السعودية: نزع ملكيات أراضي المشاريع الجديدة للسكة الحديد قد يستحوذ على 10% من قيمة تكاليفها المشروع

مطالبات بضبط الملكيات وطريقة دفع التعويضات قبل الإعلان عن خط سير المشاريع

المشاريع الجديدة للسكة الحديد في السعودية ينتظر البدء في تنفيذها نهاية العام الحالي («الشرق الاوسط»)
TT

طالب اقتصاديون سعوديون باتخاذ عدد من الإجراءات الاستباقية للحد من نمو الملكيات الناشئة، على هامش المشاريع الجديدة للسكة الحديد التي تنوى الحكومة السعودية البدء في تنفيذها نهاية العام الحالي.

ويأتي في مقدمة هذه الإجراءات عملية ضبط للملكيات الناشئة قبل اعتماد ترسية مشاريع سكة الحديد السعودية (الجسر البري وقطار مكة المدينة جدة) بشكل نهائي، حتى لا تكون هناك مشاريع وهمية يكون الهدف منها تحقيق عوائد مادية كبيرة نتيجة نزع الملكية، إضافة إلى تحديد فترة الدفع وطريقته حتى لا تقع الحكومة في إشكالات في هذا الجانب، مما قد يؤدي إلى عودة الدين العام الداخلي إلى النمو مرة أخرى.

فيما يتوقع خبراء اقتصاديون أن لا تشكل عمليات نزع الاراضي التي ستمر عبرها المشاريع التوسعية للسكك الحديدية عبئاً على خزينة الدولة، مستبعدين مسألة عودة الدين العام الداخلي إلى النمو مرة أخرى، بعد أن نجحت الحكومة السعودية في خفضه من 660 مليار ريال (176 مليار دولار) إلى 267 مليار ريال (71.2 مليار دولار)، لأن هذه المشاريع تنفذ في فترة نمو هائل في مداخيل الدولة من النفط، والتي تشير المؤشرات الاقتصادية إلى تماسكه خلال فترة بناء هذه المشاريع التي سيتم تنفيذها على عدة سنوات.

أمام ذلك توقع المهندس عبد العزيز الحقيل أن لا تتجاوز نسبة التعويضات التي ستصرف عند نزع الملكيات الـ 10 في المائة، من قيمة المشاريع المنفذة، والتي تكفلت الحكومة السعودية بدفعها كدعم للمستثمرين في هذه المشاريع، حيث سيتم صرفها من خزينة الدولة وفق آلية تحدد نوع وحجم الأرض المملوكة، وهل تصنف كمنطقة نائية أم تقع داخل المدن التي ستمر عبرها المشاريع.

إلى ذلك أكد الحقيل أن حجم هذه الأموال غير معروف في الوقت الحالي، وتحتاج المؤسسة العامة للخطوط الحديدية السعودية، واللجان التي تم تشكيلها لعملية حصر الأراضي التي تقع في نطاق المشروع، إلى معرفة حجم تكاليف هذه المشاريع لوضع التقديرات الأولية لقيمة هذه الأراضي المنزوعة.

وأضاف الحقيل أن المؤسسة تتحفظ على الخرائط التوضيحية التي تمر عبرها المشاريع التوسعية، حتى تتفادى ما يسمى بالمشاريع الناشئة على خط سير هذه المشاريع، مؤكداً على أن هذه المشاريع ستتلافى الملكيات الخاصة قدر الامكان لجعل التعويضات في حدودها الدنيا. وقال الحقيل، إن قرار خادم الحرمين الشريفين الذي صدر في الآونة الأخيرة، والذي تضمن منع إصدار حجج ملكية على الأراضي التي تقع في ضواحي المدن سيساهم في تقليل حجم التعويضات، لأن الأراضي المستخدمة في هذه الحالة ستكون غير مملوكة بحجج شرعية.

من جهته أشار الباحث الاقتصادي الدكتور فهد العنزي ضرورة إعلان حجم هذه الملكيات قبل البدء في تنفيذ المشاريع من قبل الجهات المختصة في الدولة طالما أنها هي التي التزمت بتعويض ملاك هذه الأراضي، فإذا كانت هذه الملكيات كبيرة فهذا يعني التزامات مالية كبيرة، مبينا ان ذلك يستلزم إجراء دراسة دقيقة حول حجم التعويضات التي سيتم صرفها في هذه المشاريع، خصوصاً أنها تعبر عدة مناطق وعدة مدن يختلف فيها تقييم أسعار العقارات.

وطالب العنزي اللجان العاملة في هذه القضية وضع مؤشرات محددة يتم على أساسها احتساب هذه الملكيات، فلا يمكن أن تتساوى أرض في منطقة نائية مع أرض وسط المدينة، وكذلك حسب المواقع التي تكون فيها هذه الملكيات.

وبين العنزي أن من ضمن الأمور التي يجب أن تتضح مسألة دفع هذه التعويضات، هل ستكون في فترة قصيرة أم أنها ستكون على فترات طويلة تستوجب دفع مبالغ أكبر تثقل كاهل الميزانيات القادمة.

