«المركزيان» الأوروبي والبريطاني يبقيان على سعر الفائدة دون تغيير

تقرير: أوقات عصيبة تنتظر الاقتصاد البريطاني > اليورو ينتعش بعد إشارة تريشيه لخطر التضخم > بيرنانكي: الاقتصاد الأميركي يواجه «صدمة نفطية قاسية»

تقلبات العملات اصبحت مشكلة عالمية (خدمة شاتر ستوك)
TT

قرر أمس «البنكان المركزيان» الاوروبي والبريطاني الابقاء على سعر الفائدة دون تغيير وسط تنامي المخاوف من ارتفاع معدلات التضخم وتسارع التباطؤ الاقتصادي.

وفي هذا السياق قرر مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي أمس في اجتماعه الشهري لمراجعة السياسة النقدية الإبقاء على سعر الفائدة عند مستوى 4% دون تغيير للشهر 12 على التوالي، مؤكدا موقفه المتشدد في مكافحة التضخم.

وقال البنك ان فائدة اعادة التمويل ستبقى عند نسبة 4%. كما قرر البنك كذلك الابقاء على معدلي فائدة الايداع عند 3%، والاقراض الهامشي عند 5%.

وفي لندن، قرر البنك المركزي البريطاني في وقت سابق أمس الابقاء على معدل فائدته دون تغيير عند نسبة 5% لمواجهة الارتفاع الكبير في اسعار النفط والاغذية رغم مخاوف بشان حدوث تباطؤ اقتصادي وانخفاض سوق العقارات السكنية.

وفي اسواق العملات ارتفع سعر اليورو أمس بعد أن قال جان كلود تريشيه رئيس البنك المركزي الاوروبي ان خطر ارتفاع الاسعار يتزايد في منطقة اليورو. وارتفع اليورو الى 1.5404 دولار من 1.5384 دولار قبل تصريحات تريشيه ولكنه ظل منخفضا خلال اليوم. وقال رئيس البنك المركزي الاوروبي جان كلود تريشيه إن البنك يرصد التضخم مع «زيادة اليقظة». ومع ارتفاع اسعار النفط وزيادة اسعار المواد الغذائية، يبدو ان البنك المركزي الاوروبي قد بدأ ينحو نحو موقف متشدد تجاه أسعار الفائدة. واشار تريشيه في مؤتمر صحافي عقده في فرانكفورت أمس «لاحظنا ان المخاطر على استقرار الاسعار على المدى المتوسط قد ازدادت بشكل أكبر». وتظهر البيانات الصادرة خلال الشهر الماضي المعضلة التي يواجهها البنك المركزي الاوروبي وبنوك مركزية أخرى. فمن ناحية يتباطأ الاقتصاد ومن ناحية أخرى ترتفع اسعار المواد الغذائية والوقود.

وكان البنك المركزي الأوروبي قد احتفل خلال الأسبوع الحالي بالذكرى العاشرة لتأسيسه في ظل ظروف اقتصادية غير مواتية بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والنفط وبوادر تباطؤ الاقتصاد العالمي.

ويمكن القول إن جان كلود تريشيه محافظ البنك المركزي الأوروبي وأعضاء مجلس الإدارة وعددهم 21 عضوا يواجه أصعب فترات الاختبار في تاريخ البنك القصير.

وقال لرويترز راينر جونترمان كبير خبراء الاقتصاد الأوروبي في مؤسسة درسدنر كلاينفورت الاستثمارية الألمانية «هذه أصعب الأوقات التي تواجه البنك المركزي الأوروبي منذ تأسيسه». وفي الوقت الذي كشفت فيه بيانات صدرت يوم الجمعة الماضي أن ارتفاع أسعار النفط والغذاء أدت إلى صعود معدل التضخم في منطقة اليورو في مايو (آيار) الماضي إلى أعلى مستوى له خلال ستة عشر عاما مسجلا 3.6% يواجه البنك المركزي الاوروبي أيضا مشكلة تباطؤ النمو الاقتصادي في كل من منطقة العملة الأوروبية الموحدة والعالم.

ابقى بنك انجلترا على سعر الفائدة دون تغيير امس الخميس عند مستوى خمسة بالمئة للشهر الثاني على التوالي كما كان متوقعا اذ يوازن بين مخاطر التباطؤ الاقتصادي الحاد ومخاوف من ان يواصل التضخم ارتفاعه.

وبدت الانباء الاقتصادية في الايام القليلة الماضية قاتمة، فاسعار المساكن تتراجع وثقة المستثمرين تتهاوى الى أدنى مستوياتها منذ أوائل التسعينات وحتى سوق العمل يبدو انها تتراجع.

لكن الاسواق استوعبت فيما يبدو عدم تغيير الفائدة هذا الاسبوع اذ ان التضخم زاد بمقدار نقطة مئوية كاملة عن المستوى الذي يستهدفه البنك المركزي وهو اثنان في المائة ومن المتوقع ان يرتفع بدرجة أكبر بسبب اسعار المواد الغذائية والوقود المتصاعدة.

ومع ذلك يتوقع بعض المحللين ان يخفض البنك المركزي سعر الفائدة في وقت لاحق هذا العام بسبب التباطؤ الاقتصادي الحاد وزيادة المخاوف من أزمة في قطاع الاسكان. وجاء قرار الإبقاء على سعر الفائدة عند مستواه الحالي ليشير إلى تحول في تفكير مسؤولي السياسة النقدية في بريطانيا الذين لمحوا في وقت سابق من العام الحالي إلى احتمال القيام بسلسلة تخفيضات لأسعار الفائدة . وكان معدل التضخم قد قفز خلال أبريل (نيسان) الماضي إلى 3% في حين أن الحد الأقصى المقبول من جانب البنك المركزي لا يزيد عن 2%.

