معتبرة، فقد حاولت موتوريلا سابقا تخفيض الاسعار لهواتفها الجوالة الا انها دفعت الثمن باهظا.

وهنا يقول كلاسفو « لقد أظهرنا باستمرار اننا الشركة الوحيدة التي تستطيع ان تحقق ارباحا مستمرة من قطاع الهواتف الجوالة الرخيصة».