السعودية: خفض سعر إعادة «الشراء العكسي» ولا تغيير بسعر الإقراض

خبراء اقتصاديون: التضخم أحد الآثار الجانبية للطفرة الاقتصادية

أبقت السعودية سعر الإقراض من دون تغيير عند 5.5 في المائة (خدمة شاتر ستوك)
TT

أعلنت السعودية أمس رسميا التي تربط عملتها الريال بالدولار الأميركي، خفض سعر إعادة الشراء العكسي بمقدار 25 نقطة أساس بعد خفض سعر الفائدة الأميركي إلى 2 في المائة بدلا من 2.25 في المائة، لكنها أبقت على سعر الإقراض من دون تغيير عند 5.5 في المائة.

وبرغم تأخر «مؤسسة النقد» في السعودية عن إعلان هذا التوجه الموازي للخفض الأميركي من صباح الخميس حتى صباح أمس السبت، إلا أن ذلك بدا نتيجة لطبخ بعض القرارات الأخرى المساندة لضبط وقع الخفض وتعزيز السياسات النقدية الداخلية وإيقاف انسياب السيولة في الاقتصاد المحلي، إذ تم الإعلان عن رفع متطلبات الاحتياطي إلى 13 في المائة من 12 في المائة، بينما زادت سعر الودائع لأجل إلى مثليه إلى 4 في المائة من 2 في المائة. وعادة ما يبّلغ البنك المركزي السعودي قرارات أسعار الفائدة إلى البنوك فقط وفي بعض الأحيان يؤكدها في بيانات.

وخفض مجلس الاحتياطي الاتحادي «المركزي الأميركي» سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية كما كان متوقعا، ولمح إلى أن التحرك قد يكون الأخير في سلسلة تهدف إلى حماية الاقتصاد من أزمة الائتمان وتراجع سوق العقارات، ليكون هذا الخفض السابع على إجمالية .253 في المائة منذ 18 سبتمبر (أيلول) الماضي.

وكانت بعض دول الخليج قد بادرت بالإعلان عن خفض الفائدة فور إقرار «الفيدرالي الأميركي» وهي الإمارات والبحرين وقطر بمعدل مواز للخفض الأميركي وصولا إلى معدل 2 في المائة، بينما أبقت على أسعار فائدة «الريبو»، في وقت أبدى فيه البنك المركزي القطري توجهها لرفع سعر الإقراض الرئيسي لمواجهة التضخم، في مبادرة هي الأولى من نوعها بالنسبة لها.

ويجبر ربط عملات دول الخليج بالدولار الأميركي، باستثناء الكويت التي فكت دينارها من الدولار بمايو (أيار) المنصرم، البنوك المركزية الخليجية على اتباع خطى مجلس الاحتياطي الاتحادي للإبقاء على القيمة النسبية لعملاتها على الرغم من ارتفاع التضخم وازدهار اقتصادات هذه الدول.

ويعتقد فضل البوعينين خبير اقتصادي سعودي، أن الوقت قد أزف لمواجهة المتغيرات الاقتصادية المحلية بمعزل عن المتغيرات العالمية، مشددا على أهمية الخروج بقرارات حيوية وديناميكية سريعة التأثير ولكنها عقلانية التطبيق في خطى مكافحة الضغوطات التضخمية الذي أرهق كاهل طبقتين الوسطى والفقيرة في البلاد.

وقال لـ«الشرق الأوسط» البوعينين: «على أساس أن أرقام التضخم ارتفعت إلى 9.6 في المائة في الوقت الذي بشرت فيه مؤسسة النقد بإمكانية خفض نسبة التضخم المحلية»، متوقعا أن نسبة التضخم ستلامس 12 في المائة قريبا إذا استمرت الأوضاع الاقتصادية على حالتها الحالية وتماشت مع خفض نسب الفائدة.

وأضاف البوعينين: نعلم أنه لا مناص من مواكبة السياسة النقدية السعودية للسياسة النقدية الفيدرالية بحكم الارتباط النقدي، إلا أن هذا لا يمنع من إيجاد حلول جذرية لمشكلة الغلاء والتضخم التي ستكون نتيجة حتمية لمواصلة خفض الفائدة، مشيرا إلى أن السياسات التي يجب أن توجب ينتظر أن تكون بديلة طوارئ للقيود الحالية خاصة فيما يتعلق بالسياسة المالية.

ودعا الخبير الاقتصادي البوعينين ضمن مقترحات خطة الطوارئ إلى جدية النظر في جدولة المشروعات الحالية، بحيث يتم تأجيل غير الملح منها بهدف ضبط النفقات الحكومية وبالتالي سحب السيولة الإضافية من السوق، مشددا على أن «سحب السيولة لا بد أن يكون باستخدام أدوات أخرى من الأدوات التي يعرفها المصرفيون والخبراء الاقتصاديون وهي متاحة للسعوديين بشكل يسير وسهل».

ولفت البوعينين إلى أن من بين المقترحات وقف تصدير السلع الأساسية والإنشائية التي تعد أحد عوامل صعود الأسعار، حيث يمكن للتجار في الخارج شراء واستهلاك الإنتاج المتاح لمواد وسلع البناء والتشييد والإنشاء، مشددا على أهمية توفير السلع الأساسية بأسعار التكلفة وخاصة لشرائح المواطنين ليخفف عنهم حدة الضغوطات التضخمية المرشحة.

وزاد البوعينين أن من بين المقترحات صرف مرتبات مقطوعة للضمان الاجتماعي وذوي الدخول المحدودة والنظر في تحمّل الدولة تكلفة الكهرباء لمشتركي الضمان الاجتماعي والمتقاعدين الذين تقل مرتباتهم التقاعدية عن 3 آلاف ريال (800 دولار) لاسيما في فترة الصيف الحالية.

