تهاوي الدولار وأزمة القروض العقارية الأميركية يزيدان الضغوط على اقتصادات الخليج

خبير لـ «الشرق الأوسط»: اقتصادات الخليج لن تتأثر إذا انزلقت أميركا إلى فترة كساد أو تراجعت أسعار النفط > محلل اقتصادي: الدولار يفقد 35% من قيمته خلال 5 سنوات

TT

قد تكون اسعار النفط قد وصلت الى مستويات تاريخية بالفعل مع تجاوزها العتبة النفسية فوق المائة دولار منذ عدة اسابيع، الا ان العوائد النفطية الضخمة لدول الخليج لا يوازيها شعور مماثل بالرخاء لدى شعوب المنطقة مع تصاعد الضغوط التضخمية على اقتصادات المنطقة التي ترتبط جميعها باستثناء الكويت بالدولار الاميركي المتهاوي. وفيما تصارع حكومات المنطقة هذه التناقضات باتخاذ اجراءات آنية لتخفيف العبء على المستهلكين، مثل رفع مرتبات الموظفين او وضع سقوف لأسعار السلع الاستهلاكية الاساسية والإيجارات السكنية، الا ان القلق من المستقبل هو السمة العامة السائدة لدى الناس العاديين. وتفاقمت الازمة هذا الاسبوع مع انهيار البنك الاستثماري الاميركي العريق بير ستيرنز ـ الذي كانت قيمته السوقية قبل شهر تعادل 20 مليار دولار وسعر سهمه في بورصة نيويورك 80 دولارا ـ تحت وطأة الديون العقارية السيئة. وبين ليلة وضحاها تراجعت قيمة البنك الى 300 مليون دولار وسعر سهمه الى دولارين فقط حسب صفقة الشراء التي نفذها البنك المنافس جي بي مورجان. وتستعد البنوك المركزية الخليجية لاقتفاء اثر خفض جديد في اسعار الفائدة من المنتظر ان يعلن عنها المجلس الاحتياطي الفيدرالي قريبا حيث تفيد التقارير ان الاسواق بدأت تستوعب بالفعل خفضا قدره مائة نقطة أساسا في سعر الاقراض الرئيسي في الولايات المتحدة عن مستواه الراهن البالغ ثلاثة في المائة ويعطون نسبة واحد الى خمسة كذلك أن يخفض مجلس الاحتياطي الاتحادي الفائدة بمقدار 125 نقطة اساس.

وخفضت الولايات المتحدة اسعار الفائدة خمس مرات منذ اغسطس (آب) الماضي في محاولة لتحفيز اقتصادها المتداعي، وكان احدثها في 30 يناير (كانون الثاني) الماضي.

وهوى الدولار بشدة اول من امس بعد شراء بنك جيه.بي مورجان لبنك بير ستيرنز وخفض مجلس الاحتياطي الاتحادي سعر الخصم بمقدار 25 نقطة اساس يوم الأحد الذي أقلق الاسواق.

ويحذر مصرفيون من تزايد الضغوط التضخمية على الاقتصادات الخليجية العام الحالي وسط تكهنات بتزايد الضغط على الدولار الاميركي الضعيف اصلا الذي تربط خمس من ست دول عملاتها به بسبب مخاوف من وقوع الاقتصاد الاميركي في فخ الركود. وتوقع دويتشه بنك ان تتخلى كل من قطر والامارات على الارجح عن ربط عملتها بالدولار هذا العام وتعتمد سلة عملات كما فعلت الكويت في مايو (ايار) الماضي. واستبعدت الامارات مرارا فك ارتباط الدرهم بالدولار الاميركي او تعديل سعر الصرف على الرغم من تسجيل التضخم لمستويات قياسية. الا ان مصادر مختلفة أكدت ان البنك المركزي بدأ يدرس بالفعل آثار تعويم العملة او فك الارتباط بالعملة الخضراء، الا ان هذه المصادر اشارت الى ان قرارا بهذا الشأن لن يكون متوقعا قبل نهاية العام الحالي ربما لدرء عمليات مضاربة محتملة على الدرهم. واعتبر سلطان بن ناصر السويدي محافظ البنك المركزي الاماراتي في غير مناسبة ان الارتباط بالدولار غير مسؤول كليا عن ارتفاع التضخم في بلاده.