واضاف العنزي: أن هذه المشاريع عندما تقام في حال لم تقدر التعويضات وكيفية دفعها، سيترتب على ذلك رفع قضايا أمام المحاكم للحصول على التعويضات المناسبة من قبل الملاك، لأن الملكيات المنزوعة ستكون ضخمة وكبيرة جداً فبالتالي لا بد من معرفة حدود الالتزام قبل البدء في هكذا مشاريع، وقال العنزي، إن ثلاثة ارباع القضايا التي ترفع ضد الحكومة في ديوان المظالم مطالبات مالية، فلابد من تحديد الآلية قبل بدء هذه المشاريع.

واستبعد العنزي جدوى سرية خرائط المشروع في التقليل من حجم الملكيات على خط سيره، مشيراً إلى أن مشروع بهذه الضخامة لا بد ان تحدث فيه تسريبات، توجه النشاط العقاري نحوه، ولكن لابد من ضبط ودراسة الملكيات الناشئة قبل إعلان المشروع، من قبل جهات متخصصة، والنظر لهذه الملكيات بعين الحذر، حتى لا تكون وهمية القصد منها الاستفادة من التعويضات التي ستدرها هذه المشاريع.

وأبدى رجل الأعمال عبد الرحمن العطيشان تشاؤمه من قضية نزع الملكيات والتي اعتبرها العائق الحقيقي لهذه المشاريع الوطنية، مضيفاً أن المسافات الشاسعة التي ستمر بها الشبكة ستخلق نوعاً من الملكيات الناشئة التي يكون الهدف من ورائها جمع تعويضات على حساب المشروع. وقال العطيشان الذي يدير شركة تعمل في مجال النقل، إن التصرف السليم لتنفيذ هذا المشروع تعويض الملكيات التي تقع داخل المدن فقط وبنسبة 10 في المائة حتى لا تكون التعويضات أكبر من المبالغ المرصودة للمشروع، وأضاف يجب أن ينظر لهذه المشاريع من ناحية أهميتها الوطنية.

أما رجل الأعمال والمتخصص في مجال العقار عبد الله آل سليمان، فيقول: نتوقع أن يتجاوز القائمون على مشروع السكك الحديدية مأزق تثمين الملكيات التي ستواجه المشروع، والأهم وضع آلية واضحة ودقيقة لعملية تثمين الأراضي التي ستستولي عليها المشاريع، معتبراً أن الأراضي التي ستمر بها هذه المشاريع، تصنف على أنها اراض خام تقل قيمتها بنسبة 50 في المائة عن الاراضي المخدومة في حال تثمينها. وأضاف آل سليمان ان وزارة الشؤون البلدية تصنف الأراضي إلى ثلاث فئات، الفئة الأولى أراضي المرحلة الأولى، وهذه تكون داخل النطاق العمراني وعادة تكون غالية لأنه مسموح بتخطيطها، وأراضي الفئة الثانية والتي تكون في ضواحي المدن والقرى، والفئة الثالثة وهي الأراضي النائية، وهذه عادة تكون رخيصة جداً إلا إذا كانت بجوار مشروع حيوي مثل مشاريع أرامكو والطرق السريعة. من جانبه ذكر الخبير الاقتصادي الدكتور إحسان ابو حليقه أنه من غير المتصور أن تؤدي خطوة نزع الملكيات لصالح هذه المشاريع إلى عودة الدين العام إلى النمو مرة أخرى، مؤكداً أن أوضاع الخزانة العامة في أحسن حالاتها في هذه الفترة، إضافة إلى أن اسعار النفط ستكون متماسكة في فترة تنفيذ هذه المشاريع.

وتابع ابو حليقه بالقول: ان الدولة تتمتع بفوائض مالية كبيرة، في حين أن هذه المشاريع وأن كانت ضخمة، إلا أنها ستنفذ على عدة سنوات، فبالتالي لا تسبب أي عائق في سبيل تنفيذ هذه المشاريع، ويمكن حيازة هذه الملكيات من فوائض الميزانية خلال السنوات القادمة.

وأضاف أبو حليقه، حتى إذا رأت الحكومة أنها ستواجه مشكلة في عمليات التعويض يمكن أن تلجأ إلى سدادها عن طريق صكوك استدانة من السوق، ولن تكون هذه القضية ذات تأثير كبير في رصيد الدين العام.

وقال ابو حليقه أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي نسبة مريحة جداً كما أن الاقتصاد في توسع في الفترة الراهنة، ومن غير المتوقع أن تكون التعويضات بمبالغ هائلة تؤثر على هذه النسبة.

وافترض ابو حليقه أنه لو بلغ حجم تنفيذ هذه المشاريع 150 مليار ريال، فإن نسبة التعويض التي يتوقع أن تصرف لنزع للملكيات 10 في المائة، ستكون قيمة الملكيات 15 مليار ريال، هذا الرقم لا يستدعي إصدار صكوك خزينة، وحتى لو أصدرت ستكون رقما بسيطا نسبياً عند مقارنتها بالناتج المحلي الإجمالي، وكذلك بالنسبة للقيمة الاقتصادية والنشاط الاقتصادي التي ستضيفها هذه المشاريع.