شركات الجوال في العالم الثالث قوى جديدة تتربع على عرش الاتصالات الهاتفية

«أوراسكوم» و«اتصالات» و«مجموعة زين» نموذج جديد لشركات الهاتف الجوال

TT

عام 1995، نجحت مجموعة «إم تي إن»، وهي شركة اتصالات صغيرة تعنى بالهواتف الجوالة في جنوب أفريقيا، في اجتذاب استثمارات من جانب شركة «إس بي سي» الأميركية للاتصالات. والآن، اتسع نطاق عمل «إم تي إن» ليشمل 21 دولة وارتفع عدد عملائها إلى 70 مليون شخص، ولا تزال تشكل حتى اليوم نقطة جذب للاستثمارات الأجنبية. بيد أنه هذه المرة، يتمثل المصدر الأكبر المحتمل لهذه الاستثمارات في الشركات التي تنتمي للأسواق الناشئة، مما يعكس ظهور قوى جديدة تتربع على عرش صناعة الاتصالات المرتبطة بالهواتف الجوالة، في الوقت الذي تتراجع، على ما يبدو، الشركات الأميركية أمام المنافسين الأجانب الجدد.

وخلال عطلة نهاية الأسبوع وأمام عروض للاندماج من قبل أكثر من شركة هندية، فضلت «إم تي إن» «رليانس للاتصالات» على «بهارتي إيرتيل» وبغض النظر عما إذا كان هذا الاندماج سيصمد، يتوقع المصرفيون إتمام الصفقة. من ناحية أخرى، أعلنت الصين خلال الأيام القليلة الماضية أنها ستعيد هيكلة شركات الاتصالات الست التي تمتلكها بحيث تندمج لتصبح ثلاثا فقط. وترمي هذه الخطوة إلى توفير المساعدة لشركتين من شركاتها القديمة الخاصة بالخطوط الأرضية الثابتة كي تصبح على مستوى «تشينا موبايل»، شركة الهواتف الجوالة الأولى عالمياً التي يقترب عدد مشتركيها من 400 مليون. وفي حال مضي هذه الصفقات حسبما هو مخطط لها، فإن أربعا من أكبر شركات الاتصالات لخدمة الهواتف الجوالة عالمياً ستنتمي إلى الأسواق الناشئة، وهي «تشينا موبايل»، و«تشينا يونيكوم»، و«أمريكا موفيل» و«إم تي إن ـ رليانس». ومن بين الشركات الثلاث المتبقية، تتميز اثنتان بنشاط مكثف داخل الأسواق النامية، هي «فودافون» الانجليزية و«تيليفونيكا 02» الاسبانية. أما الشركة الثالثة فهي «تي. موبايل» الألمانية. من جانبه، أوضح «مادهوسودان غوبتا»، المحلل بشركة «غارتنر» للأبحاث في سنغافورة، أن «بؤرة اهتمام الشركات اللاسلكية تتحول بسرعة من الأسواق الغربية المتقدمة باتجاه العالم النامي». ويذكر أنه رغم النشاط الاستثماري الذي تميزت به شركات خدمات الهواتف الجوالة الأميركية داخل الأسواق الناشئة خلال عقد التسعينيات، سرعان ما ترك الكثير منها هذه الأسواق، وتزايدت وتيرة هذا التوجه في أعقاب الانخفاض الكبير الذي تعرضت له أسهم شركات الاتصالات الهاتفية عام 2000. وفيما يخص شركة «إم تي إن» تحديداً، قامت شركة «إس بي سي»، التي تشكل حالياً جزءا من «إيه تي آند تي ويرليس»، ببيع حصتها فيها بعد عامين فقط. وفي الوقت الذي دفعت فيه «إس بي سي» 90 مليون دولار للحصول على 16% تقريباً من أسهم «إم تي إن» فيما مضى، فإن تكلفة الحصة ذاتها قد تصل اليوم إلى حوالي 6 مليارات دولار.

