سلمان الصافي لـ«الشرق الأوسط» : السعودية أكبر مستثمر عربي في السودان بقيمة تلامس 4.3 مليار دولار

وزير الدولة السوداني بوزارة الاستثمار: 500 ألف مشروع خليجي قائم.. والواقع يؤكد أن السودان «سلة الغذاء العالمي»

سلمان سليمان الصافي («الشرق الأوسط»)
TT

أكد سلمان سليمان الصافي وزير الدولة السوداني بوزارة الاستثمار، في حديث خاص لـ« الشرق الأوسط»، أن نظام الشراكات الإستراتيجية في الاستثمار وفق نهج علمي ناجح أحدث النقلة المطلوبة في استثمار موارد السودان الكبيرة والمتنوعة، مشيرا إلى تكامل الأدوار بين القطاع الخاص، المحلي والأجنبي بانسجام مع رعاية الدولة والتزاماتها نحو تطوير المحفزات. وكشف الصافي أن السعودية تعتبر حاليا أكبر مستثمر في السودان، بقيمة تقدر بنحو 4.3 مليار دولار، لافتا إلى حركة ملحوظة لقيام الشراكات الإستراتيجية في الاستثمارات كبيرة الحجم وتوجيهها لخدمة الأهداف الإستراتيجية في تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، وتطوير صادرات الثروة الحيوانية إلى الأقطار العربية، والتوسع في إنتاج السكر وتطوير الوقود الحيوي من مخلفات المحاصيل الزراعية.

وأضاف الصافي أن التحولات الكبيرة التي يشهدها الاقتصاد السوداني بعد تحريره، مكّنت القطاع الخاص الوطني والأجنبي من المضي قدما في الاستثمار في حقوله المختلفة، خدميا وصناعيا وزراعيا، مما خلق معدلات نمو عالية لارتباطها بوفرة فرص الاستثمار في ظل إنشاء وزارة مختصة بالاستثمار لأول مرة بالبلاد، سهلت الإجراءات بتطبيق نظام النافذة الموحدة، مما زاد من تدفقات الاستثمارات الأجنبية للبلاد، الذي احتلت بموجبه المرتبة الثانية عربياً والثالثة أفريقيا، وفي طريقها إلى اعتلاء قائمة الدول الجاذبة للاستثمار عالميا. وفي ما يلي تفاصيل الحوار الذي جرى في الخرطوم:

> كيف ترون واقع الاستثمار في السودان، بعد أن راجت وتداولت الأنباء عن حراك إيجابي بدأ يطال قطاعات وأنشطة متعددة؟

ـ نعم حدثت تحولات كبيرة في الاقتصاد السوداني تتعلق بتحرير الاقتصاد أدت إلى تمكين القطاع الخاص من العمل الاستثماري بقوة، ومن ثم خلق معدلات نمو عالية، وارتبطت معدلات النمو في السودان بوفرة في فرص الاستثمار، بالإضافة إلى إنشاء وزارة مختصة بالاستثمار لأول مرة بالبلاد، عملت على تبسيط الإجراءات بتطبيق نظام النافذة الموحدة، مما زاد من تدفقات الاستثمارات الأجنبية للبلاد.

ولا أنسى الإشارة هنا إلى أن السودان بات يحتل المرتبة الثانية عربياً والثالثة أفريقيا من حيث جذب الاستثمارات الأجنبية لعام 2005، حسبما جاء في تقرير المؤسسة العربية لضمان الاستثمار ومنظمة الانكتاد، والآن يقترب من اعتلاء قائمة الدول الجاذبة للاستثمار عالميا.

> كم يبلغ حجم استثمارات دول المجلس الخليجي خلال الفترة الأخيرة من عمر الوزارة؟

ـ تدفقات الاستثمارات الخليجية إلى السودان في ازدياد مطرد، ولكن عموما بلغت خلال الفترة من عام 2000 وحتى 2007 أكثر من 500 ألف مشروع استثماري، وتحتل السعودية المرتبة الأولى في قائمة الدول العربية، بما فيها الخليجية يبلغ نصيبها حتى الآن في هذه الكعكة الاستثمارية 341 مشروعا استثماريا، من بينها 212 مشروعا خدميا و107 مشاريع صناعية و22 مشروعا زراعيا بقيمة إجمالية تزيد عن الأربعة مليارات دولار وتحديدا 4.3 مليار دولار.

