نقل السلع الغذائية حول العالم يكلف البيئة الكثير

دراسة حديثة: 3% من الانبعاثات في العالم تحدث خلال نقل السلع الغذائية

المفوضية الأوروبية تحمل الشحنات من وإلى الأتحاد الأوروبي المزيد من الرسوم مقابل الانبعاثات (إ ب أ)
TT

يُصطاد سمك القد في النرويج ويُرسل إلى الصين ليتم إخلاؤه من الحسك، وبعد هذا يعود السمك المخلي إلى النرويج مرة أخرى ليباع هناك. كما يملأ الليمون الأرجنتيني أرفف المحلات في إسبانيا، لأن الليمون المحلي الإسباني يتلف بسرعة. وتُزرع وتُعبأ نصف كمية البسلة التي تباع في أوروبا في كينيا. في الولايات المتحدة، تقول «فريش ديركت» إن موسم فاكهة الكيوي قد امتد ليغطي العام كله، وقد أصبحت إيطاليا أكبر مورد في العالم للكيوي، الذي يعد الفاكهة القومية في نيوزلندا. تنقل السلع الغذائية حول العالم منذ أن تمكن الأوروبيون من إحضار الشاي من الصين، ولكن تغيرت وتيرة النقل وكمية السلع المنقولة خلال الأعوام القليلة الماضية. ولا يقتصر الاستهلاك على الدول الأغنى، فقد باتت الدول النامية تنتظر توافر الطعام الذي تحب وقتما تشتهي بغض النظر عن الجغرافيا أو موسم هذه السلعة. وقد ساعدت شبكة المواصلات العالمية المتسعة على نقل السلع الغذائية قبل أن تفسد من أماكن بعيدة تحتوي على يد عاملة رخيصة. وساعد على نمو هذا النشاط دخول بعض الشركات مثل كارفور و«وول مارت» و«تيسكو» لأسواق كبيرة في العديد من الدول بدءا من الصين حتى المكسيك. ولكن تؤدي عمليات نقل السلع الغذائية إلى تلوث البيئة، خاصة بسبب انبعاث ثاني أكسيد الكربون، وهو الغاز الأساسي المتسبب في الاحتباس الحراري العالمي، من وسائل النقل. وحسب اتفاقيات تجارية قديمة، يتم إعفاء الوقود الذي يستخدم في عمليات الشحن الدولية عن طريق البر والبحر من الضرائب. ولكن يرى الكثيرون من المهتمين بشؤون البيئة وعلماء الاقتصاد والسياسيين أن الوقت قد حان لتدفع شركات الشحن والمستهلكون مقابل التلوث الذي تتسبب فيه عمليات الشحن عن طريق فرض ضرائب واتخاذ بعض الإجراءات الأخرى.

ويقول باول واتكيس، وهو أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكسفود «نحن ننقل البضائع حول العالم بطريقة غريبة جدا». وقد كتب واتكيس تقريرا حديثا للاتحاد الأوروبي عن واردات السلع الغذائية. ويشير واتكيس إلى أن بريطانيا تستورد وتصدر 15 ألف طن من نوع معين من الكعك سنويا، وبنفس الصورة ترسل، ويصلها ما مجمله 20 طنا من المياه المعبأة بالتبادل مع أستراليا. ويضيف واتكيس أن أكثر ما في الأمر هو أننا ندفع التكلفة البيئية لكل هذه الرحلات».

وتستعد أوروبا لتغيير هذا الوضع، فقد أعلنت المفوضية الأوروبية في بروكسيل هذا العام، أن الرحلات الجوية التي تحمل شحنات من وإلى الاتحاد الأوروبي سيفرض عليها رسوما مقابل الانبعاثات التي تنتجها والتي تسبب تلوث البيئة.

وتناقش المفوضية مع المنظمة الدولية للملاحة البحرية العديد من البدائل لتقليل الغازات المنبعثة من البيوت الزجاجية. وإذا لم يتم التوصل إلى حل بنهاية هذا العام، فسيتم إدراج الشحن البحري في برنامج رسوم الانبعاثات الأوروبي، حسب باربرا هيلفريتش، وهي متحدثة باسم إدارة البيئة بالمفوضية الأوروبية. وتضيف فيلفريتش «إما أن يقوم كل شخص بتقليل هذه الانبعاثات أو عليه تحمل الثمن بصورة أو بأخرى».

