بريطانيا: التوقعات الاقتصادية المتشائمة سيدة الموقف

وسط تحذيرات من تراجع قوي في أسعار العقارات في العام الحالي

TT

يبدو ان الاخبار السيئة لا تزال تطارد الحكومة البريطانية، التي تعاني من هزة الانتخابات المحلية اصلا، حيث يطغى الطابع التشاؤمي على معظم التقارير الاقتصادية، التي في اغلبها بدأت تحذر بصوت مرتفع من تداعيات الركود.

وفي هذا الاطار نفى رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون أمس أن تكون سياساته الضريبية تنتهك القواعد المالية الحكومية، وأعرب عن أمله في أن يتمكن بنك انجلترا المركزي من القيام بمزيد من الخفض في أسعار الفائدة.

وقال براون ان المشكلات التي تواجه الاقتصاد البريطاني عالمية في الاصل، وانه ربما كان أفضل من يعالج القضايا، رافضا تلميحات الى أنه ينبغي أن يتنحى لتجنب خسارة حزب العمال الذي يقوده في الانتخابات العامة القادمة.

وردا على سؤال بشأن ما اذا كان يرغب في خفض أسعار الفائدة مجددا، قال لراديو هيئة الاذاعة البريطانية: «امل في أن نتمكن من عمل ذلك لكنني قلت دائما ان هذا الامر يخص بنك انجلترا».

لكن عنوان صحيفة «فايننشال تايمز» الرئيسي الصادر على الصفحة الاولى أمس قال: «لا يوجد خفض للفائدة قبل 2010». وأوضحت الصحيفة ان التضخم بدأ بالارتفاع بشكل أكبر من المتوقع، ولن تتم معالجته قبل عامين. فقد عدل بنك انجلترا أول من أمس بالزيادة توقعاته للتضخم، فيما يشير الى عدم وجود مساحة تذكر أمام مزيد من التخفيف في السياسة النقدية رغم التوقعات بالتباطؤ الشديد في النمو واحتمال حدوث ركود.

وخفض البنك أسعار الفائدة ثلاث مرات منذ ديسمبر (كانون الاول) الى خمسة في المائة وتوقع محللون خفضا اخر في يونيو (حزيران)، وذلك قبل نشر بيانات التضخم. وبدد تقرير البنك تلك الآمال. ورفض براون تلميحات بأن زيادة مفاجئة في خفض الضرائب بمقدار 2.7 مليار جنيه استرليني أعلنت في وقت سابق من الاسبوع، انتهكت القواعد التي وضعت بينما كان وزيرا للمالية لاحكام السيطرة على الوضع المالي للحكومة، من خلال تشديد القيود على الاقتراض لتمويل استثمارات.

وقال: «لا أقبل ذلك. لم ننتهك القواعد. القاعدة خاصة بالدورة الاقتصادية. لا ننظر الى كل ميزانية على حدة. ما الذي تهدف اليه تلك القواعد.. تهدف للمساعدة في الاوقات العصيبة.. عندما نواجه تباطؤا عالميا.. من أجل اتخاذ قرارات صائبة بالنسبة للاقتصاد. نمر بأوقات صعبة ونحن بحاجة الى المرونة لنتمكن من دفع الاقتصاد قدما».

وأضاف أن المشكلات التي تواجه بريطانيا مرتبطة بارتفاع اسعار السلع والمصاعب في القطاع العقاري وان خبرته الدولية تعني أنه في وضع أفضل لتوجيه الاقتصاد في هذه الاوقات.

وتابع أن حكومته ستتخذ مزيدا من الاجراءات لمساعدة سوق الاسكان والعمل مع بلدان أخرى للضغط على منظمة البلدان المصدرة للبترول (اوبك) لزيادة امدادات النفط. وأكد بنك إنجلترا أول من أمس أن نمو اقتصاد بريطانيا سيواصل تراجعه في الوقت الذي يحاول فيه البنك زيادة سعر الفائدة لكبح جماح التضخم. وذكر البنك في تقريره ربع السنوي الذي أعلنه محافظه ميرفين كينج، أن معدل التضخم سيظل أعلى من 2% الذي تستهدفه الحكومة خلال العامين المقبلين، الأمر الذي سيلحق ضررا واضحا بالاقتصاد البريطاني. كانت البيانات الصادرة الثلاثاء قد أظهرت أن معدل التضخم في بريطانيا بلغ خلال إبريل (نيسان) الماضي 3%.

قال كينج إن الاقتصاد يسير في طريق مملوء بالحفر والمطبات، ولكنه نفى أن يكون الاقتصاد البريطاني قد دخل بالفعل مرحلة الركود. وأضاف أنه يتوقع تباطؤا حادا في معدل نمو الاقتصاد البريطاني خلال العام الحالي، ولكنه سيعاود النمو من جديد مدعوما بضعف قيمة الجنيه الإسترليني مما سيعزز الصادرات البريطانية وسهولة الوصول إلى أسواق المال الدولية. وقال إن الصبر مطلوب في هذه المرحلة وإن معدل التضخم سوف ينخفض إلى المستويات المستهدفة في ما بعد.