وقال محللون إن بنك إنجلترا المركزي فضل «الحل الوسط» في مواجهة الموقف الحالي، حيث يحتاج إلى خفض سعر الفائدة لمواجهة تباطؤ نمو الاقتصاد في الوقت الذي يحتاج فيه إلى سعر فائدة مرتفع لمواجهة الضغوط التضخمية.

من ناحية أخرى أظهرت أمس بيانات بنك هاليفاكس أكبر بنك عقاري في بريطانيا تراجع أسعار العقارات في بريطانيا خلال أبريل الماضي بنسبة 4% تقريبا وهو أسرع معدل تراجع منذ 1993.

في الوقت نفسه توقع تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومقرها باريس اول من أمس «تراجعا كبيرا» للاقتصاد البريطاني حيث سيبلغ النمو في العام الحالي 1.8 في المائة ونحو 1.4 في المائة في العام المقبل، مبينا ان أسعار العقارات في بريطانيا من المتوقع ان تتراجع بنحو 10 في المائة مع نهاية العام المقبل. الى ذلك قال رئيس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي) الاميركي بن برنانكي ان الاقتصاد الاميركي يواجه «صدمة نفطية قاسية» لكنه يقاوم اليوم اسعار النفط الخام المرتفعة بشكل افضل بكثير منه في السبعينات.

وفي مقارنة بين الوضع اليوم وما كان عليه في 1975، قال برنانكي أول من أمس: «شهدنا بالامس كما اليوم صدمة قاسية جراء الاسعار النفطية وزيادة كبيرة في اسعار المواد الغذائية وغيرها من المواد الاولية ونموا ضعيفا». لكن «الفوارق اكثر قوة من نقاط التشابه»، كما قال.

وتابع رئيس الاحتياطي الفدرالي ان الاسعار ارتفعت اكثر من اربعة اضعاف في غضون خمسة اعوام كما حدث مطلع السبعينات «لكن اقتصادنا خرج حتى الآن من الصدمة النفطية بشكل افضل بالمقارنة مع تلك الفترة (السبعينات)».

ولتأكيد تصريحاته، اضاف برنانكي «ان هناك فارقا اساسيا يتمثل في ما لا ترونه هو ان سائقين يقفون في طوابير لشراء البنزين يوميا بسبب الرقابة على الاسعار بينما كانت هناك محطات لتوزيع البنزين تعلن: لا وقود».

وكان برنانكي يتحدث في كامبريدج (ماساتشوستس، شمال شرق) امام دورة خريجي العام 2008 في جامعة هارفرد. وقد قارن مع الوضع السائد اثناء سنة تخرجه في 1975. وكان الاقتصاد العالمي يعاني حينذاك من اثار الصدمة النفطية في اكتوبر (تشرين الاول) 1973 والتي كانت مرتبطة بحظر نفطي فرضته الدول العربية المنتجة للنفط. وبلغ سعر برميل النفط في نهاية مايو (ايار) 2008 مستويات تاريخية متجاوزا عتبة 135 دولارا قبل ان يعود الى التراجع بشكل كبير لاحقا. ولهذه الزيادة المفاجئة مفاعيل سلبية على المستهلكين والشركات، الذين يشهدون قفزة عالية في فاتورة الطاقة.

وبين العوامل التي تفسر التأثير القليل لسعر النفط المرتفع، اورد برنانكي القدرات المتنامية لتكيف الاقتصاد مع اوضاع صعبة واستخدام اكثر فعالية للطاقة.

واشار ايضا الى سلوك التضخم «الاكثر ارتفاعا اليوم مما كنا نرغب»، لكنه لايزال بعيدا عن الزيادات التي تفوق العشرة في المائة التي سجلها في الثمانينات.

أما بشأن التوقعات المتعلقة بالتضخم، فقد قال برنانكي ان بعض العوامل كشفت زيادة في الاشهر الاخيرة موضحا ان «ذلك يثير قلقا كبيرا بالنسبة الى الاحتياطي الفدرالي».

وهي المرة الثانية في غضون يومين التي يبدي فيها رئيس الاحتياطي الفدرالي الاميركي مخاوفه من التضخم مما دفع بالاسواق الى استبعاد امكانية زيادة جديدة في معدلات الفوائد.

لكنه اشار الى ان زيادة توقعات التضخم تقاس اليوم باعشار النقاط وليس بالنقاط كما كانت عليه الحال في منتصف السبعينات.

واضاف ان «هناك اليوم قلة من المؤشرات التي تدل على بداية حلقة وفقا لنموذج السبعينات عندما كانت الرواتب والاسعار تدفع الى الزيادة بشكل متبادل».

واحد الاسباب الذي تفسر هذا المستوى من التضخم هو برأيه التقدم الذي احرز في السياسة النقدية لان الاحتياطي الفدرالي الاميركي والبنوك المركزية الاخرى «استخلصت العبر من السبعينات».

واضاف ان «المحافظة على الثقة في التزام الاحتياطي الفدرالي باستمرار استقرار الاسعار، تشكل اولوية في هذه الفترة حيث يواجه البنك المركزي في وضع معقد».

لكن برنانكي اكد مع ذلك انه على الولايات المتحدة وبقية دول العالم ان تواجه «تحديات كبيرة» مع زيادة الطلب العالمي على الطاقة «خصوصا اذا ما ادت زيادة الطلب المتواصلة وضرورات الامدادات الى استمرار الضغوط المكثفة على الاسعار».