فيما تستثمر الإمارات في أكثر من 74 مشروعا استثماريا، تليها الكويت، التي تمتلك 26 مشروعا استثماريا، من بينها 21 مشروعا خدميا و3 مشاريع صناعية، ومشروعان زراعيان، تليها دولة قطر التي تستثمر في 13 مشروعا استثماريا، 7 منها تعمل في المجال الخدمي و5 في المجال الصناعي، بالإضافة إلى مشروع زراعي كبير. وهناك دول خليجية أخرى دخلت حلبة الاستثمار في السودان كسلطنة عمان، التي تعمل الآن على 5 مشاريع استثمارية خدمية ومملكة البحرين في الطريق إلينا، بجانب استثمارات أخرى من ليبيا ومصر وأخرى تقدر بمليارات الدولارات.

> ما هي التسهيلات التي تقدمها وزارة الاستثمار للمستثمرين؟

ـ هناك العديد من الميزات الممنوحة حسب قانون تشجيع الاستثمار لسنة 1999، التي تمت معالجتها في عام 2007، منها الإعفاء من ضريبة أرباح الأعمال، حيث تمنح المشاريع الصناعية إعفاء بنسبة 90 في المائة طوال عمر المشروع، وتمنح المشاريع الزراعية إعفاء بنسبة 100 في المائة طوال عمر المشروع، فيما تمنح المشاريع الخدمية إعفاء بنسبة 85 في المائة طوال عمر المشروع.

ومن الميزات الأخرى الإعفاء من الرسوم الجمركية، حيث يتم الإعفاء من الرسوم الجمركية بنسبة 100 في المائة علي كل احتياجات المشروع من التجهيزات الرأسمالية، كما يتم الإعفاء بنسبة 97 في المائة على مدخلات الإنتاج. بالإضافة إلى ذلك حظر القانون فرض أي ضرائب أو رسوم ولائية على المشروعات الاتحادية، خلال فترة الإعفاء الضريبي الممنوحة للمشروع. كما يجوز للمشروع استخدام العمال والخبراء الأجانب بالنسبة للخبرات المطلوبة التي لا تتوفر في السودان، وفقا لقوانين العمل السارية بالبلاد.

> كثير من المستثمرين يتساءلون عن ضمانات الاستثمار التي تقدمها الوزارة لهم، فما هي الأسس والمنطلقات التي تعتمدون عليها كضمان للمستثمر؟ ـ منحت الوزارة العديد من الضمانات التي تعمل على استقرار أي استثمار قادم من الخارج، ومن ذلك اعتماد عدم التأميم أو المصادرة أو نزع الملكية للعقارات كليا أو جزئيا للمنفعة العامة، إلا بقانون ومقابل تعويض عادل. بالإضافة إلى ذلك عـدم الحجز على أموال المشروع أو مصادرتها أو تجميدها أو التحفظ عليها، إلا بأمر قضائي. وكذلك ضمان تحويل المال المستثمر في حالة عدم تنفيذ المشروع أو تصفيته أو التصرف فيه بأي وجه من أوجه التصرف كليا أو جزئيا بالعملة التي اسـتورد بها، شريطة الوفـاء بأي التزامات مستحقة قانونا كما يجوز إعادة تصدير الآلات والمعدات والأجهزة ووسائل النقل والمستلزمات الأخرى. بجانب ضمان تحويل الأرباح وتكلفة التمـويل الناتجة عـن رأس المال بالعملة التي استورد بها رأس المال أو القرض في تاريخ الاستحقاق. فيما يسمح للمشروع باستيراد المواد الخام التي يحتاج إليها بعد قيد المشـروع في سـجل المصدرين والمستوردين تلقائيا، ولضمان وحماية الامتيازات الممنوحة للمشروع حظر القانون على أي جهة إدارية الامتناع عن تنفيذ الميزات الممنوحة بموجب أحكام هذا القانون.

ويمكن إعـادة تصدير رأس المال الأجنبي للخـارج في حالة التصرف في المشروع كليا أو جزئيا، أو في حالة تصفيته نهائيا. وفي حالة رأس المال الأجنبي المستورد عينا يجوز للمشروع بعد موافقة الوزير أن يعيد تصديره بذات الصفة التي استورد بها في بادئ الأمر. > تجتهدون وتعملون لخلق أجواء استثمارية ملائمة داخل السودان، بلا شك تواجهون في المقابل بعض التحديات، التي تقف أمام الاستثمار في بلادكم، هل لكم أن ترصدوها وكيف يمكن التغلب عليها؟