ومع توجه تركيز البنك المركزي لمعالجة قضية التضخم يبدو ان القطاع العقاري البريطاني معرض للمزيد من الهزات في الفترة المقبلة. وهنا فإن التقارير الصادرة عن المؤسسات المالية الخاصة تؤكد ان الثقة في سوق العقار البريطاني السكني في ادنى حد لها منذ اكثر من ثلاثين عاما، بسبب الانخفاض المتواصل للأسعار وشحة المتوفر من القروض العقارية في الاسواق للزبائن الجدد.

وقد اكد تقرير «هيئة المساحين الملكية» (Rics) الاخير، ان 95 في المائة من المساحين في بريطانيا، سجلوا تراجعا وانخفاضا لاسعار العقارات خلال الشهر الماضي، وهي اعلى نسبة يسجلها المساحون منذ عام 1978. ويقول التقرير ان 100 في المائة من المساحين في المناطق الشمالية الغربية وشرق انجلترا وبعض مناطق الشمال سجلوا انخفاضا في اسعار العقارات. ولم تشهد أي من هذه المناطق أي نسبة ارتفاع ولو بسيطة على الاسعار منذ اشهر.

وبدأت حمى التراجعات والانخفاضات تطال الاسواق الاسكوتلندية في الشمال، وخصوصا المناطق التي كانت تسجل ارتفاعا متواصلا للاسعار خلال الاسابيع القليلة الماضية. وحسب «هيئة المساحين»، فان ذلك يعود اما الى معاناة المشترين وعجزهم عن الحصول على القروض التي يحتاجونها، واما الى احجامهم عن دخول السوق وتفضيل الانتظار والترقب لمعرفة ما سيحصل في السوق.

ورغم ان المؤسسات المالية والبنوك مررت التخفيض على معدل الفائدة العام الذي اقره البنك المركزي في انجلترا الى زبائنها فإن عدد المنتوجات العقارية المتوفرة في الأسواق يتراجع يوما بعد يوم، من دون وجود أي اشارات على تحسن الطلب على العقارات في المستقبل القريب. ويبدو ـ حسب التقرير ـ ان عدد الصفقات العقارية التي تم ابرامها خلال الربع الاول من هذا العام (2008 ) كان الأدنى منذ عام 1997 ايضا. كما ان عدد العقارات لم يتم تصريفها وبيعها كان الاعلى منذ اكثر من عشر سنوات أي منذ عام 1998.

وحذرت «هيئة المساحين الملكية»، من تدهور السوق العقاري السكني بشكل اكبر، إذا ما تواصل التراجع في الأداء الاقتصادي العام، إذ ان من شأن هذا التراجع دفع الكثير من اصحاب العقارات الى عرض عقاراتهم في السوق باسعار منخفضة جدا ،مما سيؤثر سلبا على السوق بشكل دراماتيكي. وتابعت بالقول: كما هو معروف فإن الشحة او النقص في عدد المنازل المتوفرة في الاسواق تدعم الاسعار عادة وتقويها او تبقيها على معدلات ثابتة، اما الوفرة فتقلل من قيمتها وتساهم في انخفاضها. ويبدو ان الاسواق بدأت، وحسب بوادر الشهر الماضي تدخل مرحلة الوفرة.

ويقول المتحدث عن الهيئة ستيفن ثورنتون، بهذ الصدد، ان هناك ارتفاعا كبيرا في العقارات المعروضة للبيع في لندن خلال الشهر الماضي، بسبب مخاوف اصحابها من خسارتها وتحاشي عملية مصادرتها (إعادة الحيازة). وكانت وزارة العدل البريطانية، قد حذرت من ارتفاع معدل المصادرات العقارية او ما يعرف باعادة الحيازة (استعادة البنوك العقارات من اصحابها بسبب عجزهم عن الوفاء بديونهم العقارية واقساطهم الشهرية المترتبة عليهم)، بنسب اخطر من النسب التي وصل اليها بداية التسعينيات، إذ ان عدد المنازل المصادرة او حالات اعادة الحيازة ارتفع بنسبة 17 في المائة خلال الربع الاول من هذا العام عما كان عليه في نفس الفترة من العام الماضي (2007). وتقول مؤسسة «شلتر» (Shelter )، في هذا الإطار، ان عدد العقارات التي يتوقع ان تتم مصادرتها هذا العام سيصل الى 53 الفا. وكان هذا العدد قد وصل الى 59 الف عقار عام 1993 حيث شهد السوق آنذاك تراجعا تاريخيا على صعيد الاسعار.

مهما يكن، فإن «هيئة السماسرة الوطنية، اكثر تفاؤلا من المساحين والمؤسسات الرسمية والخاصة بشأن مستقبل سوق العقار واتجاهاته، إذ يؤكد بيتر بولتن كينغ عن الهيئة: ان انخفاض اسعار العقارات لا يزال متواضعا والصورة مشوشة، إذ ان بعض المناطق تعاني اكثر من غيرها.. من المهم جدا ان نتذكر ان العوامل التي تدعم سوق العقار السكني لا تزال في مكانها.