رئيس «ايفولفنس كابيتال»: دول الخليج ستجني 1.6 تريليون دولار حتى لو لم تستثمر دولارا واحدا إضافيا

المهيري: على صناع القرار في العالم ألا يقلقوا حيال فوائض عائدات الخليج النفطية

TT

في الوقت الذي تحقق فيه اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي عائدات قياسية من صادراتها النفطية ومن الاستثمارات الطموحة لصناديقها الاستثمارية بالخارج، يرى خالد المهيري الرئيس التنفيذي لمجموعة «ايفولفنس كابيتال»، والذي يدير أصولا تزيد عن 1.5 مليار دولار، أن تدفقات السيولة الضخمة هذه لن تؤدي إلى خلق فقاعات أصول أو تضخم، ولن تعمل على تشتيت عملية توظيف الرساميل عالمياً للأسباب التي يوضحها في الحوار التالي: > هناك قلق من المستثمرين حول هذا الارتفاع التاريخي لأسعار النفط وانعكاساتها على العوامل الكلية للاقتصاد على المدى الطويل، فهل هناك ما يبرر هذا القلق؟ ـ ما من شك في أن ثروات دول مجلس التعاون الخليجي تنمو بقوة، ففي ظل سعر لا يزيد على 70 دولارا لبرميل النفط، سوف تصل عائدات دول المجلس من صادراتها النفطية إلى أكثر من 6.2 تريليون دولار على مدى الأربعة عشر عاما المقبلة. أما على أساس سعر 100 دولار للبرميل فإن قيمة العائدات ستصل إلى 9 تريليونات دولار.

وهذا يعني أن دول المجلس مجتمعة مرشحة لتحقيق عائدات تزيد على 6 تريليونات دولار حتى عام 2022، أي أكثر من 3 أضعاف ما حققته خلال الفترة من عام 1993 حتى عام 2006، وذلك وفقاً لتقرير حديث نشرته مجموعة الأبحاث العالمية «ماكينزي». وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار الارتفاع في قيمة الأصول، فسوف يسهم ذلك في رفع قيمة الثروة الخارجية لدول المجلس إلى 8.3 تريليون دولار.

ودول مجلس التعاون الخليجي، وحتى لو لم تبادر إلى استثمار دولار واحد إضافي، سوف تحصد من أصولها الخارجية الحالية عائدات تزيد على 1.6 تريليون دولار خلال الأربعة عشر عاماً المقبلة. هذا يقودنا الى مشكلة اخرى تواجه دول الخليج وهي مشكلة السيولة الهائلة الفائضة خاصة في ظل محدودية الفرص المحلية والاسقاط السياسي على استثماراتها في الغرب كما رأينا مثلا في مسألة الصناديق السيادية. دول المجلس اليوم تعادل الصين باعتبارها أحد أكبر مصادر رأس المال الفائض على مستوى العالم. ووفقا لبيانات عام 2006 وصلت التدفقات الخارجية الصافية من دول المجلس إلى 202 مليار دولار، ومن المحتم بالإضافة إلى ذلك أن يتم توجيه جزء من السيولة الفائضة الحالية إلى المزيد من الاستثمارات الخارجية.

وتقف عوامل عدة وراء نمو هذه الاستثمارات أبرزها أسعار النفط العالمية ومستويات الاستثمارات المحلية، فبحسب بيانات تقرير «ماكينزي» من المتوقع أن يصل حجم استثمارات صناديق الاستثمار الخليجية في أسواق المال العالمية إلى 3.5 تريليون دولار خلال الفترة من العام الجاري حتى عام 2020. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار الارتفاع في قيمة الأصول فسوف ترتفع قيمة ثروة دول المجلس الخارجية إلى 8.3 تريليون دولار. وبالطبع فإن سيولة بهذا الحجم ستكون لها انعكاساتها على الأسواق العالمية على المدى الطويل.

> هل يمكن القول إن الأموال الخليجية أصبحت بالفعل قوة مهيمنة عالميا؟

ـ بالفعل، كانت للاستثمارات الخليجية آثارها الملموسة في أسواق المال العالمية، فقد شهدنا في 2007 العديد من الصفقات الضخمة في ظل التزايد المستمر في عدد صناديق الاستثمار السيادية الرامية إلى تنويع سياساتها الاستثمارية.

> مع هذه السيولة، هل هناك مخاطر من تضخم أسعار الأصول التي تسعى وراءها الصناديق الخليجية؟ ـ من المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة تنامياً في أنشطة الدمج والحيازة، بيد أن توفير السيولة للأسواق العالمية وضخ الاستثمارات التي تحتاجها شركات الملكية الخاصة وصناديق التحوط لا تؤدي بالضرورة إلى تضخم في أسعار الأصول أو إلى نشوء المضاربات المالية، فبالنظر إلى تجاربها السابقة، يمكن القول إن دول المجلس نجحت هذه المرة في إدارة عائداتها النفطية بحكمة، حيث وظفت جزءا منها في تسديد ديونها الخارجية، ليتراجع حجم ديونها إلى 15% من إجمالي الناتج المحلي المجمع لها. كما قامت بزيادة الاستثمار في مبادرات تهدف إلى تعزيز نمو القطاعات الاقتصادية غير النفطية.

