بعد الهندية والصينية.. شركات عربية تبحث عن ثروات جديدة في أفريقيا جنوب الصحراء

استثماراتهم تبدو مؤهلة تماما لتحدي منافسين أوروبيين

أصبحت افريقيا ساحة تستعرض فيها القوى الاقتصادية الناشئة الجديدة عضلاتها(«الشرق الأوسط»)
TT

دكار ـ رويترز: قبل قرون من تقسيم دول اوروبية افريقيا الى مستعمرات تابعة لها كان العرب يذهلون للمكاسب التي يمكن جنيها في المناطق الواقعة جنوب الصحراء.

ففي القرن التاسع كتب الجغرافي الاسلامي ابن الفقيه ان الذهب في غانا يظهر وسط الرمال مثلما ينمو الجزر ويجمع عند بزوغ الشمس.

ومرة اخرى يرى مستثمرون عرب هطلت عليهم عائدات ضخمة من أسعار النفط القياسية فرصا ذهبية في افريقيا من منتجع ساحلي في كيب تاون الى شبكات للهاتف في جمهورية الكونغو الديمقراطية ويضخون مليارات الدولارات للانفاق على هذه المشروعات.

ووقع سلطان أحمد بن سليمان رئيس شركة دبي العالمية صفقة بقيمة 800 مليون دولار هذا العام من اجل اقامة منطقة حرة في السنغال، وصرح عقب التوقيع «الفرص التي تراها في افريقيا لن تراها في أي مكان آخر في العالم».

ومنذ ما يزيد عن قرن كانت مشاهدة تجار لبنانيين امرا مألوفا على الساحل الغربي لافريقيا حيث عملوا كوسطاء تجاريين باعوا واشتروا كل شيء من الماس الى الاقمشة.

ولكن الموجة الجديدة من الاستثمارات العربية تقوم عليها شركات كبيرة من الشرق الاوسط وشمال افريقيا مؤهلة تماما لتحدي منافسين اوروبيين حققوا ثراء في اسواق مستعمراتهم السابقة حيث تمتعوا بوضع خاص.

وابعدت عقود من الفساد والصراعات كثيرا من المستثمرين عن كل شيء الا الارباح السهلة للنفط والمعادن، غير ان القارة تنعم الان باقوى معدل نمو منذ الاستقلال ويوجد اكثر من مليار مستهلك متعطش للسلع والخدمات.

واضحت افريقيا ساحة تستعرض فيها القوى الاقتصادية الناشئة الجديدة عضلاتها. وانزعج الغرب حين ابرم جيش من الشركات الهندية والصينية صفقات تجارية واستثمارية بمليارات الدولارات. والان تنضم لها شركات عربية.

وهذا الاسبوع تستضيف السنغال وهي مستعمرة فرنسية سابقة عند الطرف الغربي لافريقيا قمة منظمة المؤتمر الاسلامي التي تضم 57 دولة وتهدف لتعزيز العلاقات بين الدول الاسلامية.

وقال كريم واد المسؤول عن تنظيم القمة وهو نجل رئيس السنغال «الامارات وبصفة خاصة دبي تعتبر افريقيا المتنفس المستقبلي للنمو العالمي»، وتابع «نحتاج لتطوير التبادل الاقتصادي والثقافي و.. قمة دكار ستكون خطوة كبرى».

واستغل الرئيس السنغالي عبد الله واد بالفعل الروابط الدينية لجذب استثمارات تقلل من اعتماد بلاده على مانحين غربيين. وساعدت قروض سعودية على اعادة بناء طرق في العاصمة دكار وتنوي ايران بناء مصفاة للنفط ومصنع للسيارات ويشيد مستثمرون كويتيون فنادق فخمة.

وفي تحول رمزي انتزعت شركة دبي العالمية عقدا قيمته 455 مليون دولار لتوسعة مطار دكار من شركة بالور الفرنسية التي انتقدت «غياب الشفافية» في العطاء ولكن واد ذكر أن خطط بولور كانت بطيئة أكثر من اللازم وبيروقراطية مقارنة بخطط الشركات العربية.

وقال باتريك سميث المحرر في افريقيا كونفيدنشال «تحرص الحكومات الافريقية على اقامة نوع مختلف من العلاقات ربما أقل غطرسة. استغل الصينيون والهنود ذلك وربما يمكن للعرب أن يفعلوا نفس الشيء في الوقت الحالي».

وتضاعف الاستثمار الاجنبي المباشر في افريقيا بين عامي 2004 و2006 ليسجل مستوى قياسيا عند 36 مليار دولار. وجاء نصف حجم الاستثمار في صفقات استحواذ واندماج بقيمة 18 مليار دولار من دول اسيوية نامية غير ان مستثمرين عربا يزيدون حصتهم ويركزون بصفة اساسية على الخدمات من الاتصالات الى البنوك والنقل.

وفي وقت تعاني فيه اوروبا من تباطؤ اقتصادي وتتجه فيه الولايات المتحدة صوب حالة من الكساد مع انخفاض الدولار لمستويات قياسية ينمو اقتصاد افريقيا جنوب الصحراء بنسبة 6.5 في المائة حسب بيانات صندوق النقد الدولي.

ويقول سميث «مع التباطؤ في اوروبا والولايات المتحدة الفرصة مواتية للدول الناشئة لتعزيز وجودها في افريقيا. سيكون عام 2008 عاما مثيرا جدا للاهتمام».

وبالفعل أظهرت الدول العربية أنها أكثر تسامحا تجاه المخاطر من مثيلاتها في أوروبا. فحين أبطأت شركة فودافون البريطانية العملاقة خطوات التوسع في افريقيا عقب شراء فوداكوم في جنوب افريقيا تدخلت شركات عربية.

ومنذ عام 2005 أنفقت زين الكويتية أكثر من عشرة مليارات دولار لتصبح سريعا ثالث اكبر شركة للهاتف الجوال في افريقيا تعمل في 15 دولة وحققت نسبة انتشار 30 في المائة في افريقيا.

وتقول ثيكلا مبونجو من مؤسسة انفورما تليكومز وميديا للتحليل «أمام المنافسة من الخليج أدركت شركات اوروبية مثل فودافون وفرانس تليكوم الحاجة لنشاط أكبر في افريقيا».

وفي مؤشر واضح علي النفوذ العربي في افريقيا اشترت شركة ليبية في العام الماضي شبكة محطات البنزين التي كانت تديرها شركة موبيل الاميركية العملاقة في افريقيا من قبل.

وقال جان بينح رئيس الاتحاد الافريقي الذي يضم 53 دولة ان الاستثمارات العربية للحد من الفقر في القارة افضل وسيلة لتخفيف حدة التوترات بين العرب والافارقة في السودان والقرن الافريقي، غير ان الكثيرين يبدون شكوكا ويشيرون لاختلافات ثقافية.