وفي هذا السياق، علق «روبرت تشابي»، الذي تولى منصب الرئيس التنفيذي لشركة «إم تي إن» بين عامي 1995 و2002، بقوله «فقدت الكثير من كبريات شركات الاتصالات الأميركية في نهاية الأمر اهتمامها بهذه الأسواق، لأنها كانت بالغة الضآلة. الآن، ترى شركات الاتصالات الهاتفية الأميركية قدرا أكبر من الفرص المتاحة بالداخل. فعلى كل الأحوال، تقل معدلات المخاطرة في كنساس عنها داخل أفريقيا». وعليه، نجد أن مهمة تنمية أسواق الهاتف الجوال داخل الأسواق النامية ظلت متروكة على مدار سنوات عديدة للشركات الأوروبية والمحلية. والآن، تبدي هذه الشركات العملاقة المتنامية بسرعة الرغبة في التحول إلى كيانات عالمية. ويفسر «جون جول»، المحلل لدى شركة «انترناشونال داتا كوربوريشن» في براغ، هذا الأمر بالإشارة إلى أن النمو الاقتصادي السريع في الهند والصين والدول الخليجية خلق نمطا جديدا من الشركات الإقليمية المعنية بخدمات الهاتف الجوال، مثل شركات «أوراسكوم» المصرية، التي يصل عدد عملائها في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا إلى 71 مليونا، و«اتصالات» التي يوجد مقرها في أبوظبي ويبلغ عدد مشتركيها 6.6 مليون شخص و10 شركات في افريقيا، و«مجموعة زين» الكويتية التي يبلغ عدد مشتركيها 45.7 مليون عميل و 22 شركة في افريقيا والشرق الاوسط.

وأوضح جول أن «هذه الاقتصادات المزدهرة والتحرير الاقتصادي بصورة عامة تمخض عن ظهور منافسين جدد يمتلكون الموارد والخبرة اللازمة للتوسع داخل الأسواق الناشئة». ويذكر أن اندماج «رليانس» و«إم تي إن» سيثمر شركة تخدم حوالي 116 مليون عميل، مما يضعها في المرتبة السابعة عالمياً بين أكبر شركات خدمة الهاتف الجوال، وفي المرتبة التالية مباشرة لـ«تي موبايل» التابعة لشركة «دويتش تيليكوم». وسيتغلب الكيان الجديد بجدارة على أكبر شركة اتصالات تخدم الهاتف الجوال داخل الولايات المتحدة، وهي «إيه تي آند تي ويرليس» التي يقدر عدد عملائها بـ71.4 مليون. وفي الواقع، لن يكون من السهل إبرام صفقة الاندماج، بالنظر إلى أن رأس مال «رليانس» السوقي يقدر بـ27.5 مليار دولار، أي ما يقل عن نظيره لدى شركة «إم تي إن» بمقدار 10 مليارات دولار تقريباً، علاوة على أن عدد عملاء الشركة الهندية يقل بمقدار قرابة 20 مليونا عن المشتركين لدى «إم تي إن». وجدير بالذكر أن إدارة «إم تي إن» رفضت عرضاً لشراء الشركة من قبل «بهارتي»، التي تفوق في حجمها شركة «رليانس»، مقترحة بدلا من ذلك أن تصبح «إم تي إن» الشركة الأم. إضافة إلى ذلك، فإنه رغم كونها أصغر، ربما ترفض «رليانس» الاضطلاع بدور فرعي، خاصة وأنها تشكل جزءا من تكتل تجاري ضخم يملكه رجل الأعمال الهندي البارز «أنيل دهيروبهاي أمباني»، تقدر قيمته السوقية بـ75 مليار دولار. من ناحيتهم، أشار المصرفيون والمحللون، علاوة على تقارير صحفية، إلى عدد من القوى الصاعدة بصناعة خدمة الهاتف الجوال داخل الأسواق الناشئة التي تبدي اهتمامها بـ«إم تي إن» إلى جانب شركات أوروبية للاتصال عن بعد. والملاحظ أن كلا من «إم تي إن» و«رليانس» تميزتا بالمهارة في تحقيق أرباح من وراء عملاء ينفقون في العادة مبالغ ضئيلة للغاية على خدمات الهاتف الجوال ـ حوالي ما يقل عن 20 دولاراً شهرياً بالنسبة لـ «إم تي إن» وأقل من 9 دولارات فيما يخص «رليانس»، بناءً على أحدث التقارير ربع السنوية الصادرة عن الشركتين. وفي المقابل، يبلغ متوسط إنفاق العميل لدى شركة «فيريزون ويرليس» داخل الولايات المتحدة، وذلك طبقاً للتقرير ربع السنوي الصادر عن «فودافون» التي تملك 40 % من أسهم «فيريزون». وتشير الإحصاءات المتوافرة إلى أن «رليانس» حققت أرباحاً بلغت 1.4 مليار دولار من وراء مبيعات بلغت 4.8 مليار دولار خلال العام المنتهي في 31 مارس. بينما جنت «إم تي إن» أرباحاً بلغت 11.9 مليار راند جنوب أفريقي، ما يعادل 1.6 مليار دولار، عام 2007 عن مبيعات تقدر بـ73.1 مليار راند، أو 9.7 مليار دولار. من جانبها، أعربت «رليانس» أخيرا عن اهتمامها بالسوق الأفريقية، حيث يتوافر قدر ضئيل من الخطوط الأرضية وإمكانية كبيرة لنمو شركات خدمة الهاتف الجوال. ومن خلال شركة «رليانس فلاج» التابعة لها، تستثمر «رليانس» 1.5 مليار دولار لمد كابلات ألياف ضوئية في أفريقيا. وفي فبراير، اشترت «رليانس» شركة هاتفية بعد أوغندية صغيرة، معلنة عن خطط لاستثمار قرابة 500 مليون دولار هناك خلال السنوات الخمس المقبلة بهدف توفير خدمات الهاتف الجوال والدخول إلى شبكة الانترنت. إلا أن المحللين يعتقدون أن هناك الكثير من المخاطر أمام الشركات الأجنبية الساعية للدخول إلى الأسواق الأفريقية المتنامية بسرعة. على سبيل المثال، أكد أندريه ويلز، مدير قسم تحليل الشؤون الأفريقية داخل شركة سنتورين الاستشارية بمجال الصناعات اللاسلكية، أنه «ينبغي التحلي بقدر كبير من التفهم لبيئة العمل الأفريقية والتحديات المتعلقة بالعمل عبر جميع هذه البيئات التنظيمية المختلفة».

