مصر: المشغل الثاني للاتصالات الثابتة يواجه زحف الجوال.. وتحديات الجدوى الاقتصادية

12 شركة محلية وأجنبية قامت بشراء دفتر شروط الشبكة الجديدة

زحف الجوال من التحديات الكبرى التي تواجه المشغل الثاني للهاتف الثابت في مصر («الشرق الأوسط»)
TT

فيما تتجه الحكومة المصرية بشكل جدي لطرح الرخصة الثانية للهاتف الثابت في البلاد، يبدو أن المشغل الجديد الذي ينتظر دخوله السوق العام المقبل سيواجه تحديا حقيقيا فيما يتعلق بالجدوى الاقتصادية لشبكته وملامح المنافسة المرتقبة التى باتت لا تتحدد بوجود الشركة «المصرية للاتصالات» التي تحتكر هذه الخدمات حتى الآن، وإنما أيضا بالزحف المتنامي للهاتف الجوال الذي لم ينكر أحد تأثيره السلبي على معدلات نمو الهاتف الثابت في البلاد.

وبات من المؤكد أن المشغل المنتظر الذي ينظر إليه البعض على أنه «مسجل براءة اختراع». وإنهاء احتكار «المصرية للاتصالات» التي تستحوذ الحكومة على 80% من أسهمها سيكون معنيا بشكل أساسي بضرورة تحديد سوقه بشكل جيد ومحدد ونوعية الخدمات التي سيتنافس على تقديمها وربما التفرد بها، وأيضا بتأثير قيمة ما سيدفعه فى ترخيص هذه الشبكة بالسوق المصري واستمراره فيه. وتشير إحصاءات وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصرية إلى تباطؤ نمو معدلات الاشتراك في الهاتف الثابت بالبلاد ليقف عدد المشتركين عند حاجز 11.3 مليون مشترك نهاية فبراير (شباط) الماضي، على الرغم من جاهزية الشركة «المصرية للاتصالات» لاستقبال المشتركين الجدد بشكل متسارع، وذلك في مقابل النمو المطرد واللافت لأعداد مشتركي الهاتف الجوال الذين تجاوزوا الـ 30 مليون مشترك في الشهر نفسه من العام الحالي. وتوضح هذه الإحصاءات أن معدل نمو الهاتف الثابت شهريا يتراوح بين 90 ألفا و100 ألف مشترك، فيما يصل فى الهاتف الجوال إلى ما بين 400 ألف و500 ألف مشترك. ولم ينكر مسؤولو الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات التابع لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات تأثير هذا النمو المطرد للهاتف الجوال على الجدوى الاقتصادية للشبكة الثانية للهاتف الثابت وقيمة ترخيصها، إلا أنهم ربطوا جاهزية هذه الشبكة للمنافسة بطبيعة المشغل الجديد وقدرته على تقديم خدمات متنوعة يستقطب من خلالها المشتركين الجدد.

وقال الدكتور عمرو بدوي، الرئيس التنفيذي للجهاز فى تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، إنه لا يمكن لأحد إنكار أن هناك علاقة بين الجوال والثابت على الرغم من اختلاف طبيعة الاحتياجات لكل منهما. وأكد بدوي أن الجدوى الاقتصادية للشبكة الجديدة للثابت تحددها الشركات المتنافسة عليها، وذلك من خلال دراستها للسوق بشكل جيد وطرح الخدمات التي يمكن من خلالها الوجود بقوة وجذب مزيد من المشتركين.

ورفض التكهن بما يمكن أن تصل إليه قيمة ترخيص هذه الشبكة، مشيرا إلى أن هذا متروك للمنافسة بين الشركات يوم 29 يوليو (تموز) المقبل الذي حدده جهاز تنظيم الاتصالات كأخر موعد لتلقي عروض رخصة «الثابت» الثانية. وفيما لم تعلن أي من الشركات الـ12 التي قامت بشراء دفتر شروط الشبكة الثانية موقفها من التقدم للمنافسة، كشفت شركة «الكان» إحدى هذه الشركات عن احتمال عدم تقدمها بشكل كبير للحصول عليها لأسباب تتعلق بتحفظ الشركة على دخول شركات كبيرة للهاتف الجوال في المنافسة عليها، الأمر الذي يدفع بقيمة الترخيص إلى «حدود فلكية»، فضلا عن صعوبة المنافسة المحتملة مع «المصرية للاتصالات» ومشغلي الجوال الثلاثة الذين أصبحوا مصدر قلق للكثير من مشغلي ومقدمي خدمات الاتصالات في البلاد. وتكشف قائمة الشركات التى قامت بشراء دفتر شروط الرخصة الثانية للهاتف الثابت عن تقدم «أوراسكوم تيليكوم» المصرية للمنافسة، و«فرانس تيليكوم»، و«اتصالات الإمارات»، وهي من كبريات شركات الاتصالات الجوالة والثابتة التي تتمتع بملاءات مالية كبيرة تتيح لها مزايدة الحصول على هذا الترخيص، فيما يضم الجانب الآخر من القائمة عددا من الشركات الخليجية والعربية التي يحتمل مساهمتها أيضا في إشعال المزايدة عبر المنافسة عليها منها عذيب ونوى وموجة للاتصالات السعودية، وألكان لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات المصرية، والجيزة للنظم، والكاتيل لوسنت مصر، والمصرية لشبكة الإنترنت، ونور للاستثمار الكويتية، وإريكسون العالمية. وتوقع علاء خليل، المسؤول التنفيذي في شركة ألكان لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط» أن تتجاوز قيمة الرخصة الثانية للهاتف الثابت في مصر إلى نحو مليار جنيه (186.5 مليون دولار)، مؤكدا أن تخطي قيمة الترخيص هذا المبلغ سيكون بمثابة عنصر ضغط على المشغل الجديد ويقلص من فرص منافسته بالسوق.