وقال إن السياسة النقدية في الإمارات مسؤولة فقط عن 30% من التضخم أما الـ70% فهي مسؤولية داخلية، معتبراً أن الحل يجب أن يكون عبر تضافر جهود السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية، مشيراً إلى أن نسب التضخم بقيت على ما هي عليه منذ عامين، وهو ما يؤيد وجهة نظر المصرف المركزي بشأن أسباب التضخم في دولة الإمارات.

غير أن كثيرا من المحللين ما زال يعتقد أنها مسألة وقت فقط قبل أن تتخلى الدول ذات معدلات التضخم الاعلى عن ربط عملاتها بالدولار والتركيز على احتواء الاسعار في الداخل.

وفي هذا الشأن كان بنك غولدمان ساكس الأميركي اوصى دول مجلس التعاون الخليجي بتبني سلة عملات لمواجهة التضخم الذي ارتفعت معدلاته في دول المجلس في العامين الأخيرين مع ارتفاع السيولة وزيادة معدلات المشاريع العملاقة التي يجري تنفيذها في هذه الدول. وقال محلل اقتصادي في البنك أن ثبات ارتباط العملات المحلية بقوة بالدولار سيسفر عن انتقال معطيات ارتفاع أسعار الطاقة مباشرة إلى أسعار المنتجات الاستهلاكية.

وذكر أن الارتباطات الخليجية بسعر الدولار خدمت على نحو جيد، كملاذ اسمي راسخ في العقود الماضية، لأن الهيكل المؤسسي اللازم لدعم أنظمة أسعار التبادل الأكثر مرونة غير موجود، لكن الخطوة الأولى للخليج ستكون على الأرجح في اتجاه مرونة أكبر في سعر الصرف، عبر تبني ارتباط سلة عملات متعددة، يساعد على تقليص التأثيرات التضخمية للتحركات الحادة في تقاطعات العملات الرئيسية.

من جهته، توقع مشتاق خان المحلل الاقتصادي في سيتي بنك ان تقود كل من السعودية والإمارات مسيرة التحول الى سلات عملات على الطريقة الكويتية واعادة تقييم اولية لعملتيهما (الريال والدرهم) بنسبة تتراوح بين 4 و 5 في المائة مستبعدا ان تتفق دول الخليج الخمس التي ترتبط عملاتها بالدولار باستثناء الكويت على سلة عملات موحدة. وتسارعت معدلات التضخم في الخليج مع ارتفاع أسعار النفط الخام لما يقرب من خمسة أمثال منذ عام 2002 لتغذي النمو الاقتصادي.

ويجبر ربط العملات الخليجية بالدولار البنوك المركزية الخليجية على اقتفاء اثر السياسة النقدية الاميركية للحفاظ على القيمة النسبية لعملاتها في الوقت الذي يخفض فيه مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الاميركي) أسعار الفائدة.

وقال خان ان الامارات قد تجبر على اخذ المبادرة بإعادة تقييم الدرهم نتيجة تصاعد مشكلات العمالة فيها بينما اعتبر ان السعودية قد تتحرك بسبب حالة اساسياتها الاقتصادية وكذلك لتعطي الاشارة للدول الاخرى في الخليج لتتبعها. ويرى مصرفيون ان قرار فك الارتباط بالدولار لن يكون عمليا في الوقت الراهن فيما يمكن للمصرف المركزي ان يعيد تسعير العملة الوطنية ضمن نطاق ضيق لاحتواء بعضا من التضخم.

وتوقع ناظم القدسي رئيس قطاع الاستثمار في بنك أبوظبي الوطني أن تسمح دولة الامارات بارتفاع قيمة عملتها الوطنية قائلا ان الدرهم مقوم بأقل من قيمته الحقيقية أمام الدولار بما بين 10 و15 % المائة.

وتتعرض الحكومة الاماراتية لضغوط متزايدة لاحتواء التضخم في الامارات الذي سجل معدلات قياسية في العامين الاخيرين وادى الى تفاقم مشكلة الغلاء.