ـ رغم النتائج الايجابية التي أحدثتها سياسات التحرير والاستقرار الاقتصادي على مناخ الاستثمار في السودان، إلا أن الاستثمار ظل يعاني من الضرائب والرسوم المتنوعة التي بلغت في مجملها نسبا عالية، أدت إلى ارتفاع كبير في تكلفة الإنتاج، مما حدا بالحكومة الى مراجعة الضرائب الزراعية وحددت سقفا أعلى لها يقدر بـ20 في المائة من الإنتاج الفعلي في القطاع المطري و15 في المائة في القطاع المروي، بما في ذلك الزكاة. كما يعتبر ارتفاع تكلفة التمويل من المعوقات المهمة أمام القطاع الزراعي، إذ كان حدها الأدنى 36 في المائة (انخفضت في ما بعد إلى 24 في المائة)، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الكهرباء والوقود، بجانب مشاكل الملكية ووضع اليد وحيازة الأهالي والعشائر لها وضعف البنى التحتية للأراضي الزراعية.

ولحل هذه المشاكل تم إلغاء جميع الضرائب على الزراعة، بما في ذلك ضريبة أرباح الأعمال، كما تم توجيه موارد النفط لإنشاء البنية التحتية من الطرق، السدود والخزانات وتوفير الطاقة الكهربائية، لاسيما لمنطقتي سد مروي وتعلية خزان الرصيرص.

> كيف يمكن توظيف الإمكانيات الزراعية استثماريا وماذا تم في هذا الجانب؟

ـ يتمتع السودان بمساحات شاسعة وأراض منبسطة ومتنوعة، يقدر الصالح منها للزراعة بـ200 مليون فدان (حوالي 84 هكتارا) والمستغل منها لا يتعدى 20 في المائة. كما يتمتع بإمكانيات مائية كبيرة تتمثل في مياه الأمطار ومياه نهر النيل وروافده، إضافة إلى المياه الجوفية. وتتوفر في السودان بيئات زراعية متباينة تمكن من زراعة العديد من المحاصيل. كما تتنشر فيه المراعي الطبيعية في مساحة تقدر بحوالي 322 مليون فدان، وتقدر مساحة الغابات بحوالي 218 مليون فدان.

ويمتلك السودان ثروة حيوانية وسمكية متنوعة، وأنواعا عديدة من الحيوانات البرية، بجانب الثروات المعدنية المتنوعة والنفط الذي اكتشف حديثا وبدأ استغلاله وتصديره. إن الاستغلال الأمثل لموارد السودان يتطلب بيئة سياسية واقتصادية مستقرة وجاذبة للاستثمار وبنى تحتية جيدة (طرقا، طاقة، اتصالات ومياه شرب... الخ)، كما يتطلب سياسات زراعية مشجعة للإنتاج ومحفزة لتطوره واستدامته. لقد شهدت الفترة من 30 يونيو (حزيران) عام 1989 وحتى فبراير (شباط) 1992 برنامجا اقتصاديا كان نتاجا للمؤتمر الوطني للإنقاذ الاقتصادي، الذي استهدف تحريك جمود الاقتصاد من خلال تحرير سعر الصرف وتطبيق حزمة من السياسات، من أهمها تسعير واردات القطاع الزراعي، بما في ذلك المحروقات والجرارات والآليات والمعدات والأسمدة والمبيدات وغيرها بسعر الصرف الرسمي، وإلزام المصارف التجارية بتوجيه 50 في المائة من سقوف التمويل للقطاع الزراعي (وكان التمويل الزراعي لا يتعدى 2 في المائة)، بالإضافة إلى تصويب الاهتمام نحو الاستثمار التنموي في القطاع الزراعي وتوفير كل الاعتمادات المطلوبة لدعم خدمات الري.

ولقد تضمنت خطة العمل التنفيذي للبرنامج الاقتصادي الوطني في مارس (اذار) 2001 عدة توجيهات ايجابية لتشجيع الاستثمار الزراعي، منها إلغاء الضرائب كلية على الزراعة، وإلغاء ضريبة التنمية، بالإضافة إلى إعفاء مدخلات الزراعة من القيمة المضافة.

