حساب إبراء الذمة .. المعنى الغائب!

سـعود الأحمد

TT

هناك أحداث وقرارات حكومية، لكي تُفهم وتحقق الأهداف المرجوة منها؛ تحتاج إلى حشد من التغطية الإعلامية المناسبة (كماً وكيفاً). من ذلك حساب إبراء الذمة، الذي فُتح بمعرفة وتحت إشراف بنك التسليف بواحد من المصارف المحلية. مثل هذا المشروع ما زال المعنى المرجو منه غائب عن كثير من العامة. فالبعض يعتقد أن وزارة المالية فتحت هذا الحساب لكي تستعيد الحقوق التي علقت بذمم الآخرين، أو لعلها فتحت هذا الحساب ليكون باب جديد لإيرادات الخزانة العامة!. وحقيقة الأمر أن هذا الحساب هو حساب مصرفي (خيري) فُتح بموجب معاملة أساسها مطالبة من أحد المقيمين العرب (مصري) لفتح المجال لتوريد مبالغ للصالح العام. ولأن النظام المحاسبي الحكومي مقنن (مسبقاً) بنود إيراداته ومصروفاته، ولا يجوز إضافة أو حذف إي بند إلا بموافقة صاحب الصلاحية. ولذلك فقد فتح حساب براءة الذمة بموجب أمر ملكي ليكون بمثابة وعاء لاستقبال إيداعات من يشعر بأن ذمته عالقة ببعض الحقوق العامة ويرغب في التسديد دون أدنى مساءلة، أو من يريد أن يمنح هبة خاصة للمحتاجين أو يتبرع لهم من ماله شيئاً.

ومن هنا فإن فكرة هذا الحساب يمكن لها أن تتطور، لتستوعب جميع الأموال التي ليس لها مطالب. ومن ذلك الحسابات المنسية في الشركات والبنوك التجارية والمؤسسات الخاصة.. وبالأخص ما يتعلق بمستحقات الموظفين التي يتركها أصحابها دون مطالبة، أو التي لا يعرف أصحابها. مثل ذلك فوائض الجرد اليومي للخزائن وصناديق النقدية. من جانب آخر.. أعتقد أن فكرة مثل هذا الحساب يمكن تعميمها في باقي الدول الخليجية. فقد كنت في حديث مع أحد المتقاعدين من الإخوة الخليجيين، وكان حديثه عن رحلته الطويلة في الوظيفة الحكومية والقطاع الخاص. وذكر لي أنه ومنذ ترك الوظيفة وهو يشعر بحاجة في نفسه إلى تبرئة ذمته من بعض الأموال التي علقت بها خلال سنين عمله. وعندما حدثته عن فكرة هذا الحساب؛ أيد الفكرة ووعد بالمطالبة بها في بلاده. وحتى الآن.. فقد توفر في حساب براءة الذمة أكثر من مائة وخمسين مليون ريال سعودي (40 مليون دولار). يتم العمل على استخدامها لمساعدة المواطنين من ذوي الدخول المنخفضة لأغراض اجتماعية مثل الزواج ترميم المنازل وشراء سيارات الأجرة للمحتاجين القادرين على العمل في هذا المجال ولمساعدة الأسر التي تواجه ظروف مالية صعبة في التغلب عليها، ومن هذا الحساب تم مساعدة 5542 أسرة حتى الآن، منها 80% أسرة تواجه ظروف صعبة، و17% للزواج و3% لترميم المنازل. ومما يُميز هذا الحساب أن الإيداعات فيه يتم التعامل معها بمنتهى السرية. وفي الختام... أعود للتغطية الإعلامية التي صاحبت الإعلان عن هذا الحساب كونها لم توضح للمواطن المعنى المقصود من هذا التوجه. وكل ما واكب هذا الحدث مجرد بضعة مقالات. ولعل الوقت مناسب لعقد مؤتمر صحافي من قبل وكيل وزارة المالية والإدارة المعنية ببنك التسليف. للتوضيح للصحافيين وللعامة: ماذا يقصد بهذا الحساب، وماذا ينتظر منه، وما هي آليات نجاحه. * محلل مالي وكاتب سعودي [email protected]