أسعار النفط تضع الخبراء في حيرة حول أسباب الصعود

وسط اتهامات بين المستهلكين والمنتجين

TT

تسبب الارتباك الذي تعانيه أسعار البترول في حالة من الحيرة في أوساط الخبراء، حيث يقول التنفيذيون في بعض الشركات العملاقة إن الخطأ يقع على المضاربين. إلا انه في المقابل يقول آخرون إن الأمر يرجع إلى الإمدادات القليلة والطلب العالمي المتزايد.

ويتهم بعض أعضاء الكونغرس منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) برفض التحدث عن قدراتها الإنتاجية. وفي المقابل، تلقي أوبك باللائمة على المضاربين والمستهلكين المبذرين الأميركيين والسياسات الأميركية الواهنة. ويرجع الجميع ارتفاع الأسعار إلى الطلب المتزايد من قبل الصين على الوقود، ولكن بغض النظر عن الأسباب، فقد ارتفعت وتيرة الزيادة في أسعار البترول حيث ارتفع البترول الخام إلى أكثر من 133 دولارا للبرميل، بزيادة 4.19 في المائة في يوم واحد فقط، وبنسبة 18 في المائة خلال هذا الشهر، وبمقدار أكثر من الثلث هذا العام. وسجل سعر الجالون من البنزين أمس معدلا قياسيا جديدا، حيث بلغ 3.81 دولار للجالون، بزيادة سنت يومياً على مدى الشهر الماضي، حسب تقرير رابطة السيارات الأميركية. وفي الوقت الذي ربما لا يتضح فيه سبب ارتفاع أسعار البترول، فإن أثر ذلك على ارتفاع كل الأسعار واضح تماماً. فهذه الأسعار المرتفعة تضر بمكاسب الصناعات القائمة على البترول. كما أنها تستهلك ميزانية الأميركيين، حيث تنفق الولايات المتحدة 1.5 مليار دولار يوميا مقابل استيراد البترول من الدول المنتجة له مثل السعودية وروسيا وإيران وفنزويلا. وأرجع المحللون ارتفاع أسعار البترول الأخير إلى عدة أسباب منها: انخفاض سعر الدولار، والانخفاض غير المتوقع في احتياطات الولايات المتحدة من البترول الخام، والزيادة الكبيرة في واردات الصين من الوقود. فالصين تحتاج إلى كميات هائلة من الوقود لتعويض وقف إمدادات الفحم والقوة الكهرومائية التي تسبب فيها الزلزال الأخير. ويفيد التجار بأن الطلب يزداد بوجه خاص على وقود الديزل، الذي يستخدمه السائقون في أوروبا وفي المولدات الصينية. لكن السؤال الأبرز هو: ما الذي كان يدفع الأسعار للارتفاع خلال العام السابق حتى مع توقف الطلب الأميركي واستمرار الناتج العالمي دون انخفاض جديد؟ ويقول الاقتصادي جيفري روبن: «إن السبب وراء ارتفاع أسعار البترول من 20 دولاراً إلى 130 دولاراً هو أن الطلب العالمي يزداد بينما لا يزداد الإنتاج العالمي من البترول. ونتيجة لذلك، ترتفع الأسعار لتلبية الطلب، وهو ما يحدث الآن». ويقول روبن إنه في الوقت الذي يتوقف فيه الطلب الأميركي عند معدله، فإن الطلب الصيني يزداد بنسبة 12 في المائة. وبينما ترجع الزيادة الكبيرة في الطلب من قبل الصين إلى عوامل قصيرة المدى، مثل الزلزال والاستعدادات لأولمبياد بكين، إلا أن الطلب العالمي يواصل الارتفاع. وأفادت مؤسسة «غولدمان ساكس» في تقريرها الأخير أن: «السوق تبحث عن توازن جديد مرة أخرى». كما أفادت بأن الاضطرابات السياسية كانت تعوق سيولة تدفق رؤوس الأموال والعمالة والتقنية، مما ينتج عنه انخفاض الواردات الجديدة على الرغم من ارتفاع الأسعار، وزيادة الطلب العالمي. كما أسهمت التكاليف المرتفعة لاستكشاف البترول في عدم القدرة على زيادة الواردات. ونتيجة لذلك، يمكن أن تستمر الأسعار في الارتفاع حتى يتساوى العرض مع الطلب، حسبما أفادت مؤسسة «غولدمان ساكس». ومن المتوقع أن تدفع الهند على سبيل المثال أكثر من 20 مليار دولار لدعم الوقود. كما قامت كل من لبنان والمكسيك وبيرو بتخفيض الضرائب، وقامت كل من الفلبين وأوكرانيا بتخفيض ضرائب الاستيراد لتقليل ارتفاع الأسعار. وتم توجيه أصابع الاتهام للدول المنتجة للبترول حيث إن استهلاكها ينافس استهلاك الصين. وأفاد روبن بأن المكسيك التي تعتبر ثاني مصدر للبترول الذي تستورده الولايات المتحدة يمكن أن تستورد البترول خلال خمسة أعوام. لكن صناعة البترول والهيئات المالية نفسها منقسمة بشأن السبب وراء ارتفاع أسعار البترول. ويرى بعض المحللين أن هذا الاتجاه التصاعدي للأسعار سوف يشهد تصحيحا كبيرا.

ويقول إدوارد مورس، وهو اقتصادي متخصص في الطاقة: «إننا نرى العديد من المكونات الرئيسية لفقاعة أصول كلاسيكية». وقدر مورس أن الأموال التي تم استثمارها في مؤشرات السلع الكبرى وصلت إلى 90 مليار دولار، في أقل من عامين. كما تم استثمار المزيد من الأموال في مضاربات أخرى، مما زاد من ارتفاع الأسعار. ويقول مورس: «إن تدفق الأموال إلى الاستثمار في السلع تسبب في ارتفاع الأسعار، ويمكن أن تستمر هذه الظاهرة». كما أفاد بأنه بمجرد أن يتضح حجم المخزونات البترولية وقدرة الإنتاج الاحتياطي على مستوى العالم، فإن «الأسواق سوف تشهد حركة تصحيح حادة».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»