وقد ارتفعت واردات الاتحاد الأوروبي، الذي يعد أكبر مستورد للسلع الغذائية في العالم، خلال الأعوام الخمسة الماضية بمقدار 20 في المائة. وتضاعفت تقريبا قيمة واردات الولايات المتحدة من الفاكهة والخضروات الطازجة خلال الفترة من 2000 إلى 2006. يذكر أنه حسب معاهدة دولية تسمى «معاهدة الطيران المدني الدولي» وقعت في شيكاغو عام 1944، أنه يتم إعفاء الوقود المستخدم في نقل البضائع، بما فيها السلع الغذائية، من الضرائب، وهو ما لا يحدث مع السيارات والشاحنات والحافلات. كما لا تفرض ضرائب على الوقود المستخدم في السفن الكبيرة التي تستخدم في عمليات شحن البضائع. ويقول المؤيدون إن إنهاء هذه القيود من شأنه أن يضمن تحمل المنتجين والمستهلكين الكلفة البيئية للسلع الغذائية المنقولة بين الدول. ولكن يقول الفاعلون في قطاعي السلع الغذائية والنقل، إن القضية أكثر تعقيدا من ذلك، ومع هذا فقد وضعت هذه المناقشة بعض الشركات في وضع دفاعي، ومن بين هذه الشركات شركة «تيسكو» التي تعد أكبر سلسلة متاجر في بريطانيا. وتقول بعض هذه الشركات إنها تعمل على الحد من الغازات المنبعثة التي تتسبب فيها شركاتهم، ولكن السؤال هو كيف يمكن أن يحدث هذا. وتعارض هذه الشركات فرض ضرائب جديدة، وفي محاولة لتغيير دفة النقاش، تدعو إلى تغيير ثقافة المستهلك. وعلى سبيل المثال، ستقوم شركة «تيسكو» بإصدار ملصقات على المنتجات تساعد المستهلك على معرفة كمية الكربون الذي تنتج خلال مراحل صنع هذا المنتج. وقد تكون لبعض السلع الغذائية التي تنقل لمسافات طويلة ميزة بيئية على بعض المنتجات المحلية، مثل الأزهار التي تزرع في المناطق الاستوائية بدلا من البيوت الزجاجية الأوروبية التي تستهلك مقدارا كبيرا من الطاقة. ويرى المتحدث باسم «تيسكو» تريفور داتسون، أن هذه الملصقات «سيكون لهذا تغير جذري، فهي مثل بيان بعدد السعرات الحرارية الموجودة على المنتجات».

وقد ساعدت شبكات الموصلات المتميزة على تقليل الوقت اللازم لنقل السلع الغذائية بين الدول. وساعدت الطرق الحديثة في قارة أفريقيا على خفض الوقت الذي تأخذه عملية نقل السلع من المزارع داخل القارة إلى المخازن في أوروبا إلى أربعة أيام، بعد أن كانت تأخذ هذه العملية 10 أيام منذ عدة أعوام. وبسبب العمالة الأرخص في الدول الأفريقية، حلت المغرب ومصر محل إسبانيا كمصدر أساسي للطماطم وخضروات السلطة لوسط أوروبا. ويقول إدوارد موورهاوس، وهو مستشار في قطاع السلع الغذائية في لندن، إن بعض هذه التغييرات قد ساعدت على خلق فرص عمل في الدول النامية. يكلف سمك القد النرويجي المصنِّع 1.36 دولار للرطل إذا كانت العملية ستتم في أوروبا، ولكن هذا الرقم يقل ليصل لـ23 سنتا للرطل إذا تم تصنيعه في آسيا. وقد ساعدت إمكانية نقل السلع الغذائية بأسعار رخيصة على قيام شركات تجارية جديدة في هذه المناطق. ويقول أنطونيو باجليوني، وهو مدير التصدير بشركة «أبوفروت»، أحد أكبر مصدري الكيوي في إيطاليا «كانت هناك مزارع جديدة في وسط إيطاليا خلال الأعوام القليلة الماضية».

وينقل الكيوي الذي تنتجه شركة «سانيفروتا» الإيطالية بحرا في حاويات مبردة إلى الولايات المتحدة الأميركية في رحلة تستغرق 18 يوما وإلى جنوب أفريقيا في 28 يوما. وتقدر بعض الدراسات أن 3 في المائة من الانبعاثات في قطاع السلع الغذائية تحدث خلال عملية النقل، بينما يشير واتكيس، الأستاذ بجامعة أوكسفورد، إن هذه النسبة ترتفع بشكل متسارع. كما تتسبب السلع الغذائية المستوردة في انبعاثات بشكل أكبر مما يتم الإعلان عنه لأنها تحتاج إلى طبقات من التعبئة وعمليات تبريد. وتستورد بريطانيا، ذات موسم الزراعة القصير، وبها سلاسل محلات ضخمة، 95 في المائة من الفاكهة التي تباع داخلها وأكثر من نصف الخضروات. وتمثل السلع الغذائية 25 في المائة من عمليات الشحن عن طريق السيارات هناك، حسب وزارة البيئة والأغذية والشؤون البيئية البريطانية. ويقر السيد داتسون، من شركة «تيسكو» بأن هناك تبعات بيئية لعمليات نقل السلع الغذائية لمسافات طويلة، ولكنه يقول إن شركته تستجيب لرغبات المستهلكين. ويضيف داتسون: «يزيد العرض لأن المستهلكين يحبون تناول البازلاء في مختلف فصول السنة، وليست وظيفتنا ضبط خيارات المستهلكين».