وقال الدكتور حبيب الملا رئيس سلطة الخدمات المالية في مركز دبي العالمي ان الغلاء أو التضخم بالمفهوم المصطلحي أصبح هو الشغل الشاغل للجميع في الآونة الاخيرة. وارتفع التضخم في الامارات من 1.4% خلال العام 2000 إلى نسبة 13.8% في 2006 والبعض يزيد من تقديراته لنسبة التضخم في الامارات العام الماضي لتتجاوز نسبة الـ18% حسب تقرير لمصرف ستاندرد تشارترد، فيما اعلن وزير الاقتصاد الاماراتي الاسبوع الماضي ان حكومة بلاده تريد لحجم التضخم هذا العام الى 5% رغم انه لم يوضح السياسات التي سيؤدي تطبيقها الى نجاح هذه الخطة الطموحة. الا ان معهد التمويل الدولي يستبعد ان تتأثر اقتصاديات الخليج في حال انزلقت الولايات المتحدة الأميركية إلى فترة كساد، أو تراجعت أسعار النفط عن مستوياتها الحالية.

ووفقا لرئيس المعهد، الدكتور جوزيف أكرمان الذي يشغل ايضا منصب رئيس مجلس الإدارة ورئيس اللجنة التنفيذية لمجموعة «دويتشه بنك» المصرفية الألمانية، فإن تأثير ذلك سيكون «خفيفاً» بسبب الأعداد الكبيرة لمشاريع البنية التحتية التي يجري العمل على تنفيذها حالياً أو المخطط لها في دول مجلس التعاون الخليجي. لكن خالد علوش الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الإمارات يرى ان الوقت قد حان لتعمل دول الخليج على نظام أسعار صرف عملاتها بالصورة التي تمكنها من التحكم في سياساتها النقدية وفقاً لظروفها الاقتصادية وليس استجابة لتحركات مجلس الاحتياطي الفيدرالي مشيرا الى ان العوامل التي بررت الربط بالدولار تعرضت لمستجدات يتعين على دول المجلس الالتفات إليها.

وقال في كلمة ألقاها في مؤتمر حول التضخم في دول الخليج اخيرا ان ربط العملات الخليجية بالدولار الاميركي جاءت لكون الاقتصاد الأميركي هو الأكبر في العالم ولأن الولايات المتحدة شريك تجاري رئيسي للمنطقة كما أن النفط مقوم بالدولار. وتضطر البنوك المركزية الخليجية الى اقتفاء اثر الاحتياطي الفيدرالي الاميركي في تحديد اسعار الفائدة على الرغم من تباين الظروف الاقتصادية بين الولايات المتحدة ودول الخليج.. وأردف علوش قائلا «لكن هناك قوى اقتصادية ظهرت مثل الصين، إذا ما أضفناها إلى اليابان وفرنسا وبريطانيا تصبح أكبر من الولايات المتحدة، وجميعها من الشركاء الرئيسيين للمنطقة». وقال «بالتالي ثمة حاجة إلى إصلاح نظام أسعار الصرف بما يمكن دول المجلس من التحكم في سياستها النقدية وفقاً لظروفها الاقتصادية، وليس استجابة لتحركات الاحتياطي الفيدرالي». وسجلت دول الخليج ارتفاعات متباينة في معدلات التضخم خلال السنوات الثلاث الماضية ويلقي اقتصاديون باللوم في ذلك على ضعف الدولار الاميركي، الا ان البنوك المركزية الخليجية تقلل من تأثير ذلك وتنسب ارتفاع التضخم فيها الى عوامل داخلية وخارجية مختلفة. وحسب صندوق النقد الدولي بلغ معدل التضخم 8% في الإمارات في العام الماضي مقابل 9.3% في 2006. والكويت هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تربط عملتها الدينار بسلة بعد ان تخلت العام الماضي عن ربط عملتها بالدولار، فيما أبدت بقية دول الخليج رغبتها باستمرار الارتباط الى حين تحقيق الوحدة النقدية الخليجية والتي من المقرر التوصل اليها خلال عامين.

وفقد الدولار الاميركي فقد 35% من قيمته خلال 5 سنوات، وإذا واصل تدهوره ستكون دول الخليج مدفوعة لإعادة النظر في الربط.