مؤسسة دولية: على صناديق الثروات السيادية أن تستثمر في أفريقيا

خبير: يتمثل جانب من التحدي في فهم الآثار الناجمة عن هذه الاضطرابات المالية على ما يُسمى بالاقتصاد «الحقيقي»

أكثر من نصف النمو في الطلب العالمي على الواردات ينشأ من بلدان العالم النامية («الشرق الأوسط»)
TT

وضع روبرت زوليك، رئيس مجموعة البنك الدولي، خطة لصناديق الثروات السيادية لاستثمار 1 في المائة من أصولها في أسهم رأس المال في أفريقيا جنوب الصحراء كوسيلة للاستفادة من السيولة العالمية طويلة الأمد بغرض تعزيز فرص الاستثمار والتنمية.

وأشار زوليك إلى الحاجة الماسة لمواجهة الأخطار المباشرة، وذلك في سياق الاستجابة للأزمة العالمية الحالية بينما يتم وضع الأسس اللازمة لتعظيم الاستفادة من الفرص والأمل للجميع على الأمد الأطول.

وفي كلمة ألقاها أول من أمس قبل اجتماعات الربيع المقررة في الأسبوع المقبل لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، قال زوليك إن مجموعة البنك الدولي ستعمل مع صناديق الثروات السيادية لوضع «حل يقوم على تخصيص نسبة 1 في المائة» من استثمارات أسهم رأس المال لصالح أفريقيا ـ وهي قارة حافلة بالفرص والإمكانات كي تصبح قطباً بديلاً للنمو، كما هو الحال اليوم بالنسبة للصين والهند وغيرهما من البلدان.

وأضاف رئيس المجموعة أن التقديرات تشير إلى أن حجم الأصول التي تحتفظ بها صناديق الثروات السيادية في حدود 3 تريليونات دولار، وإذا ما استطاعت مجموعة البنك الدولي وضع مناهج ومعايير استرشادية، فإن استثمار ولو 1 في المائة من أصول هذه الاستثمارات سيستدر 30 مليار دولار لصالح النمو والتنمية وإتاحة الفرص في أفريقيا.

وأوضح أن استثمار صناديق الثروات السيادية يتيح الفرص، ولا يشكل أمراً تُخشى عواقبه، مضيفاً أن الصناديق السيادية تحتاج إلى ترسيخ مبدأ الشفافية، ولا بد أن تسترشد في عملها بأفضل الممارسات لتلافي خطر التسييس، معتقدا أنه يجب الاحتفال بإمكانية قيام الصناديق التي ترعاها الحكومات باستثمار أسهم رؤوس الأموال في عملية التنمية.

واسترشد بأحد الدروس المستفادة من إعادة تدوير الدولارات النفطية في سبعينيات القرن العشرين هو أن الاستثمارات في أسهم رأس المال تعتبر أكثر استدامة من الديون. وقد بدأ العديد من صناديق الأسواق الناشئة بالفعل في استثمارات طويلة الأجل في أفريقيا.

 ومن سخريات الأقدار في الاقتصاد العالمي اليوم أن هناك ثمة وفرة في السيولة طويلة الأمد برغم جفاف السيولة القصيرة الأجل. ولننظر إلى صناديق الثروات السيادية كدليل على ذلك، وهي إحدى السمات البارزة للعولمة الجديدة والنفوذ المتنامي لاقتصادات البلدان النامية.

تقوم بعض الصناديق السيادية على الطلب على النفط والسلع الأولية الأخرى، بينما جاء إنشاء صناديق أخرى، وبخاصة في شرق آسيا، نتيجة للصدمة التي حلت ببلدان تلك المنطقة في عامي 1997 ـ 1998.

وقامت الحكومات ببناء احتياطيات وقائية تستند إلى سياسات أسعار الصرف، وتحقيق فوائض تجارية، في سبيل توفير «التأمين الذاتي» ضد الأزمات والكوارث التي تحل بأسواق رؤوس الأموال، والإدارة الرشيدة للمالية العامة.

وأفاد زوليك بأن الصناديق السيادية تشكل دعامة بالنسبة لرسملة المؤسسات المالية وأتوقع أنها ستواصل في الأشهر المقبلة تعزيز قدرة العولمة على الاستمرار ـ وتوسيع نطاق اشتمالها للجميع، من خلال زيادة الاستثمارات في أسهم رأس المال بينما يعمل النظام المالي على التخفيف من مستويات الاستدانة العالية، ويؤدي إلى تحسّن المعلومات المتاحة إلى توضيح صفقات الشراء الأفضل.

وتابع المسؤول الدولي بالقول: لقد شهدنا، في الآونة الأخيرة، تعرض المراكز المالية لبنوك تجارية لضربات موجعة، وهي بنوك لم تكن مضطرة على الفور إلى تحديد مركزها المالي وفقاً لأسعار السوق الحالية. وسرعان ما نضبت السيولة قصيرة الأجل في ظل اشتداد حدة الجفاف الذي أصاب مصادر التمويل والمعلومات. وشعرت جهات التمويل التي تقوم بتعبئة الموارد من الأسواق بمختلف فئاتها التي تشمل: بنوك الاستثمار، وصناديق الاستثمار الخاص في أسهم رأس المال، وصناديق التحوط، وحتى الأوراق التجارية التي تصدرها الشركات، بظمأ شديد للسيولة.

