مع اشتداد أزمة الائتمان العالمية.. آلاف الموظفين في قطاع المال «يتبخرون» في صمت

من النكات الطريفة التي تحكى بين الموظفين: «اتصل أحدهم بزميله وسأله: هل أنت مشغول أم يتم تسريحك؟»

أعلنت بعض البنوك في جميع أنحاء العالم عن خطط لتسريح نحو 65 الف موظف (خدمة كي آر تي)
TT

هناك الآلاف يفقدون وظائفهم تباعا مع اشتداد أزمة البنوك. ومع أن تسريح العمالة ليس شيئا جديدا في قطاع المال (وهو يتواكب دائما مع الانكماش الاقتصادي) إلا أن الأمور مختلفة في هذه المرة. إن الأمور تسير بطريقة هادئة تماما حتى أن البعض يدعو ما يحدث بأنه تسريح خفي. وبعض رؤساء العمل لا يستطيعون قول كلمة واحدة بعد تسريح الموظفين. ففي سيتي غروب وغولدمان ساكس ومورغان ستانلي على سبيل المثال، فإن الإشارة الأولى على تسريح أحد الموظفين هي رجوع الرسائل الإلكترونية بعد إرسالها على عنوانه الإلكتروني الخاص بالشركة، مما يعني أن عنوانه الإلكتروني غير نشط . وعلى الرغم من استقرار الأسواق المالية إلى حد ما في الآونة الأخيرة، إلا أن البنوك تخطط لإجراء المزيد من التخفيض في الوظائف خلال سنوات. ومنذ الصيف الماضي، أعلنت بعض البنوك في جميع أنحاء العالم عن خطط لتسريح نحو 65 الف موظف. لكن العدد الدقيق للوظائف التي تم إلغاؤها أو التي سيتم إلغاؤها مازال غير واضح. وفي الماضي، كانت البنوك تقوم بتسريح الموظفين مرة واحدة وبأعداد كبيرة. ولكن بعد كارثة أسواق الأسهم عام 1987 على سبيل المثال أصبحت إجراءات ذلك تتسم بالهدوء أكثر من قبل. وفي الوقت الحالي تقوم الشركات بذلك على مدى أسابيع أو شهور. وقد فقد بعض الأفراد وظائفهم وبعضهم الآخر مايزال يكافح للاحتفاظ بها ويقولون إن البنوك لا تخبر الموظفين بتوقيت أو حجم تسريح الموظفين. وقد أعلنت سيتي غروب العام الماضي على سبيل المثال أنها ستقوم بإلغاء 17 الف وظيفة أو ما يمثل 5 في المائة من قوة العمالة لديها. وفي يناير (كانون الثاني) أفادت سيتي غروب بأنها ستسرح 4200 موظف آخرين. وفي شهر أبريل (نيسان) أعلنت عن تسريح عدد إضافي يبلغ 8700 . وعلى النقيض من ذلك، وبعد الانتعاش المالي في عام 1998، استبعدت سيتي غروب نحو 10.600 وظيفة أو ما يعادل 6 في المائة من القوة العاملة لديها في ذلك الوقت . ويشعر العديد من الموظفين بالخوف من تكرار استغناء البنوك عن العديد من الوظائف. ويعلم الجميع أن ذلك سيحدث ـ ولكن لا أحد يعرف أين ومتى. يقول جوان كيندي الذي تم تسريحه من جاي بي مورغان تشيس هذا العام: «لا أحد يعرف ما سيحدث ومن سيتم تسريحه. إنهم يرغبون في أن يتم ذلك بهدوء». وفي غولدمان ساكس، فإن العمال ذوي مستوى العمل الضعيف، قد تم تسريحهم في شهر يناير (كانون الثاني) وحتى مارس (آذار). وبعد عدة أسابيع، بدأ البنك في تسريح المزيد من الموظفين بهدوء. وقد تم الإعلان عن تسريح جولدمان لنحو 8 في المائة من القوة العاملة الخاصة بها، على الرغم من أن عدد الموظفين الجدد سوف يعوض هذه الخسارة. وفي ميريل لينش، تم تسريح 1100 موظف في بداية هذا العام، ومعظمهم ممن يعملون في مجالات الرهن العقاري. ولكن في أبريل (نيسان) أعلنت الشركة عن تسريح 2900 موظف إضافي.

كما أعلنت جاي بي مورغان تشيس عن أنها ستقوم بتسريح 100 موظف في قسم الدخل الثابت وبعد ذلك حدثت عدة موجات من تسريح الموظفين في أقسام أخرى. وسوف يزداد عدد الضحايا باندماج جاي بي ام مورغان مع بير ستيرنز.

