«النقد الدولي»: المضاربة تتحمل جزءا كبيرا من تقلبات الأسواق

الذهب يسجل أكبر انخفاض أسبوعي في 25 سنة وسط انتعاش الدولار > مطالبات في بريطانيا وأميركا بتعزيز الرقابة على الأسواق > منظمة التنمية والتعاون الأوروبية تخفض النمو الأميركي

TT

قال صندوق النقد الدولي أمس، ان صعود أسعار السلع والمواد الخام، مثل النفط الخام خلال العام الحالي يتعلق جزء كبير منه بعمليات المضاربة مثل تكديس المستثمرين فئات جديدة من الاصول، فضلا على ضعف الدولار الاميركي. التحذير من المؤسسة الدولية جاء بعد انخفاض أسعار السلع الاولية حيث تراجع النفط دون المائة دولار للبرميل، وهبط مستوى اسعار الذهب بنحو 10 في المائة بعدما تجاوزت 1000 دولار للاوقية، فضلا على انخفاضات كبيرة في المعادن الاساسية والحبوب. وقد سجلت أسعار النفط والسلع الاولية سلسلة من الارتفاعات القياسية منذ بداية العام مع هروب المستثمرين من أسواق الاسهم للاحتماء بالاصول المقومة بالدولار، فضلا على اقبال المستثمرين القلقين بشأن الاقتصاد على البيع لجني أرباح من المستويات القياسية التي شهدتها أسواق النفط والسلع الاولية.

ويتجه الذهب لتسجيل اكبر تراجع اسبوعي خلال 25 سنة، مما ادى لهبوط أسعار السلع الأساسية، بعد ان انتعش الدولار وتزايد القلق ان يقود تباطؤ الاقتصاد الاميركي الى تباطؤ في الاقتصاد العالمي ويقلل بالتالي من استهلاك المواد الخام. وقال جيمس ماوند رئيس التحليل بمؤسسة «ماوندريبورت كوم» ان «المخاوف من الكساد العالمي تتسبب في ضغوط بيع جميع السلع».

وتحدد سعر الذهب في جلسة القطع المسائية في لندن أمس على 925.75 دولار للاوقية (الاونصة) ارتفاعا من 913.50 دولار في جلسة القطع الصباحية. وبلغ سعر الذهب عند الاقفال السابق في نيويورك 944.20-945.00 دولارا للاوقية.

يشار هنا الى ان اسعار الذهب في لندن فقدت 11 في المائة من قيمتها منذ ان سجلت مستوى قياسيا بلغ 1032.70 دولار للاوقية في 17 مارس (اذار) الماضي بعد قرار البنك الاحتياطي الاتحادي الاميركي خفض معدل الفائدة اقل مما كان متوقعا بـ 75 نقطة اساس الى 2.25 في المائة. وقد استرد الدولار 3 في المائة من أدنى مستوى لها على الاطلاق مقابل اليورو واكتسب ما يقرب من 4 في المائة أمام الين.

يذكر ان هناك 361 صندوقا استثماريا للسلع تملك اصولا تبلغ 98 مليار دولار حتى 28 فبراير (شباط) بالمقارنة مع 345 صندوقا تملك 80 مليار دولار في نهاية عام 2007.

وتراجع الخام الاميركي الخفيف دولارين الى 100.54 دولار للبرميل بعد أن نزل في وقت سابق الى 99.59 دولار في أول مرة يتراجع فيها دون مستوى 100 دولار للبرميل منذ الخامس من مارس (اذار).

وهبط النفط نحو خمسة دولارات أول من امس الاربعاء ويقل الان نحو 12 دولارا عن المستوى القياسي الذي بلغه يوم الاثنين الماضي عند 111.80 دولار للبرميل. وتراجع سعر مزيج برنت 1.71 دولار الى 99.47 دولار للبرميل.

وقال صندوق النقد الدولي ان مجموعة من العوامل اهمها انخفاض سعر الدولار وهبوط معدلات الفائدة الحقيقية قد «رفع اسعار السلع الاولية والاساسية من خلال عدد من القنوات، بما في ذلك عن طريق تعزيز جاذبية السلع كبديل للاصول الاخرى. واجمالا، يبدو ان هذه العوامل المالية تشرح جزءا كبيرا من الزيادة في اسعار النفط الخام في عام 2008 حتى الآن، فضلا عن ارتفاع أسعار سلع أولية أخرى». واضاف ان «النمو الاقتصادي العالمي من المتوقع ان يتراجع خلال العامين الحالي والمقبل»، مؤكدا في هذا السياق «أن أسعار معظم السلع الاساسية ينبغي ان تبدأ في نهاية المطاف بالتراجع»، لكن الصندوق استدرك قائلا «ما لم يكن هبوط كبير في الاقتصاد العالمي، فان الهبوط في اسعار السلع الاولية سيكون صغيرا».