وتهتم سلاسل المحلات الكبيرة مثل «تيسكو» و«كارفور»، المنتشرة في أوروبا الشرقية وآسيا، بالسلع الغذائية التي يهتم بها المستهلكون، كما تسعى لتوفير العلامات التجارية العالمية. وتشير كاي بوريير، وهي متحدثة باسم شركة «بروكتر آند جامبل» إلى أن شرائح البطاطس «برينجلس»، التي تنتجها الشركة تباع في أكثر من 180 دولة على الرغم من أنه يتم تصنيعها في عدد قليل من الأماكن. ويرى مناصرو فرض ضرائب على الوقود المستخدم في عمليات النقل، أن ذلك سينهي هذا الوضع السيئ عن طريق تغيير المعادلة الاقتصادية. ويقول فريدريك هوج، وهو رئيس منظمة «بيلونا» البيئية في النرويج «تنقل السلع الغذائية بين الدول لأن هذه العملية قد أصبحت رخيصة للغاية في عصر العولمة. وإذا كان الأمر مجرد معالجة السمك بسعر أرخص في الصين، فسأكون سعيدا بأن يتم نقله إلى هناك. ولكن المشكلة في التلوث الذي تتسبب فيه هذه العملية». وكان الاتحاد الأوروبي من أولى الجهات التي اقترحت تحمل المستهلكين التكلفة البيئية لنقل السلع الغذائية. وتفرض سويسرا، وهي ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي، ضرائب على الشاحنات التي تعبر حدودها.

وبالإضافة إلى وضع الخطوط الجوية في إطار برنامج رسوم الانبعاث الناجمة عن علميات النقل التجاري، تنظر بروكسيل في رسوم شحن تكون مرتبطة بمقدار الضرر البيئي الذي تتسبب فيه عمليات شحن السلع الغذائية لتغير المعادلة الحالية التي تفيد بأن نقل الشحنات أرخص من إنتاج السلع محليا، حسب المفوضية الأوروبية. والمشكلة هي قياس كمية الانبعاثات، فليس بالضرورة أن تعني عمليات نقل السلع الغذائية لمسافة أطول استهلاك كمية أكبر من الطاقة. فقد أظهرت بعض الدراسات أن شحن التفاح الطازج والبصل ولحم الخراف من نيوزلندا ينتج انبعاثات أقل مما تتسبب فيه عملية إنتاج نفس السلع في أوروبا، حيث يحتاج تخزين التفاح لعدة شهور، على سبيل المثال، للمبردات. ولكن هذه الدراسات قد أجريت في نيوزلندا، وموضوع نقل السلع الغذائية بين الدول سيكون حتما مرتبطا بالمصالح الاقتصادية. وتقف شركات الشحن بقوة ضد فكرة فرض ضرائب على الوقود الذي يستخدم في عمليات الشحن، وأشارت إلى أنه إذا قامت بعض الدول بإلغاء نصوص معاهدة شيكاغو، سيكون لهذا تداعياته الكبيرة في التجارة العالمية، حيث سيؤدي إلى عمليات مماثلة لفرض ضرائب على الوقود، وسيعطي للدول التي تحافظ على الإعفاء ميزة تجارية كبيرة. ويأمل بعض تجار التجزئة الأوروبيون في اتخاذ إجراءات طوعية للحفاظ على البيئة مثل ما تنوي أن تقوم به شركة «تيسكو»، بأن تضع ما يدل على حجم الضرر الذي يتسبب فيه هذا المنتج للبيئة مما يقلل من الزخم حول فرض ضرائب على الوقود المستخدم في عمليات النقل. وستقوم الشركة بتجربة تأثير هذه البيانات على بعض المنتجات مثل عصير البرتقال ومنظفات الغسيل. وقد يفاجأ المستهلكون بما قد يرونه على المنتجات. وتقول «بوكس فريش أورجانكس»، وهي علامة تجارية مشهورة في بريطانيا، إن 85 في المائة من خضرواتها تتم زراعتها في بريطانيا، ولكن خلال فصل الشتاء يكون فقط الجزر والبطاطس في بريطانيا، حيث يأتي العنب من جنوب أفريقيا، والشمار من إسبانيا والقرع من إيطاليا.

ويقول السيد مورهاويس إن تجار التجزئة في الوقت الحالي قد لا يتمكنون من الاستمرار في أنشطتهم إذا عجزوا عن عرض هذه الأصناف. ويضيف: «لسوء الحظ، اعتاد المستهلكون على الطعام الرخيص وأن يذهبوا إلى السوق ليحصلوا على أي شيء يحتاجونه بغض النظر عن الوقت».

* (خدمة نيويورك تايمز)