«المالية» السعودية تبحث مع 70 تاجرا تواصل ارتفاع أسعار «السلع المدعومة»

مسؤول حكومي لـ «الشرق الأوسط»: التجار يرفضون تقديم «الفاتورة الأصلية» وسنلجأ إلى خيارات تفعيلية.. وتجار يؤكدون وجود إشكالات إجرائية متبعة > الكشف عن تلاعب تاجر للاستفادة من «الدعم الحكومي»

شهدت السعودية خلال الأيام الماضية تفاعلات مختلفة فيما يخص صعود أسعار بعض السلع («الشرق الأوسط»)
TT

يعقد في العاصمة السعودية الرياض منتصف الأسبوع الجاري اجتماع يهدف إلى وضع النقاط فوق الحروف لتفعيل قرارات حكومية لدعم سلع استهلاكية بقصد تخفيض أسعارها في السوق المحلية، حيث تتجه وزارة المالية لبحث الأوضاع القائمة في أسعار السلع المدعومة حكوميا بعد مرور أكثر من 5 أشهر تقريبا من صدور أولى القرارات. إذ ستعقد اجتماعا موسعا مع نحو 70 من كبار التجار والمستوردين لبحث إشكالية تأخر تفعيل أوامر الدعم في ظل اشتراطات لم يلتزم بها التجار.

وكشف لـ«الشرق الأوسط» مصدر مسؤول في وزارة المالية أن هناك شريحة واسعة من التجار والموردين السعوديين يخالفون مطالب «المالية» بتزويدها بالنسخ الأصلية من فواتير تكلفة الاستيراد، إحدى الشروط التي فرضتها الوزارة بهدف إثبات مصداقية الأسعار وعدم التلاعب وكذلك تزويد ديوان المراقبة العامة بها.

واشتكى المستهلكون السعوديون من استمرار تواصل ارتفاع أسعار المنتجات والسلع باطراد على وجه التحديد ما أعلنت الحكومة بإعانته ودعمه في وقت سابق، مما تزايدت معه التساؤلات حول مدى انعكاس الدعم الحكومي على تلك السلع والمنتجات.

وكانت السعودية شهدت صدور أوامر عديدة للدعم الحكومي، ففي سبتمبر (أيلول) من العام الماضي صدر أمرا بتقديم دعم لسلعة الأرز ومنتجات حليب الأطفال بعد تصاعد أسعارها في الأسواق المحلية، بواقع 1000 ريال (266.6 دولار) لطن الأرز وزيادة إعانة الثانية من ريالين إلى 12 ريالا (3.2 دولار) للكيلوغرام، أي ما يعادل 500 في المائة.

وفي مطلع شهر مارس (آذار) الجاري أعلنت الحكومة السعودية عن قرار آخر معني برفع دعم أسعار الشعير بنسبة 71 في المائة بعد تزايد سعره في الأسواق على مستويات عالية جدا، ليصبح دعم الطن 1200 ريال (320 دولار) بعدما كان 700 ريال فقط في خطوة أخرى نحو خفض الأسعار الحالية إلى معدلات ربما تتجاوز 50 في المائة في أقل التقديرات.

وأفاد المصدر الحكومي المسؤول أن وزارة المالية عقدت عددا من الاجتماعات خلال الفترة الماضية مع التجار والموردين في أوقات متفرقة للتباحث والمناقشة حول آلية صرف الدعم الحكومي الموجهة للسلع والمنتجات الاستهلاكية المعلنة، مفيدا بأن الوزارة قدمت الكثير من التنازلات لصالح التجار في وقت تشددت فيه ببعض الشروط والالتزامات الإجرائية من بينها تقديم أوراق الفواتير الرسمية الأصلية تمهيدا لتقديمها إلى ديوان الرقابة العامة ـ الجهاز الحكومي المعني بالتأكد من صحة البيانات ودقتها.

وأفصح المصدر المسؤول بأنه تم الكشف عن تاجر يرغب في تصدير 17 ألف طن من الأرز للاستفادة من الدعم الحكومي وتسويق منتجه بأعلى الأسعار في دول مجاورة، وذلك في تلاعب مكشوف، من دون الإدلاء بأي تفاصيل مهمة تتعلق بهذا القضية. وأبان المسئول الحكومي أن الوقت قد حان لتتجه «المالية» وخلال الفترة المقبلة للجوء إلى خيارات عدة لتفعيل قرارات الحكومة بالدعم ورؤيتها على أرض الواقع، وهو الأمر الذي يؤكد رغبة الوزارة في الاجتماع مع التجار والموردين. وبحسب مصدر «الشرق الأوسط» فإن الاجتماع الذي سيكون وسط الأسبوع سيضم قرابة 70 تاجرا وموردا سيكون منهم نحو 40 موردا للأرز و11 تاجر شعير، و17 من تجار الحليب.

