أميركا: التضخم يدفع البنك المركزي لكسر سياساته التقليدية.. ودعم الدولار يتصدر الموقف

توقعات بموجة صعود للعملة الخضراء و«التعاون الاقتصادي» يطالب بالموازنة بين النمو الاقتصادي والتضخم

TT

كسر بن برنانكي رئيس المجلس الاحتياطي الاميركي (البنك المركزي) التقليد المتبع في البنك، بعدم التعليق على تحركات الدولار، ليعطي بذلك اشارة واضحة وقوية بان البنك المركزي الاميركي لا يريد ان يرى الدولار ضعيفا اكثر من ذلك، نتيجة المخاطر التي يشكلها على معدل التضخم.

وقال برنانكي «بالتعاون مع زملائنا في الخزانة، نواصل عن كثب رصد التطورات في اسواق الصرف الاجنبي»، موضحا ان ضعف الدولار خلال العام الماضي ساهم « بطريقة غير مرحب بها في ارتفاع اسعار الواردات ومعدل التضخم».

ودعمت تصريحات برنانكي الدولار بقوة في اسواق الصرف العالمية، كما انها زادت ضغوطها النزولية على اسعار النفط. كما واصل امس الأربعاء الدولار ارتفاعه، بعدما أظهر تقرير نموا أفضل من المتوقع في قطاع الخدمات الاميركي الشهر الماضي.

وتراجع اليورو الى 1.5424 دولار من 1.5440 دولار قبل اعلان الارقام. وصعدت العملة الاميركية مقابل الين مسجلة 105.33 ين من 105.10 ين.

وسجل مؤشر معهد ادارة التوريدات للنشاط غير الصناعي 51.7 في مايو (أيار) من 52.0 في الشهر السابق. وكانت السوق تتوقع قراءة تبلغ 51.0.

وقال لرويترز جورج دافيس كبير المحللين الفنيين لدى ار.بي.سي كابيتال ماركتس في تورونتو، «الارقام جاءت أفضل قليلا من المتوقع.. ارتفعت أسعار السداد قليلا من 72.1 الى ،77 وفي سياق تصريحات برنانكي يوم أول من أمس بشأن الدولار والتضخم فسوف نشهد هنا موجة صعود في الدولار الاميركي».

وهذه هي المرة الاولى التي يتحدث فيها رئيس الاحتياطي الفيدرالي المعروف بتكتمه بصراحة وبطريقة مفاجئة للاسواق، عن قلقه ازاء اسعار الصرف التي عادة ما يعتبرها من صلاحيات وزارة الخزانة الاميركية. وكان بن برنانكي رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الاميركي) قد صرح أول من أمس الثلاثاء ان أسعار الفائدة الاميركية في وضع جيد بالنسبة لاقتصاد يواجه ضغوط الأسعار ومخاطر تهدد النمو، لكنه أصدر تحذيرا نادرا بشأن المخاطر التضخمية التي يشكلها ضعف الدولار.

وأضاف في تصريحات معدة سلفا للادلاء بها عبر القمر الصناعي أمام مؤتمر بشأن السياسة النقدية في مدينة برشلونة الاسبانية، «السياسة حتى الان في وضع جيد على ما يبدو لتشجيع نمو معتدل واستقرار الاسعار بمرور الوقت.. سنراقب بالتأكيد تطور الوضع عن كثب ونحن مستعدون للتحرك عند الضرورة للوفاء بتفويضنا المزدوج».

وقال برنانكي انه الى أن تستقر أزمة سوق الاسكان وأسعار المساكن بالولايات المتحدة سيظل الاقتصاد معرضا لخطر المزيد من الضعف. واشار الى أسعار النفط باعتبارها عاملا اخر يؤثر على النمو.

وتابع رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي أن المجلس ووزارة الخزانة الاميركية يواصلان مراقبة التطورات في أسواق العملة بحذر. وقال «نحن متيقظون لعواقب التغير في قيمة الدولار على التضخم وتوقعات التضخم وسنواصل صياغة السياسة للحماية من المخاطر التي تواجه عنصري تفويضنا المزدوج»، في اشارة الى هدفي مجلس الاحتياطي الاتحادي لضمان استمرار النمو وانخفاض التضخم.

واعرب رئيس الاحتياطي الفيدرالي الاميركي بن برنانكي بعبارات صريحة عن قلقه من انخفاض سعر صرف الدولار وانعكاساته التضخمية على الاقتصاد الاميركي.

وقال برنانكي ان «التحديات التي واجهها اقتصادنا خلال السنة المنصرمة القت بثقلها على اسعار صرف الدولار، مما اسهم في ارتفاع اسعار الاستيراد وتضخم اسعار السلع الاستهلاكية».

وقال برنانكي «بالتعاون مع زملائنا في وزارة الخزانة، سنواصل متابعة تطور اسواق الصرف عن كثب».

وقال ان ما حدث للدولار «صار سبب ضغوط غلاء سلبية». ليس عاديا ان يعلق رئيس البنك المركزي على الدولار، لأن هذا من اختصاص وزير الخزانة. لكن، يوضع التعليق ان مصير الدولار صار يسبب قلقا لكثير من كبار المسؤولين عن الاقتصاد الاميركي.

وقال برنانكي لمؤتمر اسبانيا: «خلال السنة الماضية، واجه اقتصادنا تحديا سبب ضغوطا على قيمة الدولار في الاسواق الخارجية. وبدوره، سبب هذا زيادة قيمة الواردات، وارتفاع نسبة الغلاء بالنسبة للمستهلكين الاميركيين». واضاف: نحن مهتمون بانخفاض قيمة الدولار، وخاصة بسبب تأثيره على الغلاء. ونحن سنواصل وضع سياسة توازن بين هدفين: اولا: اسعار مستقرة.