ويعرف أن كل خفض للفائدة يعني انخفاضا لقيمة الدولار في الأسواق العالمية، وهو ما يعني تراجع قيمة الريال السعودي الذي هو مربوط بالدولار، وعلى ذلك تقل قيمة عملة الريال مع مواصلة خفض الفائدة، مما زاد من تنبؤات الاقتصاديين على أن خفض الفائدة الأميركي الأربعاء الماضي ربما يكون الأخير، وذلك نتيجة ظهور بوادر تضخم في الاقتصاد الأميركي.

وهنا، يؤكد البوعينين أن الإيحاءات بتحرك الحكومة الأميركية لوقف خفض الفائدة يزيد من أهمية التمعن في تطبيق البنك الفيدرالي الأميركي لسياسة نقدية متطابقة مع احتياجات مواطنيه وبمعزل عن حاجات الآخرين، ما يجعل السعوديين أكثر مطالبة بمعالجة التضخم الذي وصل رقما قياسيا لا يمكن تحمله. من ناحية أخرى، ينظر جون اسفياناكيس كبير الاقتصاديين في البنك السعودي البريطاني «ساب» خلال تقرير ربعي أصدره اخيرا، أن التضخم يعد أحد الآثار السلبية للطفرة الاقتصادية، متوقعا أن يؤثر سلبا في توجهات الشركات المحلية خلال الربعين المقبلين.

وقال اسفياناكيس إن التوقعات السابقة حول أن يصل متوسط معدّل التضخم إلى 7.9 في المائة في عام 2008 جاءت مبنية على أن كلّ المؤشرات رجّحت حدوث تزايد في معدلات التضّخم خلال السنة، مشيرا إلى أنه مع أن الدعم المالي الحكومي المعلن سيُحسن معدلات الدخل خلال فتــرة التضّخــم المتزايــد، إلا أن أغلب الأسعار ستواصل اتجاهها التصاعدي ـ لأنّ الإيجارات والسلع الغذائية، من بعدها، سوف يستمران في توليد المزيد من ضغوط التضخم.

وطبقا للدراسة التي أعدها ساب، فإن القطاع الخاص وتحديدا 77 في المائة من المشاركين لا يتوقعون إعادة تقييم الريال السعودي خلال الربعين المقبلين، بدا أن الشائعات والتكهنات التي شهدتها السوق في هذا الشأن ستتلاشى في المستقبل المنظور على أقل تقدير (تحديداً في الربعين المقبلين). وقد طرحنا هذه المرّة سؤالا حول العملة الخليجية الموحّدة التي من المقرّر إصدارها في عام 2010، للوقوف على الآراء المتعلّقة بطبيعة علاقة هذه العملة مع العملات الأخرى، فكانت النتيجة على النحو الآتي: 43 في المائة من المشاركين يعتقدون أنّها ستكون مرتبطة بالدولار الأميركي، و15 في المائة منهم يتوقّعون أنها ستكون عملة مستقلّة، بينما رأى 42 في المائة منهم أنها سوف ترتبط بسلة من العملات.

من جانبه، يرى أحمد الحديد، وهو خبير مصرفي، أن تواصل أداء الخفض سيعني سلسلة متصلة مع بعضها تنتهي في نهاية المطاف إلى اضطراب اقتصادي عام، فمع خفض الفائدة ستكون السيولة عالية نتيجة أن الشركات ستتبنى استراتيجيات جديدة من الاقتراض الذي سيؤدي بالضرورة إلى طلب عال في الأسواق على الاستهلاك ومن ثم الوقوف أمام سيناريو جديد من صعود الأسعار.

وقال الحديد خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن ترجمة انخفاض الفائدة ومسايرة السياسة النقدية لـ«الفيدرالي الأميركي»، سينتج في النهاية إلى «الأسعار» إلا أن الخيارات المتاحة ستظل محدودة أمام مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما» لعل أهمها هو سحب السيولة عبر إصدار صكوك، وهو الأمر الذي لا يجدي، وذلك لتعذّر القدرة على إصدار صكوك بعشرات المليارات.

وزاد معدل التضخم في السعودية وزاد إلى الضعف تقريبا خلال 6 أشهر حتى مارس (آذار) مدفوعا للصعود أساسا بزيادة الإيجارات وأسعار المواد الغذائية، إلى قرابة 10 في المائة تقريبا في مارس مسجلا أعلى مستوياته في نحو 30 عاما، مما زاد الضغوط على الدولة لموازنة ضغوط الأسعار على السكان البالغ تعدادهم 25 مليونا، في وقت جعل التضخم يشكل تحديا رئيسيا يواجه دول الخليج العربية.

ومن المهم الإشارة إلى أن بعض حكومات دول الخليج التي لا تزال تربط أسعار صرف عملاتها بالدولار الأميركي الضعيف حاليا، ذهبت خلال النصف الثاني من العام المنصرم إلى رفع مرتبات وأجور موظفيها، بل اتجهت إلى أكثر من ذلك عبر إعلان دعم سلع وتطبيق رقابة على الأسعار وتشديد القيود على الإقراض لتقليل تأثير زيادات الأسعار على المستهلك العادي.

ومن بين الإجراءات التي اتخذتها السعودية لمساعدة مواطنيها على مواكبة التضخم المتزايد، تقديم دعم لمساعدة السعوديين ذوي الدخول الأقل ومنح علاوات غلاء معيشة لموظفي الدولة بواقع 5 في المائة بجانب خفض الرسوم على واردات بعض السلع الغذائية المختلفة كان من بينها الأرز والحليب والشعير.