وشهدت السعودية خلال الأيام الماضية تفاعلات مختلفة فيما يخص صعود أسعار بعض السلع كان من بينها الشعير الذي وصل سعر الكيس إلى 55 ريالا (14.6دولارا) تمثل قفزة مهولة في أسعارها تلقي بظلال سلبية مباشرة على أسعار الألبان ومنتجاتها وكذلك أسعار اللحوم بكافة أنواعها، الأمر الذي سيزيد «الطين بلّة» ويعزز من حدة ارتفاع الأسعار القائمة حاليا.

ويفيد المسؤول بأن تحركات الدعم الحكومي الأخيرة جاءت في وقتها الملائم، إذ ان اعتماد إعانة قوامها 1200 ريالا مقابل الطن الواحد، يرشح أن تكون ميزانية الدعم الموجهة للشعير تقديريا بنحو 8.4 مليار ريال (2.2 مليار دولار) لتدفع من معدلات الدعم الحكومي في مختلف القطاعات والأنشطة والسلع والمنتجات بين 15 و25 في المائة من إجمالي ميزانية البلاد.

من ناحية أخرى، وصف بعض التجار الوضع الراهن بين وزارة المالية والمستوردين بأنه متعلق بعدم وضوح آلية التعامل وعدم الاتفاق على مواعيد التسليم والتسلم للمستندات الرسمية التجارية بشكل مرن يؤدي للتلاؤم والتناغم بين التاجر وعملائه وبين الوزارة والتجار، متطلعين في الوقت ذاته الى أن يذهب الاجتماع المزمع عقده هذا الأسبوع إلى تلاقي الرؤى وتطابقها بشكل ينعكس مباشرة على الأسعار.

ويقول فيصل بالبيد نائب المدير العام والمدير المالي لشركة بالبيد التجارية، إحدى أكبر الشركات المتخصصة في استيراد الأرز والموارد الغذائية في السعودية، إن العلاقة بين وزارة المالية والتجار لا يمكن تصنيفها بـ«الأزمة»، بل تأتي في نطاق التفاهم والاختلاف حول بعض الإجراءات التي ربما لا تتلاءم مع طبيعة الظرف الحساس التي تمر بها الأسواق وطبيعة علاقة تنظيم التاجر لتجارته ومحافظته على عملائه.

ويزيد بالبيد الذي يترقب دعوة المالية، أن تجار الأرز يواجهون حاليا جملة من التحديات تبرز أهمها من المصدر أو بلد المنشأ، مشيرا إلى أن هناك شريحة من المصدرين يذهبون إلى استغلال المواقف في الخليج بعد ما تصلهم أنباء الدعم الحكومي، وذلك عبر التوجه برفع أسعار الأرز وفرضه على التجار مما ينعكس سلبا ويؤدي إلى زيادة نسبية في الأسعار بين الفترة والأخرى.

واستشهد بالبيد خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» بأن هناك نوعا من أنواع الأرز الذي يصنف من الدرجات المتوسطة أو الأقل جودة، مفيدا بأنه كان يتم بيع الكيس (45 كيلوغراما) بـ120 ريالا، ولكن مع توجه بعض التجار لرفع السعر صعد قيمته حاليا إلى 140 ريالا، مشيرا إلى أنهم يستندون إلى مبررات مختلفة منها ارتفاع أسعار التخزين والتعبئة والشحن والتأمين وخلافه.

إلى ذلك، كشف تاجر سعودي، طلب عدم الإشارة عن اسمه، أن الآلية المتبعة لدى وزارة المالية لا تناسب التجار إجرائيا إذ يتم طلب تزويد الوزارة بالمستندات فور تسلم الاعتماد المالي من التاجر في بلد المنشأ وهو ما قد يعرض التاجر المحلي لمخاطر تغير الأسعار في أي وقت بينما يرغب التجار وصول البضائع فعليا للمخازن إضافة إلى تسريع الدعم الحكومي ليتسنى للتجار ضخ المنتج في السوق فورا بأسعار الدعم الجديدة وبالتالي انخفاض الأسعار.

في المقابل، يؤكد أحمد الصانع المدير العام للشركة المتحدة للأعلاف أن المطلب الأبرز حال الاجتماع هو تسريع الإيفاء بالالتزامات المالية للشركات في مدة أسرع مما هو قائم حاليا إذ تستغرق مدة الصرف 3 أشهر وتتجاوز أحيانا بين 5 و6 أشهر وهو الأمر الذي يضع الشركات المصنعة للأعلاف والشعير أمام التزامات بنكية في المقابل تتضاعف الفائدة مما يحد من معدلات العوائد لتلك الشركات.

وأضاف الصانع لـ«الشرق الأوسط» أن الدعم الحكومي المتواصل لتعزيز موقف تجار الشعير يتواصل وهو محل تقدير، في وقت لا تزال فيه المطالب بتسريع إيداع المبالغ والصرف لاسيما مع انتهاج الشركات إلى إنهاء كافة الإجراءات الورقية المطلوبة من قبل وزارة المالية المتمثلة في الفواتير الأصلية والعقود وخطابات الاعتماد وإخطارات الشحنات وتأييد الجمارك، وهي الالتزامات المستندية المجهدة إلا أنه في المقابل الدعوة بتسريع الصرف هو مطلب مهم.