لعبة «القط والفأر» تشتعل بين الحكومة والتجار في مصر والأسواق تشهد حراكا تنظيميا غير مسبوق

بعد فرض رسوم على صادرات سلع ومنع تصدير أخرى

TT

تشهد الأسواق المصرية حالة حراك غير مسبوق طوال الخمسين عاما الماضية، فبعد العيش لسنوات طالت أكثر مما ينبغي فى إطار قواعد الاقتصاد الموجه جعلت اتحاد الغرف التجارية ـ بموجب قرارات تعود الى الخمسينات من القرن الماضي ـ يخفي حتى هذه اللحظة البيانات الشهرية لأسعار الخضراوات والفواكه، ويحظر توزيعها إلا في نطاق من يسميهم المختصين.

غير أن التجار والمنتجين وجدوا أنفسهم مؤخرا في مواجهة قواعد جديدة لـ«لعبة» لم يألفوها من قبل مثل قوانين حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، وأجهزة حماية المستهلك، وقرارات لفرض رسوم على صادرات سلع ومنع تصدير سلع اخرى كالأرز والاسمنت. وأخيرا استخدامات من نوع جديد للتعريفة الجمركية عبر خفض الرسوم على سلع منتقاة لتخفيض أسعارها فى الأسواق المحلية بعد أن اشتعلت بفعل عوامل بعضها مستورد والآخر عائد الى جشع التجار وعشوائية الأسواق والنظم. وقد حسب التجار في البداية أن القواعد المستحدثة هي موجة مؤقتة، لكنهم بوغتوا بالإصرار الهادئ والعنيد للوزير رشيد محمد رشيد (حامل حقيبة الصناعة والتجارة) على فرض القواعد التي يعمل بها العالم المتقدم من دون محاولات لإعادة اختراع العجلة.

وأشار رشيد محمد رشيد وزير الصناعة والتجارة المصري لـ«الشرق الأوسط» انه سيوجه الى إعلان كافة بيانات الأسواق، لأن إتاحة المعلومات والشفافية هي اقصر طريق الى سوق حر حقيقي، واعتبر أن استمرار العمل بقرارات بالية لحجب المعلومات، يشبه ما كنا نقرأه على أبواب دور العرض موروثا مما بعد الحرب العالمية الثانية «ممنوع الخروج بعد بدء العرض»، وواصل: إنها البيروقراطية. وقد جاء إعلان تخفيض وإلغاء الجمارك أول من أمس على سلع منها الزيت والحديد والاسمنت ولبن الأطفال واللحوم وأطعمة المرضى، ومن جانب آخر يبذل التجار جهودا للحد من الأثر الذي أحدثه وقف تصدير الأرز، بعد أن تورط بعضهم وخزن كميات ضخمة.

لقد فوجئ التجار بقرار الخفض الجمركي، وبضغوط قوية من الرأي العام لخفض الأسعار، وذلك لعدم اقتناع المصريين بأسباب ارتفاع الأسعار. ومن جانب المعارضين تمت إقامة دعوة إلى الامتناع التام عن شراء اي شيء يوم الأحد المقبل، لتوصيل رسالة الى التجار مفادها بأن المستهلكين طفح بهم الكيل.

وفيما اعترف المهندس رشيد أن السوق المصري يمر بأزمة وخلل هيكلين، وبحاجة إلى إصلاح مستمر، معتبرا ان إصلاحه أصبح القضية الداخلية الأهم، فقد أوضح مصدر مسؤول انها المرة الأولى التي يشعر فيها المواطن أن قواعد السوق الحرة لها «أنياب وأظافر» حيث أدى قرار الأرز الى انخفاض فوري في سعره بدا بـ10 في المائة وبلغ نحو 25 في المائة، وما زال العرض مستمرا. وهناك توقعات بانخفاض في أسعار السلع التي تم تعديل التعريفة الجمركية عليها يمكن أن تصل ما بين 5 في المائة الى 30 في المائة خلال الشهور المقبلة وبشكل تدريجي.

كما توقع عمرو عصفور، بالشعبة العامة لاتحاد الغرف التجارية أن هناك ضرورة لتغيير بعض القواعد، خاصة في السياسة الزراعية والتعاون العربي المشترك لمحاولة تحقيق اكبر قدر ممكن من الاكتفاء الذاتي خاصة في القمح، حيث تعد مصر اكبر مستورد للحبوب في العالم، بالإضافة الى زراعة البذور الزيتية حيث تستهلك مصر 1.1 مليون طن سنويا، تنتج منها 100 ألف طن فقط.

أما بالنسبة للإسمنت فقد كان الانخفاض محدودا بسبب التزايد العجيب في الطلب المحلي، رغم الصراخ المتكرر من وقف الحال لارتفاع سعر الحديد، وذكر بيان صدر عن وزير التجارة والصناعة أمس، أن استيراد الحديد والاسمنت أصبح متاحاً بدون أية قيود كمية او جمركية، مشيرا بذلك الى أولئك الذين قالوا إن الحكومة تعرقل الاستيراد لحساب منتجين بعينهم. ورفض اللواء محمد البنا رئيس هيئة الرقابة على الصادرات والواردات التعليق على الأثر المترتب على ذلك بخصوص زيادة الواردات من السلع المعنية، وقال بيان التجارة، إن الإجراءات الجمركية استهدفت تخفيف الأعباء على المواطنين، وتوفير اكبر كميات من السلع الغذائية الرئيسية مثل زيوت الطعام، ومنتجات الألبان، وبعض الأدوية بأسعار مناسبة من خلال تخفيض أو إلغاء الرسوم الجمركية.

وبالرغم من تباين الآراء حول آليات الحكومة، خاصة من رجال الأعمال والصناع والتجار، الذين هاجموا سياسات الحكومة بالتغريد خارج سرب آليات اقتصاد السوق الحر، إلا أن رئيس اتحاد الغرف التجارية السابق والمستورد والمصدر للسلع الغذائية خالد أبو إسماعيل قال، إن الآليات التي اتخذتها الحكومة لا تتعارض مع اتفاقيات التجارة العالمية، بل وهي حق أصيل للدولة، مضيفا أن مصر تستحق تجارة أفضل وأسواقا أكثر عصرية. وتوقع أبو اسماعيل نجاح الحكومة المصرية في الرهان على خفض الأسعار وامتصاص ارتفاع الأسعار في الوقت الحالي على الأقل، بينما أوضحت المهندسة عنان هلال نائب رئيس جهاز حماية المستهلك، أن على الحكومة المصرية أن تتخذ ما يناسب المصلحة العامة من إجراءات وهي لا تبتدع في ذلك وتقتدي بالتجارب العربية والعالمية، مثل خفض الجمارك ومنع التصدير، موضحة أن هذه الآليات ستؤدي الى خفض الأسعار خلال الفترة المقبلة، إلا أنها تتوقع ألا يحدث انخفاض في الأسعار إلا في حدود انخفاض التعريفة الجمركية على الأكثر.