ويقوم المديرون التنفيذيون في جاي بي ام مورغان بتقليل عدد الوظائف في البنك الخاص بهم، ويقومون بإعادة توظيف بعض الأفراد في أقسام أخرى ويستبدلون آخرين بموظفين من بير ستيرنز. وربما يتم تسريح 5500 موظف من بير ستيرنز، بالإضافة إلى 4000 موظف من جاي بي ام مورغان. ويؤدي توارد الأنباء السيئة في وول ستريت إلى إضعاف معنويات الموظفين هناك. وتقول ويندي لازار، وهي شريك في شركة توظيف قانونية تسمى أوتين وجولدن: إن الشركات غالبا ما ترغب في عدم توضيح عدد الوظائف التي سيتم استبعادها. وتقول: «إنك ترى رسالة غير واضحة يتم توجيهها للموظفين. وهذه الرسالة غالبا ما تكون: إنني لا أعرف متى يحدث ذلك، قد يكون ذلك غدا، أو الشهر المقبل أو ربما نكون قادرين على إبقائك معنا، وربما لا» . وغالبا ما تكون عملية التسريح متسمة بالصعوبة. وقد علم بعض الموظفين في جاي بي ام مورغان أن موظفي بير ستيرنز سوف يأخذون وظائفهم قبل أن يخبرهم رؤساؤهم بذلك، حيث أن عملاء جاي بي ام مورغان قد أخبروهم بذلك. وعندما قام بنك أميركا بتسريح عدد من الموظفين في الآونة الأخيرة، تم إخبار هؤلاء الموظفين بإلغاء المكافآت الخاصة بهم وأن متعلقاتهم الشخصية سوف تصل إليهم بالبريد. وفي شهر يناير عندما كانت السيدة كيندي غائبة عن العمل في جاي بي ام مورغان بسبب عملية جراحية لها، اتصل بها رئيسها ليخبرها بأنه تم استبعاد وظيفتها. ولم ترجع إلى العمل ولكنها ظلت تطلب من البنك إرسال الصور الخاصة بها مع ابنها والتي كانت تضعها على مكتب العمل . وتقول في ذلك: «إنك لا تستطيع أن تودع زملاء العمل. إنه شيء مؤسف» . وفي بعض البنوك مثل بنك أميركا، لا يسمح للموظفين الذين تم تسريحهم بالعودة إلى مكاتبهم، حيث يخشى المسؤولون من محاولة الموظفين المستبعدين أخذ بعض العملاء أو زملاء العمل من البنك. وقد رفض المسؤولون في كل شركات وول ستريت التعليق على هذا الموضوع . وفي كريدت سويس، تم السماح للموظفين الذين يتم تسريحهم بوداع زملائهم. لكن هؤلاء الزملاء الذين بقوا في عملهم كانوا يردون التحية بمزيج من الشعور بالخوف و«الراحة»، لأنه لم يتم استبعادهم هم. يقول أحد الموظفين في كريدت سويس ممن تم تسريحهم خلال الشهر الماضي: «كانت هناك مشاعر متباينة، ولا شك أن هذه ليست هي الجولة الأخيرة، فالبنوك لا تكسب شيئا الآن، ولم تكسب شيئا لفترة من الزمن» .

وما يثير الدهشة أن تسريح الموظفين لم يعد قاصرا على أولئك الذين يتميزون بضعف الأداء، وإنما قد أصبح يطال أولئك الذين يعتبر مستقبلهم الوظيفي واعدا. ويقول المحللون إن عدد الوظائف التي تم الإعلان عن إلغائها حتى الآن لن يكون كافيا وأنه سوف يتم الإعلان عن إلغاء المزيد من الوظائف خلال العام الجاري، قبل أن يكون الموظفون على وشك تسلم المكافآت الخاصة بهم. وتقول ميرديث وايتني وهي محللة بنكية في أوبنيمر ومشاركوه: «إنهم سيحاولون التأجيل قدر المستطاع. لكن تسريح الموظفين يسير على قدم وساق» . وبصورة عامة، فإن البنوك وشركات السمسرة تدفع نحو 50 في المائة من عوائدها للموظفين في صورة رواتب ومكافآت. وفي العام الماضي، ارتفعت هذه النسبة إلى 70 بالمائة، مع انحسار حجم الأعمال الجارية. وتقدرالسيدة وايتني أن متوسط إعلان البنوك عن خطط لتسريح القوة العاملة لديها يبلغ نحو 5 إلى 8 في المائة. وربما تضطر إلى مضاعفة هذه النسبة. وقد قضى المديرون التنفيذيون شهورا في تطوير استراتيجيات تسريح الموظفين، ومناقشة مكافآت التسريح وغير ذلك. ويقوم العديد من الشركات بتوظيف مستشارين خارجين لمتابعة ذلك. وبالنسبة لموظفي وول ستريت، فإن أخطر الأيام هي أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس. فهذه الأيام هي الأيام المفضلة لتسريح الموظفين .

وعند القيام بعمليات تسريح الموظفين، تستخدم البنوك العبارات اللطيفة للتعبير عن ذلك، ومنها: «تخفيض النفقات» و «تخفيض القوى العاملة» و«الاستغناء عن العمالة الزائدة». وغير ذلك. ومن النكات الطريفة التي تحكى بين الموظفين: «اتصل أحدهم بزميله وسأله: هل أنت مشغول أم يتم تسريحك؟»

* خدمة نيويورك تايمز