ويمكن القول إن دول المجلس أعلنت عن خطط طموحة للاستثمار في البنية التحتية وقطاعات الصناعة والرعاية الصحية والتعليم، كما تعتزم أيضاً الاستثمار في أسواق المال المحلية لتحفز أداء البورصات الإقليمية ولتعزيز أداء المنتجات المالية الحديثة التي برزت مؤخراً على الساحة. وهذا من شأنه أن يسهم في الارتقاء بأداء الأسواق الإقليمية وأن يطرح قيما مغرية وخيارات واسعة أمام المستثمرين الأجانب. ومثال اود طرحه هنا يقول إن تدفقات الاستثمارات الخارجية المباشرة إلى دول مجلس التعاون نمت من ملياري دولار فقط في 2001 لتصل إلى ما يزيد على 20 مليار دولار في 2005، ومتوقع ان تنمو هذه الاستثمارات بصورة أكبر مع طرح منتجات جديدة في الأسواق المحلية وفي ظل ما تتمتع به حاليا من قيم مغرية.

والمستثمر الخليجي يعتمد اليوم سياسات جديدة لتقييم جبهات استثمار أحدث لتنويع محافظه الاستثمارية الخارجية، فهو لم يعد يركز فقط على الاستثمارات عالية العائد، وأنا اتفق مع النظرية القائلة بأن المستثمر اليوم يبحث عن الاستثمارات التي تسهم في نقل التقنيات والمعرفة وتسهم في تحسين اقتصاديات المنطقة.

وبالإضافة إلى ذلك هناك اهتمام متزايد ببقية الأسواق الناشئة. ففي الماضي ركزت محافظ الاستثمار الخليجية على أميركا الشمالية وأوروبا، إلا إنني أرى اليوم إن «طريق حرير» جديدا بدأ يبرز على الساحة حيث يتوجه جزء من اهتمام الخليج إلى فرص جديدة في آسيا والشرق. ويتوقع البعض أن تتضاعف حصة آسيا من 10 في المائة اليوم إلى 20 في المائة بحلول عام 2020.

حتى مع هذا النمو نرى أن أهم الأدوات الاستثمارية المحلية أي الأسواق المالية تكاد تكون في عالم آخر ولا تعكس تماما الفورة الاقتصادية. دول المجلس لم تكن مهيأة خلال الطفرة النفطية في منتصف السبعينات وبداية الثمانينات لاستيعاب ارتفاع قيمة عائداتها النفطية إلى ستة أضعاف مستوياتها السابقة، بيد أن الوضع اليوم مختلف في ظل الأنظمة المالية الصارمة، ومع تطبيق سياسات خفض الدين، والتحسن الملموس في أداء أسواق الأسهم، حيث تفوق نسبة الرسملة السوقية لأسواق الأسهم إلى إجمالي الناتج المحلي في دول المجلس وبكثير. حتى أكثر الأسواق الناشئة نشاطا، بل وتتماشى مع المستويات الحالية في الأسواق المتقدمة التي وصلت إلى مرحلة النضج.

ومن المنتظر أن تواصل أسواق الأسهم بدول المجلس النمو والتطور مع طرح المزيد من الشركات الحكومية للاكتتاب في الأسواق المحلية أو مع قيام شركات الاستثمار المملوكة للدولة بتفعيل استثماراتها بصورة أكبر. ويمكن للحكومات من جهة أخرى أن تعمل على تعزيز أداء أسواق السندات الإقليمية الصغيرة من خلال إصدار دوري للسندات لخلق منحنى عائد ولمساعدة الأسواق على تسعير الدين بفعالية. وربما تبدو هذه الخطوة غير ضرورية في ظل الفوائض المالية الضخمة التي تتمتع بها حاليا دول المجلس، إلا أن تجربة سنغافورة أظهرت حجم التأثير الإيجابي الذي يمكن أن يحدثه برنامج دين عام نظامي حتى في ظل ظروف رخاء كالتي تعيشها دول المجلس حاليا.

ومن هذا المنطلق يتبدى بوضوح إنه ما من داع هناك للتخوف من نمو مفرط، وأن على صناع القرار في العالم ألا يقلقوا كثيراً حيال فوائض العائدات النفطية لدول المجلس. فالدلائل المستمدة من تجارب سابقة تؤكد أن الفقاعات تنشأ نتيجة لسلسلة من العوامل، ولا يوجد عامل واحد كاف في حد ذاته لخلق فقاعة في أحد الأسواق، كما إنه من الأنسب دوماً البحث عن علاج للفقاعات بدلا من إضاعة الوقت في علاج أعراضها.