بجانب ذلك تم تخفيض تكلفة التمويل وإعفاء المدخلات الزراعية من رسوم الجمارك، فيما تم توجيه موارد النفط لدعم القطاعات الإنتاجية وذلك بتوفير الطاقة الكهربائية، قيام الطرق القومية، حيث تم الربط بين المناطق المختلفة بجانب ربط السودان ببعض دول الجوار، الأمر الذي يتيح سوقا إقليميا لمنتجات السودان الزراعية وتطوير بنيات الري وقيام الخزانات على نهر النيل، إضافة لذلك، كان هنالك توجه استراتيجي لتحقيق النهضة الزراعية في البلاد، حيث شهد عام 2006 إعلان رئيس الجمهورية لبرنامج النفرة الخضراء في البلاد، بهدف تحقيق النهضة الزراعية الشاملة، وتنفيذا لهذا التوجه تم الإعداد لبرنامج النهضة الزراعية وتم التركيز فيها على محاور أساسية، أهمها السياسات الكلية والقطاعية والبنيات التحتية التي تهيئ البيئة المؤاتية للاستثمار والتنمية الزراعية.

> هل تؤمنون بأن السودان يمثل «سلة» للغذاء العربي والإقليمي، وكيف يمكن تفعيل ذلك الإيمان من خلال الاستفادة القصوى والاستغلال الأمثل للاستثمار الأجنبي؟

ـ نعم، الواقع الزراعي العالمي يشير إلى زيادة الطلب على الغذاء والارتفاع المستمر في أسعار السلع الغذائية جراء الزيادة السكانية في العالم، ورفع الدعم عن السلع الزراعية في البلاد المصدرة للغذاء وظهور الاستعمالات الحديثة لمحاصيل الغلال والحبوب الزيتية في الوقود الحيوي (الايثانول والديزل الحيوي)، ويتوقع أن يؤدي هذا إلى تكثيف الاستثمار في المجال الزراعي واستغلال الطاقات غير المستغلة في بلاد مثل السودان، ولعل تزامن هذا مع توجه الدولة الاستراتيجي نحو الزراعة يشكل فرصة مؤاتية لجذب الاستثمارات العربية والعالمية، وبالتالي فإن استغلال الموارد الزراعية في السودان عن طريق حركة الاستثمارات العربية يحقق هدفا قوميا استراتيجيا للأمة العربية في تحقيق أمنها الغذائي.

وحتى يكون السودان سلة غذاء العالم لا بد من توفير الأراضي الزراعية الخالية من الموانع، التي تتوفر لها أساليب ووسائل الري المضمونة، والنظر في مسألة الإيجارة بالقطاع الزراعي ووضع مقترحات لمدة الإيجار، بالإضافة إلى تحديد الأهداف ووضع أولويات بالقطاع الزراعي وإعداد دراسات فعلية نابعة من الأولويات، مع وضع مخططات زراعية جاهزة على نسق المناطق الصناعية.

> كيف تنظرون إلى توجه بعض الدول بالأخص السعودية ومصر للاستثمار في الزراعة لسد حاجة شعوبها من الغذاء؟

ـ السودان أصلا دولة زراعية، وحالياً هنالك توجه نحو الترويج للزراعة من خلال برنامج الطفرة الزراعية الكبرى، كما أن لدينا علاقات واتفاقيات مع الدول العربية ولدينا برنامج تكامل اقتصادي مع مصر ونشجع الاستثمارات البينية العربية كل ذلك دوافع تجعلنا نرحب بالاستثمارات العربية.

كما أن توجهات الدولة نحو الصادرات وتنويعها يؤدي إلى تحريك القطاع الزراعي، ودخول هذه الدول للاستثمار في الزراعة بالسودان يفيد العمالة السودانية من حيث تبادل الخبرات الجديدة، بالذات في مسألة الري حيث نجد أن مصادر ووسائل الري بالسعودية تختلف عنها بالسودان، بالإضافة إلى خبرة الفلاحين المصريين في الزراعة منذ زمن بعيد، كما انه لا تتوفر وسائل ري حديثة بالسودان كل ذلك يجعلنا نشجع دخول الدول العربية للاستثمار بالسودان.

> كيف تقرأ مستقبل السودان من خلال الاستثمار؟

ـ إن الشراكات الإستراتيجية في الاستثمار تعتبر نهجا علميا ناجحا في إحداث النقلة المطلوبة في استثمار موارد السودان الكبيرة والمتنوعة، حيث تتكامل الأدوار بين القطاع الخاص المحلي والأجنبي ويتناسق ذلك مع رعاية الدولة والتزاماتها. ويمكن قيام الشراكات الإستراتيجية في الاستثمار كبيرة الحجم وتوجيهها لخدمة أهداف الإستراتيجية في تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح وتطوير صادرات الثروة الحيوانية إلى الأقطار العربية والتوسع في إنتاج السكر وتطوير الوقود الحيوي من مخلفات المحاصيل الزراعية.