وشهد سعر صرف الدولار انخفاضا كبيرا خلال الفترة الماضية، وخصوصا امام اليورو الذي بلغ في ابريل (نيسان) مستوى قياسيا تجاوز 1.60 دولار. ولكن الدولار تحسن بعد تصريحات برنانكي ليصبح سعر اليورو 1.54 دولار.

ويواظب المسؤولون الاميركيون التأكيد على ان سياسة الولايات المتحدة تقوم على دعم « دولار قوي»، ولكن الاسواق هي التي تحدد اسعار العملات.

لكن برنانكي اكد انه واثق انه على المدى البعيد ستؤدي السياسة النقدية التي يتبعها البنك المركزي الاميركي و«القوة الكامنة للاقتصاد الاميركي» ستشكل «عوامل اساسية تضمن بقاء الدولار عملة مستقرة وقوية».

من ناحية اخرى قالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أمس ان الاقتصاد الاميركي سيتباطأ تدريجيا بشدة هذا العام، فيما يسبب أضرارا جانبية لاوروبا واليابان، لكن قوى اقتصادية مثل الصين ستنجو من أسوأ العواقب.

وقالت المنظمة في تقرير ان التضخم قد يبقى مرتفعا لبعض الوقت رغم التباطؤ الشديد بالولايات المتحدة والتأثيرات المترتبة على ذلك على النمو في مناطق أخرى صناعية بالدرجة الاولى.

وسلطت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي منظمة عامة يمولها أعضاؤها الثلاثون، وأغلبهم من الدول الغنية، الضوء على المشكلات وعدم اليقين الناجم عن تحول في القوة الاقتصادية العالمية باتجاه دول سريعة النمو مثل الصين والبرازيل والهند وروسيا الغنية بالنفط.

وتوقعت المنظمة انكماشا للاقتصاد الاميركي في الربع الثاني ونموا بنسبة 1.2 في المائة فقط في عام 2008 بأكمله نتيجة لتباطؤ قطاع الاسكان وتأثيره على الاقتصاد بأكمله.

وقال لرويترز يورجن المسكوف كبير الاقتصاديين في المنظمة، «الصورة هي لاقتصاد اميركي راكد حتى نهاية هذا العام، وبعد ذلك يتعافى ولكن تدريجيا فقط». ووصف أي تلميح الى أن أوروبا أو اليابان يمكن أن يتجنبا أضرار ذلك بأنه وهم. وتوقعت المنظمة ضعفا في الربع الثاني في منطقة اليورو بنمو يبلغ 0.2 في المائة فقط على أساس سنوي مقارنة بالربع المقابل من العام الماضي، كما توقعت نمو الاقتصاد الياباني 1.1 في المائة على أساس سنوي أيضا خلال الفترة نفسها.

وبخصوص العام الحالي بأكمله سيتباطأ النمو الى 1.7 في المائة في كل من منطقة اليورو واليابان. وفي حين أن هذا أفضل من أداء الاقتصاد الاميركي الا أنه يمثل انخفاضا من 2.6 و2.1 في المائة على التوالي في عام 2007.

وقالت المنظمة في توقعاتها الاقتصادية التي تصدرها مرتين في العام «اقتصادات دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تواجه صدمة عكسية ثلاثية مع تطور العولمة»، مضيفة ان النمو الاقتصادي بالاسواق الصاعدة سيتواصل بوتيرة سلسة حتى اذا تباطأ بشكل هامشي.

وأوضحت أن الصدمة الثلاثية هي الاضطرابات بأسواق المال التي امتدت خارج الولايات المتحدة بعد أزمة سوق الرهون العقارية عالية المخاطر وتوقف الانتعاش العالمي في أسعار المساكن والارتفاع الشديد في تكاليف الغذاء والوقود.

وأضافت المنظمة التي مقرها باريس «تلك الصدمات الثلاث متصلة بشكل معقد بالاهمية المتزايدة للاسواق الصاعدة في الاقتصاد العالمي. تعرضت اقتصادات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعواصف قوية في الفترة الاخيرة وستتطلب عودتها الى المسار الصحيح وقتا وسياسات حكيمة».

وينبغي للبنوك المركزية التي تحاول احداث توازن بين ارتفاع التضخم وتباطؤ النمو ترك أسعار الفائدة عند مستوياتها لنحو عام في الولايات المتحدة وفي اليابان وحتى نهاية عام 2009 في منطقة اليورو.

لكن في كندا وبريطانيا ربما تحتاج الى خفض اسعار الفائدة كثيرا بمقدار ثلاثة أرباع نقطة أو نقطة مئوية كاملة في الاجل القريب لتعويض اثار التباطؤ.

وقدرت المنظمة التأثير على النمو هذا العام والعام القادم بسبب اضطرابات الاسواق المالية في الولايات المتحدة، علاوة على التأثيرات المترتبة عليها في مناطق أخرى.

وقالت ان أوروبا واليابان لا تتمتعان بحصانة رغم أن نصف التأثيرات تنتج عن تغيرات أسعار الصرف المرتبطة بالتباطؤ الاقتصادي واضطرابات الاسواق في الولايات المتحدة، أكثر من كونها عدوى مباشرة انتقلت من خلال الاوضاع المتدهورة في أسواق الائتمان والاسهم.

وأشارت تقديرات الوكالة الى أن الاضطرابات المالية ستخفض النمو الاقتصادي الاميركي بنحو ثلاثة أرباع نقطة مئوية في عام 2008 وبمقدار 1.25 نقطة مئوية في 2009. وسيكون التأثير مشابها في أوروبا وقريبا منه في اليابان لكنه سيكون أقل في الصين.