وبينما حافظت المؤسسات المالية المتعطشة للسيولة على مواردها، أخذ نموذج التوريق الخاص بالتدفقات النقدية متعددة الطبقات وخسائر القروض الثانوية والتعزيزات الائتمانية في الانكماش، تاركاً أطراف القروض الأصلية (منشأ سندات الدين) في وضع لا يحسدون عليه.

ويتمثل جانب من التحدي الذي يواجه هؤلاء، ونحن معهم، في فهم الآثار الناجمة عن هذه الاضطرابات المالية على ما يُسمى بالاقتصاد « الحقيقي»، أي على معدلات النمو، وفرص العمل، والأسعار، والرواتب والأجور، والأرباح، والتجارة، والمساكن، ومنشآت الأعمال ـ وعلى حياة الأفراد والأسر. علاوة على ذلك، فإن تدهور الأوضاع المالية جاء مقترناً بتغيرين آخرين، هما: ارتفاع أسعار منتجات الطاقة والسلع الأولية على مستوى العالم، والتراجع في كبح الأسعار الذي نشأ على مدار السنوات العشر الأخيرة نتيجة لدخول مئات الملايين من العمالة الجديدة من البلدان النامية إلى قوة العمل على مستوى العالم. ونعرف أن آثار هذه الانعكاسات على الاقتصاد الكلي ليست بالجيدة، لكن نطاق هذا التأثير وشكله بدقة ما زالا غير واضحي المعالم.

والواقع أن السؤال المتعلق بوقع هذه الآثار على الاقتصاد العالمي «الحقيقي» هو ما يربط بين الاضطرابات المالية الشديدة التي نشهدها اليوم وعملنا المتعلق بإقامة عولمة وتنمية مستدامتين ولا تستثنيان أحداً، وأثر ذلك على الأشخاص الساعين إلى تحسين مستوى معيشتهم.

ونوه زوليك إلى أن الفرق الملحوظ بين هذه الفترة من الاضطرابات المالية وتلك التي وقعت في الماضي يكمن في أداء البلدان المتقدمة والبلدان النامية. ففي ندوة في شهر أغسطس (آب) الماضي، أشار أحد المسؤولين المكسيكيين متهكماً، إلى أن بلاده لا تتحمل مسؤولية هذه الاضطرابات في هذه المرة.

وفي واقع الأمر سيتعين على الولايات المتحدة أن تستقي دروساً من هذه الأزمة بشأن أهمية الدور الذي تلعبه الأنظمة المالية والإشراف المالي في سوق دائمة التغيّر، حتى وهي تعمل مع غيرها على معالجة الأضرار التي وقعت وإعادة البناء.

وبين إن مركز هذا الزلزال المالي لم يغير مكانه فحسب، ولكن قوة توابعه قد تفاوتت حتى الآن من سوق إلى أخري. حيث اتسعت فروق أسعار الفائدة على الاقتراض التي كانت ضيقة في السابق بعض الشيء بالنسبة لديون الأسواق الناشئة، لكنها ما زالت معتدلة مقارنة بمعظم الأدوات والمنتجات الائتمانية الأخرى المتاحة. وبطبيعة الحال، فإن الأسواق المالية في البلدان النامية لن تكون بمعزل عن هذه التغيرات، فأسعار الصرف تمر حالياً بتقلبات حادة، كما أن أسعار الأسهم في الأسواق الناشئة قد عانت من جراء ذلك، إضافة الى أن فروق أسعار الفائدة على الديون غير الحكومية ازدادت بشكل كبير بما يتفق مع الأدوات المناظرة في أماكن أخرى.

والأهم من ذلك، أن هناك ما يختلف هذه المرة اختلافاً واضحاً بشأن هذا التباطؤ، وهو أن الصين والهند وغيرهما من القوى الاقتصادية الصاعدة الأخرى تتيح أقطاب نمو بديلة للاقتصاد العالمي. ولا يشكل ذلك «انفصالاً» بالنظر إلى أن العلاقات المتشابكة للعولمة ستنقل الآثار الناجمة عن المشاكل المالية والتباطؤ الاقتصادي في بلدان العالم المتقدمة إلى مناطق أخرى، ولكنه يمثل تنوعاً إيجابياً في مصادر النمو. وأعتبر رئيس المجموعة أن أكثر من نصف النمو في الطلب العالمي على الواردات ينشأ حالياً في بلدان العالم النامية، ويتيح ذلك فرصاً تصديرية أمام اقتصادات البلدان النامية والمتقدمة على حد سواء. كما يشكل إعادة توازن ـ وليس انفصالاً ـ من شأنها مساندة إقامة العولمة المستدامة التي لا تستثني أحداً. ومثلما يُعتبر التنويع مفيداً بالنسبة لأية حافظة استثمار، فإنه يكتسي نفس القدر من الأهمية بالنسبة لمصادر النمو في الاقتصاد العالمي.

وثمة تحد يتعلق بفن إدارة الاقتصاد في الدولة في أوقات كهذه، ويتمثل في أنه يجب إدراك المشهد الحالي الآخذ في التغير، بينما تمر الأحداث متسارعة، حتى يمكننا معالجة الاحتياجات الملحّة، بينما نقوم أيضاً بغرس بذور قد تتحول ذات يوم إلى منتجات داعمة نستخدمها في بناء المستقبل.