من ناحية اخرى دعا رئيس لجنة الخدمات المالية بمجلس النواب الاميركي الكونغرس أمس الى النظر في انشاء هيئة لتنظيم مخاطر الخدمات المالية ومنحها صلاحيات واسعة تشمل مجموعة كبيرة من المؤسسات المالية.

وقال النائب الجمهوري بارني فرانك معقبا على الاضطرابات المالية التي اجتاحت الاسواق في الاونة الاخيرة ان بوسع الكونغرس أن يخول مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي) القيام بهذا الدور. وأضاف في وثيقة تحدد الاطار العام لخطاب سيلقيه أمام غرفة بوسطن الكبرى التجارية ان من المهم أن يشمل الاشراف الاطراف الجديدة في أسواق المال وكذلك المؤسسات القديمة التي تؤدي أنشطة جديدة.

وفي الاتجاه ذاته بدأت هيئة الرقابة المالية البريطانية تحقيقا بشأن «مخالفات السوق» حيث اتهمت «متعاملين مارقين» بنشر شائعات بشأن الشركات المسجلة في البورصة وتحقيق مكاسب من وراء هذه الشائعات.

وفيما يتعلق بتوقعات النمو الاقتصادي، توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أمس اتجاه الاقتصاد الاميركي إلى التوقف في النصف الأول من العام الحالي مع اظهاره نموا ضعيفا فقط بعد تراجع سوق بناء المساكن واضطراب أسواق المال.

وقال يورجين إيلميسكوف القائم بأعمال رئيس قسم الاقتصاد في المنظمة للصحافيين في باريس خلال عرض تقييم المنظمة إن «الولايات المتحدة لا تأخذ في اعتبارها فقط حدوث ركود في النصف الأول من هذا العام وإنما حدوث تباطؤ للنمو خلال الفترة القادمة». وقال إنه من غير الواضح معرفة ما إذا كان الاقتصاد الاميركي في مرحلة ركود، لكنه أشار إلى أن هذا الأمر غير مهم. وقال إنها (الولايات المتحدة «تشعر تماما بنفس حالة الركود، وحقيقة الأمر هو أن الاقتصاد ضعيف».

وأضاف إيلميسكوف أيضا أن تراجع أعمال بناء المنازل في الولايات المتحدة قد يصبح «أسوأ تراجع في تاريخ القطاع» بحلول الربع الأول من عام 2009 كما أنه من غير المؤكد أن يتوقف عن التراجع حينذاك.

لكن اقتصاديات منطقة اليورو لن تتضرر بشكل كبير من الأزمة على المدى القريب إذ من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو نسبة 0.5 و0.4% خلال الربعين الأول والثاني من العام. لكنه لم يستبعد إمكانية حدوث «أزمة ائتمان» قد تعيق في نهاية الأمر النمو الاقتصادي في أوروبا.

وعلى صعيد اسواق المال والبورصات العالمية تراجعت أسهم البنوك الأوروبية أمس بعد أن أثارت مؤسستان ماليتان كبيرتان المخاوف بشأن مستقبل نشاطهما في غمرة تجدد حالة التذبذب والتقلب التي تشهدها أسواق المال العالمية بفعل أزمة الائتمان العالمية.

وفي الوقت الذي ذكرت فيه شركة «أليانز» الألمانية أكبر شركة للتأمين في أوروبا أن الاضطراب في أسواق المال ربما يجعل من العسير عليها تحقيق أرقامها المستهدفة من الأرباح، حذرت أيضا مجموعة «كريدي سويس» المالية السويسرية ومقرها زيوريخ من أنها قد تمنى بخسائر في الربع الأول من هذا العام.

من جهتها قالت شركة أليانز ومقرها في ميونيخ في تقريرها السنوي، إن هدفها بزيادة أرباحها التشغيلية بنسبة عشرة في المائة سنويا خلال العامين الحالي والمقبل «أصبح أكثر صعوبة». وفي ظل حالة عدم استقرار أسهم البنوك نظرا لما تشهده البورصات العالمية هذا الأسبوع من تذبذب، فإنها ساهمت في انتشار حالات تراجع جديدة في أسواق الأسهم الأوروبية أمس مع تكبد كبرى المؤسسات المالية الأوروبية خسائر كبيرة في أسعار أسهمها.