نعم.. لا تحتفظوا بالنقد!

سعود الأحمد

TT

تصلني رسائل على بريدي الإلكتروني من بعض القراء والأقارب والأصدقاء، وآخرها رسالة من معلم مقيم في السعودية.. تضرر من نكسة فبراير(شباط) 2006. ورسالة من مواطن عسكري متقاعد برتبة كبيرة، حصل له ما حصل للأخ المقيم. وكلاهما محتفظ بأسهمه على الرغم من انخفاض قيمها. وفحوى رسائلهم طلب توصيات عن المجالات الاستثمارية التي أتوقع لها ربحية أكبر. ولست هنا ألوم من يسأل أياً كانت ظروفه، فكلنا يحتاج للنصائح ويبحث عنها لتحقيق الأرباح. كما أن معظم المتعاملين في السوق تنقصهم الثقافة الاستثمارية.

لقد كتبت لأكثر من مرة نصائح عامة للمستثمرين، أدعو فيها إلى تشغيل النقدية واستثمارها. من منطلق أن أسعار السلع (بصفة عامة) إلى ارتفاع ... وبالتالي، فإن من يحتفظ بالنقدية لا بد أن يخسر. وأنه في الظروف الحالية، فإن من المشجعات أيضاً انخفاض أسعار الأصول وكذلك انخفاض تكلفة رأس المال (انخفاض سعر الفائدة)، وبالأخص مع زيادة الاكتتابات الجديدة. لكنه وعلى الرغم من تقديم هذا الرأي والتأكيد عليه، يأتي من يطلب: ما هي القطاعات التي يرجح أنها ستسجل أرباحا وينصح بشرائها؟ وإذا قلنا إجابة عامة، مبنية على أخبار معلنة عبر وسائل الإعلام وبناء على توجهات الدولة من تقديم دعم أو تسهيلات لقطاع ما، أو بسبب أحوال الأسواق العالمية، إلا أنه يأتي مَنْ يسأل عن أسماء الشركات في ذلك القطاع، والتي يتوقع لها تسجيل مكاسب أكبر؟!.

ولعلي أتحدث عن تجربة حصلت معي منذ قرابة عشرة أعوام. فقد زارني مساء بمكتبي الخاص شخص كان قد باع أصلا عقاريا بمبلغ قرابة ربع مليون ريال، وطلب النصيحة في ماذا يشتري بهذا المال؟.. وكانت وقتها شركة تعرض في السوق بسعر يقارب 47 ريالا للسهم. فقلت إنني أعتقد أن سعر سهم هذه الشركة مهما حدث، فلن ينخفض أكثر، ولو انخفض فلن يكون قريباً من احتمالات زيادته. ونصحته بقوة بأن يشتري فيها. وحصل أن الرجل وضع كل ما لديه فيها (وفي هذا مخاطرة كبيرة). وما هي إلا أربعة أشهر، ويحصل للسهم تجميع. وقصة التجميع على هذه الشركة آنذاك يعرفها مَنْ كان في السوق في ذلك الوقت. المهم .. بدأ سهم تلك الشركة يقفز اليوم تلو الآخر ليتخطى 100 ريال. وبعد أيام، عاد الرجل يبلغني بالخبر ويشكرني على النصيحة ويسأل هل يبيع. فنصحته ألا يبيع قبل أن يبدأ يستقر السهم، وألا يبيع عند افتتاح أو إقفال. غاب الرجل بضعة أيام، ثم اتصل، وقال إن السعر في ذلك اليوم وصل عند الافتتاح إلى 233 ريالا، فقلت عليك أن تبيع اليوم بأي سعر، وكان ذلك في قرابة الساعة الحادية عشرة.

الذي حصل أن السهم كان بنهاية تجميع ووصل سعره إلى 288 ريالا، والرجل باع في الوقت الذي نصحته بسعر 276 ريالا. إلا أن المشكلة، أن الرجل لا زال يعتقد أنني كنت أعرف مسبقاً أن السهم سيحصل عليه تجميع!!. وحتى الآن يطالبني بنصائح مماثلة، ولم يقتنع بأن ما حصل كان مجرد توقعات، وأنه لم يخطر ببالي أن يتضاعف سعره بهذا الشكل! ختاما.. الذي أود توضيحه هنا، أن لكل قطاع واقعه ولكل مستثمر ظروفه. فهناك أسهم شركات ينبغي شراؤها. والاحتفاظ بها حتى مع عدم توقع توزيع أرباح قريباً. وهناك أسهم ينصح بشرائِها لتجميعها من السوق الثانوية لمن لديه نقدية مجمدة ويرغب في مجالات استثمارية طويلة الأجل.. والانتظار لأكثر من ثلاثة أعوام في الأقل. وملخص ما أقول «نعم.. لا تحتفظوا بالنقدية».

* كاتب ومحلل مالي سعودي