وأشار خليل إلى أن الشركة سعت في الفترة الماضية إلى تكوين تحالف عالمي للمنافسة على الرخصة الثانية؛ ومنها «الاتصالات السعودية» التي اعتذرت عن ذلك. وأقر المسؤول بـ«ألكان» بصعوبة سوق الاتصالات الثابتة في مصر، موضحا أن الدخول في منافسة على خدمات الصوت مع الشركة المصرية للاتصالات يكاد يكون من المحال في ظل هذه الأجواء، وبالتالي لم يعد للمشغل الجديد سوى خدمات الانترنت والصورة والبث التلفزيوني على الهواتف الثابتة المعروفة باسم «تريبل بلاي».

ورأى أن المشغل الجديد بحاجة إلى ما بين 10 و13 سنة من أصل 20 سنة مدة الترخيص، وذلك إذا ما توافرت ظروف مناسبة للمنافسة لتعويض ما سيدفعه في قيمة ترخيص وبناء الشبكة.

وفي هذا السياق، أعرب أحد خبراء الاتصالات عن مخاوفه من تكرار سيناريو مزايدة الرخصة الثالثة للهاتف الجوال التى وصلت قيمتها إلى 16.7 مليار جنيه (3.1 مليار دولار) ، مما أثر على قدرتها الاستثمارية في بناء الشبكات في أسرع وقت ممكن والتحرر من قيود الاعتماد على شبكتي «موبينيل» و«فودافون مصر» لتغطية مناطق عديدة من مصر حتى الآن. وقال إن السوق لن يستفيد من مشغل جديد للهاتف الثابت مكبل بقيمة ترخيص كبير دون أن تكون لديه القدرة على بناء شبكات خاصة به، مما يضطره للجوء إلى شبكات المصرية للاتصالات المحتكر الوحيد لخدمات الهاتف الثابت في تقديم خدماته. وفي هذا السياق، يفترض أن يؤدى دخول المشغل الجديد للهاتف الثابت إلى اشتعال المنافسة مع «المصرية للاتصالات» التي بدأت بالفعل حاليا خطوات نحو ما يعرف بـ«سياسة حرق الأرض» شبيهة إلى حد كبير بالسياسة التي مارستها شبكتا «موبينيل» و«فودافون مصر» قبل دخول «اتصالات مصر» المشغل الثالث للهاتف الجوال للسوق، وذلك عبر طرح عروض مغرية لجذب أكبر عدد من المشتركين، واضعة فى الحسبان احتمال وصول السوق إلى حالة من التشبع، وبالتالي تضييق الخناق على المشغل الجديد. وقامت «المصرية للاتصالات» المدعومة حكوميا بطرح عروض ترويجية في الأسواق ولأول مرة في تاريخها إمكانية الحصول على خط في أقل من شهر بل طرح عروض بتعاقد المشتركين على خطين تجاريين مقابل الحصول على شهر مجاني للإنترنت فائق السرعة ADSL بسرعة 1 ميغا لمدة ثلاثة أشهر، بجانب وحدة «روتر» وجهاز فاكس متعدد الأغراض. ولم تقف عروض «المصرية» عند هذا الحد وإنما تخطتها إلى تخفيض قيمة مكالمات النداء الآلي بين المحافظات المختلفة لتبدأ من 8 قروش. ولفت أحد المحللين الماليين في شركة «برايم» للأوراق المالية إلى أن دخول مشغل جديد لسوق الهاتف الثابت سيؤدى إلى انخفاض متوسط العائد لكل مستخدم نتيجة للمنافسة المحتملة في السوق.

وفي هذا السياق، سبق أن أشارت دراسة لمؤسسة «غلوبل» للأبحاث على سوق الهاتف الجوال في مصر إلى أنه مع دخول المشغل الثالث لخدمات الجوال إلى السوق، انخفض متوسط العائد لكل مستخدم، كنتيجة مباشرة للمنافسة الحامية بين الشركات الثلاث، والتي ساهم فيها بشكل رئيسي المشغل الجديد، مما أدى إلى انخفاض متوسط العائد لكل مستخدم من 82 جنيها (15.2 دولار) عام 2005 إلى 74 جنيها (13.8 دولار) عام 2006. وفي عام 2007، انخفض متوسط العائد لكل مستخدم مجددا عقب أن بدأت شركة «اتصالات مصر» عملياتها ليصل إلى 58 جنيها (10.8 دولار) في سبتمبر(أيلول) 2007. ومن الواضح أن دخول المشغل الثالث إلى السوق أدى إلى تخفيض الأسعار، كما أنه دفع المشغلين الحاليين إلى إجراء المزيد من التخفيضات على تعرفة المكالمات.