وفي حال مشاركة «رليانس» بدرجة كبيرة داخل السوق الأفريقية، فإن ذلك ربما يزيد من اهتمام المستثمرين الدوليين، مثل «فودافون» التي تملك شركة فرعية داخل مصر ولها نشاط في سبع دول أفريقية أخرى، وشركة «أورانج» التي تملك حصصاً بشركات، تعمل في 13 دولة أفريقية، وكذلك «برتوجال تيليكوم» العاملة بأنغولا والمغرب. ومن بين الشركات الأخرى التي من المحتمل أن تسعى للتعاون مع «إم تي إن»، شركة «فودافون» التي تملك 50% من أسهم شركة «فوداكوم» بجنوب أفريقيا، و«دويتش تيليكوم» و«فمبيل كوم» الروسية. وفي الوقت الذي أعلن فيه المسؤولون التنفيذيون بـ«فودافون» عن عدم نية الشركة اتخاذ أي خطوات تجاه «إم تي إن»، رفض مسؤولو شركتي «دويتش تيليكوم» و«فمبيل كوم» التعليق.

وبصورة عامة، تعتبر القارة الأفريقية، التي يملك 29% من سكانها هواتف جوالة تبعاً للإحصاءات الصادرة عن «غارتنر»، واحدة من الأسواق الواعدة. يذكر أنه داخل الهند، يبلغ معدل اختراق السوق 34%، بينما تصل النسبة ذاتها في الولايات المتحدة إلى قرابة 70% وفي أوروبا الغربية إلى ما يزيد على 90%.

* خدمة «نيويورك تايمز»